الحلقة (1)
العالم المصري المُلقب بـ«ملك طواحين الهواء» لـ«البوابة نيوز»: مصر نجحت في تنويع مصادر الطاقة
خالد عبدالرحمن: تطبيق نتائج البحث العلمي أساس حل المشكلات.. لدينا كفاءات في كل المجالات
لا طريق للتقدم إلا بالبحث العلمي المنظم باستراتيجية بعيدة المدى
مصر تمتلك خطة طموح لاستخدام الطاقة المتجددة عام 2022
تضافر الجهود العربية والأفريقية يساهم في حل العديد من الأزمات الموجودة
هناك ضرورة لربط البحث العلمي بالصناعة بشكل مباشر للخروج بأفضل نتائج
تدريب المهندسين والفنيين وصيانة التوربينات أهم ركائز تنفيذ خطة 2030
يجب وضع خطة لتصنيع أجزاء طواحين الهواء داخل مصر
العالم المصري يشدد على ضرورة زيادة مستوى التعاون البحثي مع مختلف الدول العربية والأفريقية
مصر حصلت على فرصة قوية للعمل على تصدير الطاقة الكهربائية
حوار- سمير عثمان
بعيدًا عن حسابات السياسة التى لا تخلو من المزايدات، وتقوم على المبالغة في أغلب الأحيان، اتخذنا مسارًا مختلفًا تحت عنوان «حوارات المستقبل.. مصر كما ينبغى أن تكون»، لعرض وطرح خبرات المتخصصين في شتى المجالات العلمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
«البوابة» تحاول في هذا المسار عبر سلسلة من الحوارات، تقديم نماذج مضيئة وأفكار خارج الصندوق، لدعم خطة مصر للتنمية 2030، التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي
في أول حوار من هذه السلسلة تحدثنا مع العالم المصري الدكتور خالد عبدالرحمن، والذي يعد واحدًا أهم العلماء المصريين المتخصصين في ملف الطاقة المتجددة في العالم، والمُلقب بـ«ملك طواحين الهواء في ألمانيا».
عبدالرحمن من مواليد محافظة كفر الشيخ حاصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة عين شمس، تتلمذ على يد العالم المصري فيكتور رزق الله، وحصل على ماجستير في كيفية تسليح الأرض لتحسين خواصها، حاصل على الدكتوراه في الھندسة المدنية من جامعة دورتموند بألمانيا، نائب رئيس معهد الهندسة الجيوتقنية بجامعة هانوفر بألمانيا، ومتخصص في تصميم أساسات المنشآت البحرية وطواحين الهواء المستخدمة لتوليد الطاقة المتجددة، نشر حوالي 60 بحثأ في ميكانيكا التربة والأساسات، - حاصل على جائزة أفضل بحث علمي متميز في إحدى أكبر الدوريات العلمية في العالم.
تخصص العالم المصري في طواحين الهواء التي تولد الطاقة الكهربائية، وأجرى بحث مشترك حول تحمل طواحين الهواء العمل وسط البحر لأكثر من 20 عامًا، وقام بعمل حسابات لتحريك الطاحونة بعد 20 عاما، ويعد أحد أهم الباحثين في مشروع «ألفا فينتوس»، الذي يهتم بإنشاء طواحين هواء في بحر الشمال، كما أنشأ 12 طاحونة تكفي كل واحدة منها لإنارة مدينة صغيرة، كما يعد صاحب فكرة تأسيس مركز لتعليم استخدام وتوظيف الطاقة الجديدة والمتجددة في مصر.
أكد العالم المصري أن مصر لديها العديد من الكفاءات التي يمكن الاعتماد عليها في شتى المجالات، مشيدًا بالدور الذي تقوم به مصر في الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة، ومشددًا على ضرورة تضافر الجهود المصرية والعربية أيضًا من أجل التقدم العلمي والنهوض بهذه الدول.. وإلى نص الحوار.
