استقبل البابا فرنسيس، اليوم الجمعة في قاعة كليمينتينا في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في الجمعيّة العامة لمجمع الكنائس الشرقية وللمناسبة وجّه كلمة رحّب بها بضيوفه وقال لقد صليتم صباح اليوم أمام مذبح إعلان إيمان الرسول بطرس، لكي تجددوا معًا اعتراف الإيمان: "أنت المسيح، ابن الله الحي". لقد قمنا بالبادرة عينها قبل قداس بداية الحبريّة، لكي نظهر، كما قال البابا بندكتس الخامس عشر، أنه "في كنيسة يسوع المسيح، التي ليست لاتينية ولا يونانية ولا سلافية، بل كاثوليكية لا يوجد أي تمييز بين أبنائها وأن الجميع لاتين ويونانييون وسلاف والجنسيات الأخرى يتحلّون بالأهميّة عينها". إليه، هو مؤسس مجمع الكنائس الشرقية والمعهد البابوي الشرقي، يتوجّه امتناننا بعد مائة عام من وفاته. لقد استنكر فظاعة الحرب واصفًا إياها بالمجزرة التي لا فائدة منها، لكن تحذيره لم يُسمع من قبل رؤساء الدول التي شاركت في الحرب العالمية الأولى. كما لم يتمّ الإصغاء إلى نداء القديس يوحنا بولس الثاني لتجنب الصراع في العراق.
وأضاف البابا خلال كلمته التي القاها ونشرتها الصفحة الرسمية للفاتيكان ، اليوم ، بانه كان يأمل بألا تكون هناك حاجة لتكرار كلمات مماثلة في الألفية الثالثة؛ ومع ذلك لا تزال البشرية تبدو وكأنها تتلمس طريقها في الظلام: لقد شهدنا مذابح الصراعات في الشرق الأوسط وسوريا والعراق، وتلك التي تدور في منطقة تيغراي الإثيوبية؛ فيما لا تزال رياح مهددة تهب على سهوب أوروبا الشرقية وتشعل فتيل ونيران السلاح وتترك قلوب الفقراء والأبرياء باردة. كذلك تستمر مأساة لبنان التي تترك الآن العديد من الأشخاص بلا خبز؛ وفقد الشباب والبالغون الرجاء وغادروا تلك الأراضي التي هي البلد الأم للكنائس الشرقية الكاثوليكية: هناك تطورت وحافظت على تقاليد ألفية، والعديد منكم، أعضاء هذه الدائرة الفاتيكانية، هم أولادها وورثتها.
تابع البابا فرنسيس: وبالتالي فإن حياتكم اليومية تشبه مزيجًا من غبار الذهب الثمين لماضيكم ولشهادة الإيمان البطولي للكثيرين في الوقت الحاضر، ولكن مع وحل البؤس الذي نتحمل مسؤوليته أيضًا والألم الذي تسببه لكم قوى خارجية. مرة أخرى، أنتم بذور موضوعة على جذوع وأغصان نباتات دهريّة، تحملها الرياح إلى حدود لا يمكن تصورها: يعيش الكاثوليك الشرقيون منذ عقود في قارات بعيدة، وقد عبروا البحار والمحيطات والسهول، وأنشأوا الأبرشيات في كندا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وأوروبا وأوقيانيا والعديد من الأبرشيات الأخرى قد عُهد بها على الأقل في الوقت الحالي إلى الأساقفة اللاتين الذين ينسقون العمل الرعوي من خلال الكهنة المرسلين وفقًا للإجراءات الصحيحة من قبل رؤساء الكنيسة أو البطاركة أو رؤساء الأساقفة.
