يصوم الأقباط صوم يونان يوم الإثنين المقبل 14 فبراير الموافق 7 أمشير، صوم يونان الذي يعد في حكم أصوام المرتبة الأولى، فيصام انقطاعيًا صومًا نسكيًا إلي ساعة متأخرة، ولا يأكلون فيه السمك، مثله في ذلك مثل الصوم الأربعيني، والأربعاء والجمعة وأسبوع الآلام، وبرمون عيديّ الميلاد والغطاس المجيدين، وكما كتب المتنيح الأنبا غورغوريوس.
صوم يونان مدته ثلاثة أيام، وهو يسبق عادة الصوم الكبير بخمسة عشر يومًا، ويعرف «فطر» صوم يونان بـ«فصح يونان» وهو اصطلاح كنسي فريد لا يستخدم إلا بالنسبة لعيد القيامة المجيد الذي يطلق عليه أيضًا «عيد الفصح» مما يدل علي أن الكنيسة تنظر إلي قصة يونان علي أنها رمز لقصة المسيح مخلصنا.
فالفصح كلمة عبرانية معناها «العبور»، وقد تم هذا العبور بصلب المسيح وبقيامته المجيدة، إذ عبر هو له المجد بالنيابة ، بموته بديلًا عنا وفادي، فصار عبوره هو عبورا لنا نحن، وقد عبرنا نحن فيه، ولما كانت قيامة المسيح بسلطان لاهوته هي برهان نجاح عملية العبور، لذلك كان عيد القيامة هو عيد «الفصح» الجديد، إذ هو عيد «العبور» إلي الفردوس والمنشود الذي فتحه المسيح له المجد. بقيامته المجيدة.
وكما تصالح أهل نينوى مع الله بتوبتهم، فرحمهم الله، ورفع غضبه عنهم، هكذا علي صعيد البشرية كله، صالحنا المسيح له المجد مع العدل الإلهي بعمل الفداء الذي كفر به عن خطيئة آدم وكل بني آدم. الذين أخطأوا في آدم، «لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحد، ونقض حائط السياج المتوسط أي العداوة، صانعًا سلامًا، مع الله بالصليب، قائلًا العداوة به. فجاء وبشركم بالسلام أنتم البعيدين والقريبين» (أفسس2:14-17).
والخلاصة إن الكنيسة تري في قصة يونان رمزا لموت المسيح وقيامته في اليوم الثالث وهذا هو سر تسمية صوم أهل نينوى بـ«صوم يونان»، وفطر هذا الصوم بـ«فصح يونان» لأن الكنيسة تري في هذا الصوم ليس مجرد فضيلة تذلل واسترحام واستغفار، ولكنها تعده فضلًا عن هذا، رمزًا لموت المسيح وقيامته، فبالمسيح عبرنا عن «عبودية الفساد إلي حرية مجد أولاد الله» (رومية 8:21).
جاء فى الذكصولوجية التي ترتل فى صوم يونان: «يونان النبي كان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال كدفن مخلصنا أرسله الرب الإله إلي رجال نينوى، فكرز لهم كقوله فتابوا. ثلاثة أيام وثلاث ليال بصلوات وأصوام مع التمخض والدموع والطيور والبهائم، فقبل الله توبتهم ورحمهم ورفع غضبه عنهم، وغفر لهم خطاياهم. نطلب إليك أيها الرحوم، اصنع معنا نحن الخطاة مثل أهل نينوى، وارحمنا كعظيم رحمتك. لأنك أنت إله رحيم كثير الرحمة متحنن وطويل الأناة محب البشر الصالح. لأنك لا تشاء موت الخاطئ حتى يرجع ويحي، اقبلنا إليك وارحمنا واغفر خطايانا. اطلب أيها الكاروز لأهل نينوى يونان النبي، ليغفر الرب لنا خطايانا».
«صوم يونان» يهدف لإحياء لذكرى قصة يونان النبي، حيث يعتقد أن «يونان» مكث لثلاثة أيام في بطن الحوت، وهي قصة بحسب الاعتقاد المسيحي، تعود إلى أنَّه حينما طالب الله من النبي يونان الذهاب إلى مدينة نينوى، التي كانت تعصاه، وأن يبلغها رسالة الإيمان، فرفض وحاول الهروب إلى مدينة «ترشيش»، ولكن حدث هياج عظيم في البحر، واضطر البحارة لإلقائه في المياه، فابتلعه حوت ضخم، وبعدها ألقاه على شواطئ مدينة نينوي، فأبلغهم رسالة التوبة، فتابوا وصاموا لمدة ثلاثة أيام.
يعد صيام يونان بحسب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمثابة استعداد روحى للصوم الكبير، الذى يبدأ بعد 15 يومًا من فصح يونان، ويستمر 55 يومًا، ويحظى بقدسية لدى الأقباط، كونه يسبق عيد القيامة حسب الاعتقاد المسيحي.
وتقيم الكنائس القبطية الأرثوذكسية، قداسات الصلاة بتلك المناسبة، وتبلغ مدة صوم يونان النبي في الكنيستين القبطية الأرثوذكسية والسريانية الأرثوذكسية 3 أيام، بينما تصومه كنيسة الأرمن الأرثوذكس 5 أيام، ولا تعترف به كنيسة الروم الأرثوذكس.
ولم تعرف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، صوم يونان النبي، حتى عهد البابا ابرآم إبن زرعة البطريرك الـ62، في تعداد بطاركة الكنيسة، والذي تولى في الفترة «976- 979م»، حيث كان سرياني الأصل، وكان يصوم هذا الصوم، بينما لم يكن يصوم أول أسبوع في الصوم الكبير، حيث ينفرد الأقباط دون الطوائف الأخرى بصومه، ويسمونه «أسبوع الاستعداد»، وقبل البطريرك، آنذاك، أن يصوم هذا الأسبوع، وفرض على الأقباط صوم ثلاثة أيام يونان مقابله، وقبل الأقباط بذلك، وكان صوم يونان في تلك الأيام 6، قبل أن تصير الآن 3 أيام، وعندما جاء البابا غبريال الثامن، البطريرك الـ97 في تعداد بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والذي جلس على الكرسي البابوي في الفترة من (1587- 1603م)، أمر بألا يصام «صوم يونان»، ولكن لم يسمع له الأقباط، ومازال الصوم يُصام حتى الآن.
اما القرآن الكريم فقد عرب الاسم العبرى يونان إلى «يونس» وروت الكثير من الآيات قصة يونس فى ظلمات الحوت ومنها قوله تعالى: «وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ* فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ* فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ* وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ* وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ* فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ». (الصافات)، وأشار إليها فى قوله أيضًا: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ «القلم 43».
ويلجأ المسلمون إلى دعاء يونس فى بطن الحوت «لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين» وهو الدعاء الذى يفك الكرب والمحن، أما أصوام الأقباط فهى: «55» يوما الصوم الكبير، وثلاثة أيام يونان، «42» يوما الصيام الصغير، و«40» يوما صيام الرسل، و«15» يوما صيام العذراء، ومن الممكن أن يزيد صيام العذراء اختياريا إلى «21» يومًا، إضافة إلى يومى الأربعاء والجمعة ليصل عدد الأيام إلى «256» يومًا ممكن أن تزيد اختياريا إلى «266».
وكما خرج يونان من بطن الحوت بعد ثلاثة ايام والمسيح قام من الأموات بعد ثلاثة أيام نصلي من أجل أن نقوم نحن من بطن تحدياتنا وخطايانا.