أكد خبراء لـ"البوابة نيوز" أن استمرار تثبيت أسعار الفائدة بالبنوك دون تغيير هو تأكيد لتحسن مؤشرات الاقتصاد المصري بشهادة المؤسسات المالية العالمية وسينعكس بالإيجاب على الاستثمار والإنتاج.
وقررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري في آخر اجتماع لها تثبيت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض دون تغيير وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند مستوى 8.25% و9.25% و8.75% على الترتيب وكذلك الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 8.75%.
وتعد مصر الدولة الوحيدة بالشرق الأوسط وأفريقيا التي احتفظت بثقة جميع مؤسسات التقييم العالمية الثلاثة: "ستاندرد آند بورز" و"موديز" و"فيتش" خلال فترة من أصعب الفترات التي شهدها الاقتصاد العالمي في ظل جائحة فيروس كورونا، بحسب بيانات رسمية لهذه المؤسسات.
استمرار التعافي
وقال أسامة زرعي، باحث اقتصادي، إن قرار البنك المركزى المصري بتثبيت أسعار الفائدة، يعد محاولة لضبط منظومة الصرف، وذلك لأن أسعار الفائدة تتأثر بحجم ارتفاعها وانخفاضها داخل أسواق المال المختلفة، حيث تترابط الأسواق المالية نتيجة لحركة الأموال داخل هذه الأسواق، فالسوق المالى الذى تتسم أسعار فائدته بالارتفاع تجذب إليها رؤوس الأموال بحثًا عن ربحية أعلى فيزداد المعروض من هذه الأموال، مما يؤدى إلى تخفيض أسعار الفائدة مستجيبًا لقوى العرض والطلب.
وأضاف، أن من أسباب تثبيت سعر الفائدة فى مصر أيضًا، أن معدلات التضخم فى مصر مازالت فى النطاق السعري الذي حدده البنك المركزى المصري لمعدل التضخم والبالغ 7%، ±2%، كما أن أزمة الطاقة مازالت مستمرة رغم انخفاض أسعار النفط بفعل جنى الأرباح، ولكن مازالت هناك ضغوط على كثير من السلع نتيجة فرض رسوم وضرائب جديدة ما يزيد الضغوط التضخمية على السوق المحلي.
وقال زرعي: على المدى القريب من المتوقع أن يسجل النشاط الاقتصادى المحلى معدلات نمو مرتفعة، مدعومة بالطلب المحلي، وخاصة إجمالى الاستثمارات المحلية، بالإضافة إلى ذلك تظهر المؤشرات الأولية إلى استمرار تحسن الأداء فى معظم القطاعات الاقتصادية، واستقر معدل البطالة بشكل عام خلال الربع الثالث من عام 2021 ليظل قرب مستواه المسجل ما قبل انتشار جائحة فيروس كورونا، ويرجع استقرار معدل البطالة إلى ارتفاع أعداد المشتغلين، والذي يحد بدرجة كبيرة من الارتفاع فى قوة العمل.
ومن جانب تأثير ذلك على الاقتصاد الكلي قال زرعي: استمر النشاط الاقتصادى فى التعافى من جائحة كورونا، وأن ظهرت بعض مؤشرات التباطؤ نظرًا لاضطرابات سلاسل الإمداد والتوريد العالمية، بالإضافة إلى ذلك يعتمد تعافى النشاط الاقتصادى على مدى فاعلية اللقاحات وقدرة بعض الدول على احتواء انتشار الجائحة، خاصة فى ظل ظهور سلالات جديدة لفيروس كورونا، لذلك أتوقع أن تكون الفترة المقبلة فترة انتعاش اقتصادى، وبداية القيام بمشروعات جديدة وتوظيف الأموال فى ملاذات استثمارية أمنة ومربحة تحقق عائد يمتص الآثار التضخمية.
تحسن في المؤشرات
ومن جهته أكد جون لوكا، خبير اقتصادي، أن قرار البنك المركزى المصري بتثبيت أسعار الفائدة عند مستوى 9.25% للإقراض و8.25% للإيداع خلال اجتماع فبراير 2022، يعود إلى تحسن مؤشرات الاقتصاد المصري بشهادة المؤسسات المالية العالمية، فقد حقق الاقتصاد المصري معدل نمو فى قطاع الصناعات التحويلية وأيضًا الاتصالات وكذلك السياحة وقناة السويس.
وأضاف لوكا، أن تثبيت سعر الفائدة فى مصر سوف ينعكس بالإيجاب على الاستثمار والإنتاج بها، خاصة وأن مصر لا تزال جذابة مقارنة بالأسواق الناشئة المناظرة، حيث تعد أسعار الفائدة بها من أقوى المعدلات المتوفرة فى الأسواق الناشئة مما يترتب عليه جذب المستثمرين لها.