وأستطرد البابا ، لهذا السبب تناولت أعمالكم البشارة التي تشكل هوية الكنيسة في جميع أجزائها، لا بل دعوة كل معمَّد. وللرسالة علينا أن نضع أنفسنا في إصغاء أكبر لغنى التقاليد المختلفة. أفكر، على سبيل المثال، في مسار تنشئة الموعوظين الراشدين، الذي ينص على الاحتفال بأسرار التنشئة المسيحية في شكل موحد: عادة يتم الحفاظ عليها وممارستها أيضًا في الكنائس الشرقية للأطفال. في كلا المسارين، يشعر المرء بأهمية تعليم تنشئة مسيحية حكيم يرافق المعمدين من جميع الأعمار إلى انتماء ناضج وفرح للجماعة المسيحية. وعلى هذا الدرب، ثمينة هي خدمات الكنيسة المختلفة، وكذلك الانسجام في العلاقات مع الرهبان والراهبات الذين يعملون وفقًا لمواهبهم الخاصة حتى في سياقاتكم. وقد توقّفتم عند جميع هذه الجوانب خلال هذه الأيام.
أضاف البابا فرنسيس يقول هناك خبرة يسمح فيها "خزف" بشريّتنا بأن يُصاغ، لا من خلال الآراء المتغيِّرة أو من خلال التحليلات الاجتماعية الضرورية، وإنما من خلال كلمة وروح القائم من بين الأموات. هذه الخبرة هي الليتورجيا. إنها السماء على الأرض، كما يحب الشرق أن يكرر. لكن جمال الطقوس الشرقية بعيد كل البعد عن كونه واحة للهروب أو المحافظة. تظهر الجماعة الليتورجية بشكلها لا لأنها تلتئم، وإنما لأنها تصغي إلى صوت الآخر، وتبقى موجهة نحوه، ولهذا السبب بالتحديد تشعر بالحاجة الملحة لكي تذهب إلى الأخوة والأخوات وتحمل لهم إعلان المسيح. حتى تلك التقاليد التي تحافظ على استخدام الأيقونسطاس، مع الباب الملكي، أو الحجاب الذي يخفي المذبح في بعض مراحل الطقوس، تعلمنا أن هذه العناصر المعمارية أو الطقسية لا تنقل فكرة مسافة الله، بل على العكس هي ترفع سر التنازل الذي جاء فيه الكلمة ولا زال يأتي إلى العالم.
تابع البابا فرنسيس : يقول إن المؤتمر الليتورجي للاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين للإرشادات حول تطبيق التعليمات الليتورجية لمدونة قوانين الكنائس الشرقية هو فرصة لكي نتعرّف على بعضنا البعض داخل اللجان الليتورجية لمختلف الكنائس ذات الحق الخاص؛ إنها دعوة للسير مع هذه الدائرة الفاتيكانية ومستشاريها، حسب المسار الذي حدده المجمع الفاتيكاني الثاني المسكوني. وفي هذه المسيرة، سيفيدنا أن يحافظ كل عضو في الكنيسة الكاثوليكية الواحدة على الإصغاء الدائم إلى التقاليد الأخرى، إلى مساراتهم للبحث والإصلاح، بينما يحافظ كل منهم على أصالته. على سبيل المثال، يمكننا أن نسأل أنفسنا عن إمكانية إدخال طبعات الليتورجيا بلغات البلدان التي انتشر فيها المؤمنون، ولكن حول شكل الاحتفال، من الضروري أن نعيش الوحدة وفقًا لما أقره السينودس ووافق عليه الكرسي الرسولي، مُتجنّبين الخصوصيات الليتورجية التي، في الواقع، تظهر انقسامات من نوع آخر داخل الكنائس المعنية. كذلك، لا يجب أن ننسى أن إخوة الكنائس الأرثوذكسية والأرثوذكسية الشرقية ينظرون إلينا: حتى لو لم نتمكن من الجلوس إلى المائدة الإفخارستية عينها، لكننا نحتفل دائمًا ونصلي بواسطة النصوص الليتورجية عينها. لذلك دعونا ننتبه إلى التجارب التي يمكنها أن تضر الطريق نحو الوحدة المرئية لجميع تلاميذ المسيح. إنَّ العالم يحتاج إلى شهادة الشركة: وإذا كنا سبب عثرة بالنزاعات الليتورجية، فإننا نلعب لعبة من هو سيد الانقسام.
واختتم البابا فرنسيس ، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء أشكركم على عمل هذه الأيام. أنا قريب منكم على الدوام في الصلاة. احملوا تشجيعي وبركتي لمؤمنيكم. ورجاء لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي.