منذ 360 مليون عام، كانت السبع قارات قارة واحدة قبل أن تنفصل وتتكسر قبل حوالي 200 مليون عام وكانت تدعي القارة الأم أو قارة "البانجيا" وهي تعنى الأرض باللغة الإغريقية، فالجيولوجيا كانت تعبر عن وحدة البشر، ووحدة المصير الذي يفرض علينا التعاون من أجل البقاء لا الاندثار.
هذا ما بدأ العالم يدركه ويحققه وهو ما ظهر جليّا في القمة الإفريقية الأوروبية في بروكسل تلك
القمة التي جمعت القارة البكر والقارة العجوز، وكانت مصر من الدول الست المختارة لتحصل على تكنولوجيا مرسال الحمض النووي لتصنيع اللقاح، ولم يكن هذا من قبيل الصدفة، فهناك مقومات مهدت حصول مصر على ذلك، علي رأسها ؛ أن مصر هي الدولة الوحيدة إبان الجائحة التي نادت بالاندماج لا العزلة، هي التي أرست مبدأ التعاون رغم الجائحة، هي كانت الصوت الوحيد الذي يعلو وينادى البشر بالاتحاد، في كوكب صامت، تلحف بالظلام والسكينة الأليمة.
فضلا عن ذلك، فمصر أصبح لديها المقومات الأمنية التي تساعد علي توطين صناعة مثل صناعة الدواء أو اللقاحات، كما أصبح لديها مدينة للدواء بالقليوبية التي قام بافتتاحها السيد الرئيس السيسى في العام الماضي وأصبح لديها بني تحتية قادرة علي استيعاب تلك التكنولوجيا من ميكنة وطرق ومحاور.
فجائحة كورونا غيرت شكل الرعاية الصحية، غيرت الأولويات وجعلت من توطين الصناعة الطبية والبحث العلمي أولوية لجميع الدول، ولا سيما الكادر البشري وهو أهم مكون في المعادلة، فبدون عقول ذكية وقادرة علي تطوير تلك التكنولوجيا وتوطين تلك الصناعة، لا يمكن أن تنجح تلك الخطوة.
هكذا تحقق مصر رويدًا رويدًا الاستقلالية الدوائية كما حققت الاستقلالية السياسية والاقتصادية، فمين يملك قلمه يستطيع أن يدون تاريخه ! ولكن مصر تؤمن أنها جزء من كل، وتقوم بواجباتها تجاه القارة الأم لأنها تؤمن أن ذلك ليس بمنحة بل أن التنمية المستدامة وأهدافها مرتبطة ارتباط وثيق بالتنمية المستدامة الإفريقية.
لم يكن ذلك إلا نتاج مجهود مصر السياسي في كل المحافل السابقة، التي كانت فيها مصر لسان إفريقيا والتي تحدثت ونادت بأن يكون هناك توزيع عادل للقاحات، حتي باءت تلك الجهود بالنجاح المستدام، فكان من الممكن أن يكون الرد الغربي هو إعطاء المزيد من اللقاحات لإفريقيا في الأعوام القادمة
ولكن جاءت المساعدة حقيقية بفضل ثقل مصر وهو إعطاء ست دول على رأسهم مصر تكنولوجيا تصنيع اللقاح، وذلك بإقناع الجانب الغربي أن عدم التوزيع العادل للقاحات كان السبب في مزيد من المتحورات في بلدن افريقية تأثر منها العالم كله، وها هي مصر تلقن العالم درسًا جديدًا في أن العولمة لا تحقق وحدة البشر بل آليات التصدي للكوارث هي التي تحققها.