وأشار إلى أن إعلان البنك المركزى إبقائه على أسعار الفائدة كما هي دون أى رفع ودون تحديد موعد لبداية تنفيذ خطته المرتقبة للتقييد النقدى، وهو الأمر الذي خفف إلى درجة كبيرة من قلق بعض المراقبين من ظهور تداعيات على استثمارات الأجانب غير المباشرة فى أوراق الدين العام الحكومية أو على قوة الجنيه المصري إذا رفع البنك المركزى الأمريكي فائدة الدولار.
وأضاف، أن التأثير الذى كان متوقعًا لو كان المركزى الأمريكي قد قام برفع الفائدة، تأثيرًا مبالغ فيه إلى حد كبير لأن تنوع مصادر النقد الأجنبي واستقرار سعر الجنيه المصري، ومعدل التضخم تحت المستهدف، بجانب تميز الجنيه المصري من حيث تحقيقه عائد حقيقي منافس، كل تلك الفاعليات تمثل سياجًا حاميًا من تأثير تلك المخاوف على المدى القصير والمتوسط، كما أن توجه مصر لتبني استراتيجية للتحول إلى مصادر قروض طويلة الأجل كبديلًا للأموال الساخنة وأيضًا دخول السندات الحكومية وصدور سندات خضراء فى سوق السندات الدولية يساعد على جذب استثمارات طويلة الأجل، يمكن أن تعوض خروج استثمارات الأجانب قصيرة الأجل فى أوراق الدين العام المحلية إذا ما خرجت ارتفاع الفائدة الأمريكية مستقبلًا.
وأكد لوكا، على أن هيكل أسعار الفائدة القائم والمستمر من مطلع العام الماضي وحتي الآن والذي يعكس فى حقيقة الأمر الأهداف الكبري للسياسة النقدية وأهمها خفض معدل البطالة، فقد حققت مؤشرات الاقتصاد الكلي استقرار شهد به كل مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية التى أبقت على تصنيف مصر الائتماني دون تغير منذ جائحة كورونا وحتى الآن مع الاحتفاظ بالنظرة المستقبلية للاقتصاد المصري، كما تجاوزت معظم المؤشرات الاقتصادية النقدية والمالية المعدلات المستهدفة.
تحويلات المصريين
ومن جانبه أكد علي الحليوة، خبير اقتصادي، أن قرار البنك المركزي المصري بتثبيت سعر الفائدة علي الاقتراض والايداع وكذلك الإبقاء على سعر الائتمان يرجع لعدة أسباب أهمها أن حجم التضخم في مصر مازال أقل من معدل التضخم الذي يضعه البنك المركزي.
وأضاف، أن زيادة تحويلات العاملين بالخارج ساهمت في دعم سعر صرف الجنيه أمام الدولار وكذلك زيادة حجم السيولة الكبير في البنوك المصرية وأيضًا إبقاء معظم المؤشرات الاقتصادية الأخري في حدود المستهدف.
وقال الحليوة، إن المستويات الحالية لسعري الإيداع والإقراض لا تزال متسقة مع أداء معظم المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، مستبعدًا تأثير المخاوف من الموجة التضخمية العالمية على قرار لجنة السياسة النقدية في اجتماعها القادم.
واستند الخبير الاقتصادي إلى تراجع معدل التضخم السنوي العام وكذلك تراجع المعدل الشهرى للتضخم وفقًا لإحصائيات وبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، وهو ما يؤكد أن مستويات التضخم لا تزال في نطاق مستهدفات المركزي حتى نهاية 2022 عند 7% (+/-) 2%.
وأكد الحليوة، أن التضخم لا يزال رقمًا أحاديًا محدود الارتفاع لذلك فإن التفكير في أي تعديل لأسعار الفائدة في المرحلة الحالية أمر غير مبرر.
واستبعد الخبير الاقتصادي، استناد لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري إلى ارتفاع العائد الحقيقي على الجنيه في اتباعها سياسة نقدية توسعية، والذي سيظل مغريًا للاستثمار الأجنبي غير المباشر في أدوات الدين حتى مع القيام بتخفيض جديد.
وفضل الحليوة، الاستمرار على المستوى الحالي لأسعار الفائدة دعمًا لمدخرات القطاع العائلي بإتاحة عوائد مميزة، بما يضمن لهم دخلًا ثابتًا يساعد على خلق طلب متزايد على السلع والخدمات، مؤكدًا أنه "لا إنتاج بدون استهلاك" وحتي لا نتعرض لموجة من الركود في الأسواق الاستهلاكية.
وقال الخبير الاقتصادي، بالنظر لعام 2022 نتوقع أن ينخفض العائد على أذون الخزانة تدريجيًا لكونها أعلى من معدلات اقتراض الشركات حاليًا، بينما في الوقت الحالي نتوقع أن يؤدي أي خفض لأسعار الفائدة من قبل البنك المركزي المصري إلى مزيد من التباعد بين سعر الفائدة الخالي من المخاطر ومعدل اقتراض الشركات.