الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحرب الإعلامية الثالثة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

حظي مصطلح "الحرب الإعلامية" بانتشارٍ واسعٍ للدلالة على الحرب الباردة "الجديدة" بين الولايات المتحدة وروسيا، وذلك في أعقاب توصية عددٍ من مراكز الفكر والرأي الأمريكية بالتعامل مع وسائل الإعلام الموالية لموسكو -خاصة تلك التي يُمولها الكرملين- بطرقٍ وأساليب من بينها: إغلاق القنوات الروسية، وحجب مواقعها الإلكترونية، ومنع عمل مُراسيلها، كونها تخوض "حرب صور" ضارية في مواجهة الولايات المتحدة. لقد كسبت أمريكا الحرب الباردة بالدعاية أولا والقوة الناعمة، وأصبحت تشكو من الدعاية الروسية، وتتهم قنوات روسيا اليوم بالتدخل فى السياسة والانتخابات الأمريكية، وهو ما يعد اعترافا بتراجع القدرات الدعائية الأمريكية فى مواجهة روسيا، خاصة أن الولايات المتحدة كانت دائما تملك زمام التفوق فى الدعاية

ويلفت البروفيسور الأمريكى جوزيف ناى فى كتابه «القوة الناعمة وسيلة النجاح فى السياسة الدولية» إلى أن النجاح فى عصر المعلومات، ليس «جيش من الذى فاز، وإنما خطاب من الذى فاز» وفي كتاب فن الحرب" للقائد العسكري الصيني البارز سون تزو أن أفضل انتصار هو الانتصار دون خوض المعارك، وصاغ آنذاك الفكرة الأساسية للحرب الإعلامية التي تقول إن أعظم فن لشن الحروب يتلخص في استهداف عقول الأعداء لا على مدنهم 

وقد  وقعت هجمات 11 سبتمبر 2001 ضد الولايات المتحدة فى الوقت الذى كانت أمريكا تعيش أكثر مراحلها قوة، والمنظرون يتحدثون عن نهاية «التاريخ»، وسيادة النموذج الرأسمالى الغربى أما الحرب الإعلامية الراهنة  بين واشنطن وحلفائها ضد موسكو، تدور رحاها منذ شهور وشهدت تسريبات لمعلومات استخباراتية سرية حول خطط روسية مزعومة. إذ صرحت الولايات المتحدة وبريطانيا، مرارًا وتكرارًا بأن لديهما تحذيرات استخباراتية سرية بشأن غزو روسي محتمل وموعد لهذا الهجوم، وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يرغب في تنصيب حكومة موالية له في أوكرانيا. وقال مدير المخابرات السوفيتية سيرجي  ناريشكينً«كل ما يجري حول هذا الموضوع حملة دعائية خبيثة تدبرها الخارجية الأمريكية التي تزود بهذه المزاعم الكاذبة حلفاءها ومديري وسائل الإعلام والمراكز السياسية في الولايات المتحدة كي تتكاثر هذه الأكاذيب بأضعاف».ووصف المزاعم التي وردت في وسائل الإعلام الأمريكية عن تخطيط روسيا لغزو أوكرانيا بأنها «هراء محض» والأزمة الحالية بدأت بتسريب معلومات نسبت إلى الاستخبارات الأمريكية تفيد بأن روسيا حشدت عشرات الآلاف من قواتها بهدف غزو أوكرانيا، محددة وقتها نهاية يناير أو أول فبراير موعدًا للهجوم الروسي المحتمل. وفي يناير الماضي، وضعت الخارجية البريطانية، تصورًا لخطة روسية محتملة لتنصيب زعيم موالي لبوتين في كييف، مستندة إلى معلومات استخبارية من عدة دول على رأسها الولايات المتحدة.كما ان الحرب الإعلامية الراهنة لا تعدو كونها صدامًا بين مصالح الولايات المتحدة وروسيا. ولعل "الحرب" الراهنة وما يمكن أن تُسفر عنه من تطوراتٍ ستظل في الحدود التي تحول دون اندلاع مواجهةٍ ساخنة ولهذا عادت الحروب التقليدية فقد حلَّت القوة الناعمة محل القوة الخشنة، والحرب الهجينة محل الحرب الكلاسيكية، والأقمار الصناعية محل المدافع. وعسكريا  يبرز مرة أخرى خطر تحول نزاع محلي تخوضه قوات بالوكالة، إلى مواجهة أوسع نطاقا ومباشرة أكثر بين قوى عظمى.

وكما في ذروة الحرب الباردة، حشدت القوتان حلفاءهما وتدافعان عن مناطق نفوذهما في عرض تقليدي للواقعية السياسية ومن المعروف.أنه خلال الحرب الباردة بين  روسيا والولايات المتحدة، استخدمت الأخيرة  ما بسمي بالنشر "الحكيم" لمعلومات استخباراتية لمواجهة العمل الروسي، حيث نشرت واشنطن صورًا لصواريخ باليستية سوفيتية في كوبا. لكنها جاءت بنتائج عكسية في غزو العراق، عندما نشرت إدارة جورج بوش معلومات تفيد بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وأن لنظام صدام علاقة بالجماعات الإرهابية وثبت خطأ تلك الادعاءات غير أن جون بولتون الذي تولى منصب مستشار الأمن القومي للرئيس السابق دونالد ترامب أشار إلى أن المواجهة المباشرة الحالية تفتقر إلى المكون الأيديولوجي للشيوعية مقابل الديموقراطية الليبرالية والذي "شكل إطار الحرب الباردة".

وقال "ما نراه الآن هو نوع من مواجهة تقليدية لسياسات القوة في القرن التاسع عشر.