في 2001 بدأت ألمانيا اعتماد خطتها للاستفادة من الطاقة المتجددة كيف نجحت في تنفيذ هذه الخطة؟
لقد وضعت ألمانيا خطة طموح لرفع نسبة الطاقة المتجددة، وذلك عن طريق تشجيع الجامعات ومراكز البحث العلمي المختلفة، للعمل والبحث في كيفية تطوير وتحديث خفض النفقات الخاصة بتكلفه إنشاء طواحين الهواء، سواء على الأرض أو داخل البحر، وقامت بدعم البحث العلمي، وتحويل مختلف المشروعات البحثية المتعلقة بالطاقة المتجددة، وخاصة طاقة الرياح.
كما عملت ألمانيا على إنشاء مراكز بحثية متطورة، حيث يقوم فريق العمل من الجامعات بالتعاون مع الشركات المنتجة لطواحين الهواء، بحضور ممثلين عن الحكومة مثل وزراء الطاقة والبحث العلمي، من أجل حل أي مشكلة موجودة ومتعلقة بهذا المجال، فضلًا عن دعم الطاقة المنتجة من طاقة الرياح، وتشجيع الشركات للمضي قدمًا في بناء مزارع طاقة الرياح في شمال ألمانيا (بحر الشمال وبحر البلطيق).
من ألمانيا إلى مصر.. كيف ترى مستقبل الطاقة المتجددة في مصر؟
بلدنا الحبيب مصر تتمتع بإمكانيات هائلة في مجال الطاقة المتجددة، سواء عن طريق الرياح أو الطاقة الشمسية، ولقد وضعت هيئه الطاقة المتجددة بوزارة الكهرباء خطة طموح لرفع نسبة الطاقة المتجددة من حوالي 20 % عام 2022 إلى 42 % عام 2035، وذلك عن طريق الرياح أو الطاقة الشمسية، وتوجد حاليًا مشاريع عالمية بمصر سواء في جبل الزيت لتوليد الطاقة عن طريق الرياح أو في جنوب أسوان لتوليد الطاقة من الألواح الشمسية، وهذا يضع مصر على مصاف الدول المتميزة في هذا المجال، ويبشر بمستقبل واعد للطاقة المتجددة في مصر.
ما الذي ينقص مصر لتكون قادرة على تنفيذ خطة الطاقة المتجددة والمضي قِدمًا دون تراجع؟
الدولة المصرية على وعي كامل وإدراك شامل بهذه الخطة، ولابد من تضافر كل الجهود على النحو التالي: العمل على تشجيع البحث العلمي في هذا المجال سواء في مجال طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، وكذلك ربط نتائج الأبحاث العلمية بالصناعة والعمل على تفعيل هذه النتائج، ووضع خطة طموح للبدء في تنفيذ وتصنيع مختلف أجزاء الطاحونة في مصر عن طريق نقل الخبرات الأجنبية في هذا المجال.
وذلك لا يقل أهمية عن تدريب المهندسين والفنيين العاملين بهذا المجال لرفع كفاءتهم وتطويرها، ليكونوا على علم شامل بالتقدم العلمي في مجال الطاقة المتجددة، فضلًا عن رفع مستوى الصيانة وعمل دورات بشكل منتظم للتأكد من نسبة كفاءة التشغيل، بالإضافة إلى العمل على تطوير المنظومة الفنية، والعمل على توفير الطاقة بمختلف أنواعها والمحافظة على البيئة الخاصة بذلك، ومع ذلك كله يجب أن يكون هناك دور قوي للصحافة والإعلام من أجل نشر الوعي فيما يتعلق بهذا الملف.
هل تملك مصر المقومات الجغرافية التي تجعلها تعتمد على طاقة الرياح؟
انطلاقًا من أطلس الرياح لجمهورية مصر العربية يتضح لنا وجود أكثر من منطقة تتمتع بسرعات رياح ممتازة طوال العام، ومنها منطقة الزعفرانة وجبل الزيت، وهذا يتيح لمصر بناء واستغلال هذه المناطق لتوليد طاقة كهربائية عن طريق طواحين الهواء.
تكلفة تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة مرتفعة فهل تحقق هذه المشروعات العائد المطلوب.. مشروع الزعفرانة وجبل الزيت مثال؟
من أجل تحقيق العائد المطلوب لابد من وضع خطة أو استراتيجية واضحة لمدة طويلة، بغرض أفضل استخدام لطاقة الرياح، مع الوضع في الاعتبار مدة عمل الطاحونة وكذلك رفع كفاءة الطواحين، وذلك من أجل تحقيق تكاليف هذه المزارع، وتحقيق العائد المرجو.
اتخذت مصر خطوات جادة لتنفيذ استراتيجية 2030 مثل الإعلان عن تأسيس مركز لتعظيم استخدام وتوظيف الطاقة الجديدة والمتجددة بجامعة الجلالة.. هل يمكن القول إن هذا المركز سيكون بداية الانطلاق نحو الاعتماد على الطاقة المتجددة وتحقيق أقصى استفادة؟
مركز تعظيم استخدام وتوظيف الطاقة الجديدة والمتجددة في مصر أو المركز المتميز هو أحد الأفكار التي تقدمت بها أثناء إقامتي في القاهرة، ويعد المركز حلقة وصل بين مختلف الهيئات الحكومية والجامعات والمراكز البحثية، بغرض تطوير وتطبيق نتائج البحث العلمي، وربط الصناعة بالبحث العلمي بطريقة مباشرة، وهذا يساعد الدولة المصرية في مجال الطاقة المتجددة فضلًا عن مهمته في ربط الباحثين الشباب مع مختلف الهيئات الحكومية.
تحدثت من قبل عن التكامل بين القطاعات المختلفة كقطاع الصناعة والتعليم في ألمانيا.. كيف يمكن أن نقوم بتطبيق هذا التكامل في مصر بالشكل الذي يصل بنا إلى إحداث طفرة تعليمية وصناعية معًا؟
التكامل كلمة سحرية تساعد الدولة على تطوير إمكانياتها ورفع كفاءة المنتج، وتحسين الصناعة وكذلك مستوى التعليم بصفة عامة، وعن طريق التكامل يتم ربط مختلف الهيئات الحكومية ونشر النتائج، فضلًا عن تحليل المشكلات ووضع صورة نهائية للحلول المقترحة، كما يساهم التكامل في عدم تكرار الأخطاء ورفع مستوى الأداء الحكومي، والبحث عن الحلول ويساهم في حسن استغلال الموارد الطبيعية والبشرية للدولة.
المشكلات الفنية لتوربينات الرياح.. هل يوجد ما يؤثر على عمل هذه التوربينات الأمر الذي ينتج عنه مشكلات مستقبلية؟
بخصوص التوربينات يتم تصميمها في ألمانيا على العمل لمده تتراوح من 15 سنة إلى 20 سنة، وذلك لا يتم إلا عن طريق الصيانة الدورية تحت إشراف فنيين ومهندسين على مستوى عالٍ من الكفاءة، وهذا ما يتطلبه الأمر في مصر حيث يجب تجهيز كوادر فنية على مستوى عالمي من التدريب، مع ضرورة عمل صيانة دورية للتوربينات ومعالجة أي مشاكل قد تنتج بسرعة وبدون أي تأخير.
هل تُعّوِض طاقة الرياح محطات الطاقة الكهربائية التقليدية؟
لقد كان قرار الحكومة المصرية بتنويع مصادر الطاقة قرارا صائبا جدًا، فلابد لأي دولة من تنويع مصادر الطاقة الخاصة بها، من طاقة تقليدية لطاقة متجددة، منعًا لأى مشاكل مستقبلية، وهذا يعد قرارا سياسيا من الدرجة الأولى، والعمل على زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، لا يعني على الإطلاق الاستغناء عن الطاقة التقليدية.
* من أزمة في توليد الكهرباء إلى التصدير.. هل ترى أن مصر يمكنها مستقبلًا أن تصبح من الدول الكبرى في مجال تصدير الكهرباء خاصة بعد الإعلان عن الاكتفاء الذاتى والتعاقد على تصديرها؟
- في حالة وجود اكتفاء ذاتي أو فائض في مجال الكهرباء، فلا مانع على الإطلاق من تصديرها إلى الخارج، مع الوضع في الاعتبار موضوع التحالفات السياسية وكذلك دول الجوار التي تحتاج إلى طاقة من مصر، وهذه قضية لها بُعد سياسي واسع وكبير وتتم مناقشته في الدوائر السياسية، ولكن من باب المناقشة العلمية البحتة ففي حالة وجود فائض عن الاحتياج، فعلى مصر أن تبدأ في تصدير الطاقة (الكهرباء).
* وكيف ترى مشروع الربط الكهربائي بين مصر والدول الأفريقية؟
ـ مصر حصلت على فرصة قوية للعمل على تصدير الطاقة، وكذلك أن تكون مركزا علميا يمد الدول الأفريقية بالخبرات العلمية والتقنية المطلوبة في هذا المجال، فمصر تملك نخبة متميزة من الباحثين والفنيين في مجال الطاقة ويمكن الاتجاه إلى عمل دورات وورش عمل ومؤتمرات من أجل دعم القارة السمراء في هذا التخصص.
* ما مقترحاتك لمواجهة قضية تغير المناخ؟
ـ بخصوص قضية تغير المناخ لا بد من تضافر كل الجهود في هذا المجال، ومن أحد الحلول العمل على رفع نسبة الطاقة المتجددة وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والعمل الجاد على التوفير في استهلاك الطاقة ووضع استراتيجية عملية، مع تضافر كافة القوى من صناعة وبحث علمي وإعلام للتوعية بها ومواجهتها.
* كيف ترى البحث العلمي في مصر ومستقبله؟
ـ لا ننكر أن مصر لديها كفاءات علمية متميزة ومجتهدة سواء في الجامعات المصرية أو في مراكز البحوث العلمية المختلفة، ولكن مواضيع البحث العلمي أغلبها مكرر وبعضها لا يهتم بالصناعة أو بالمشاكل الواقعية التي تحتاج إلى جهد الباحثين، وهذا ما يجعل نتائج البحث العلمي لا تطبق بشكل كامل لحل المشكلات سواء في الصناعة أو في مجال الطاقة أو الزراعة، وغيرها من المجالات المختلفة، لذا لابد من وضع خطة علمية مستقبلية تحتوي على مشاكل مصرنا الحبيبة، وكيفية العمل على حلها بشكل علمى منظم، وكذلك ضرورة مراجعة كيفية المشاركة في مختلف المجالات.
ولا مانع على الإطلاق من وجود مشاريع مشتركة بين مختلف الجامعات المصرية، أو بين الجامعات المصرية وبعض الجامعات العربية في مختلف هذه الدول لحل المشاكل الموجودة، وذلك عن طريق تكوين مجموعات عمل متخصصة.
والبحث العلمي قضية مهمة جدًا للدولة المصرية، فلا طريق إلى التقدم إلا عبر البحث العلمي المنظم باستراتيجية بعيدة المدى، تقوم على حل مشاكل الدولة واستيعاب كافة الكوادر المتميزة، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة زيادة ميزانية البحث العلمي، وتشجيع الباحثين على العمل، مع الاهتمام برفع رواتب الباحثين المجتهدين وعمل مكافآت تشجيعية لهم.
الأمر أيضًا يحتاج إلى ضرورة ربط الصناعة وتطويرها، وعمل ربط واضح وقوي بين آليات البحث العلمي والصناعة، ومن رفع مستوى التعاون البحثي مع مختلف الدول العربية والأفريقية لحل المشاكل المشتركة بين مصر وهذه الدول خاصة دول الجوار، فضلًا عن ضرورة تحديث الجامعات المصرية ومراكز البحث العلمي بأحدث المعامل والكتب والدوريات العلمية، فمصرنا الحبيبة بها من الكوادر البحثية المتميزة الكثير، ولها القدرة على المنافسة العالمية.
* ما نصيحتك لطلاب البحث العلمي في مصر؟
ـ يمكن تلخيص خبرتي المتواضعة في هذا المجال كالتالي: العمل على البحث العلمي الجاد والتفكير بشكل غير نمطي (out of the box)، والاستفادة من الأبحاث السابقة والعمل على تطوير البحث العلمي، كما أن البحث يحتاج إلى صبر وعمل دؤوب وعدم الاستعجال في النتائج، وضرورة العمل كفريق والخروج من دائرة العمل الفردي إلى العمل الجماعي، وأخيرًا أختم بأبياتٍ من الشعر: «تعلم فليس المرءُ يولدُ عالمًا.. وليس أخو علمٍ كمن هو جاهل».