مرت هجرة الأقباط بمراحل متعددة ولأسباب مختلفة، ورغم أن ما يتداول حول مصطلح أقباط المهجر الأن، يتعلق بالمهاجرون الأقباط الى دول أوروبا وأمريكا وأستراليا، والتي بدأت موجات الهجرة إليها أوائل ستينيات القرن الماضي، وكانت هجرة طبيعية لمواطنين مصريين لا فرق في أسبابها بين قبطي ومسلم، لكن الأدلة التاريخية تؤكد وجود مراحل تاريخية أخرى لهجرة الأقباط في عصور سابقة، كانت أغلبها تتعلق بوضع المكون القبطي داخل مصر، ومدى مقدار التسامح والتقدير الذي منحه الحكام لهم عبر العصور المختلفة.
كانت البداية خلال عصور الإضطهاد الوسطى إبان حكم الفاطميين وإمتدت لعصور حكم سلاطين المماليك والعثمانيين، حيث عانى المكون القبطي في مصر خلال تلك الفترة بسبب رغبة الحكام الظهور بمظهر حماة الاسلام، لتدعيم مراكزهم في نظر الأغلبية المسلمة والأئمة والشيوخ، وفي تلك الفترة فتح ملوك الحبشة أبواب بلادهم للأقباط النازحين من مصر بسبب الإضطهاد الواقع عليهم.
وخلال مرحلة ما يسمى بالحملات الصليبية حدثت موجة هجرة أخرى للأقباط إلى إثيوبيا، حيث تعرض الأقباط في بعض الأقاليم المصرية لموجات عنف بعضها ممنهج بمعرفة حكام الأقاليم، وأخرى كانت على أثر المزاج الشعبي المصاحب لتديين تلك الحملات العسكرية، وبعد موجات الهجرة المتعددة للأقباط إلى إثيوبيا تكونت جاليات قبطية هناك امتدت لبعض دول أفريقية مجاورة، ولكنها مع الوقت انصهرت في المجتمعات الأفريقية وفقدت ارتباطها بالوطن الأم بتعاقب الأجيال.
ثم جاءت موجات أخرى من الهجرة ذات الطابع الإختياري، بعدما قام الوالي محمد علي بضم السودان عام 1821، واحتاج إلى عدد كبير من الموظفين في دواوين الحكومة وكان أغلبهم من الأقباط، فأرسلهم إلى هناك لتنظيم الشئون المالية والإدارية للبلاد، واستقر عدد كبير من الأسر القبطية في السودان وكونوا مجتمعا قبطيا هناك لا يزال موجودًا حتى الآن، وكان لهم فضل كبير في وصول الحضارة الى السودان، فساهموا في تعليم السودانيين شئون الزراعة والري والإدارة والمحاسبة المالية، حتى كان هناك رئيس قبطى لإدارة السودان يدعى إبراهيم روفائيل الطوخي عينه الخديوي إسماعيل، وامتد حكمه للسودان من 1873 حتى 1884.
وبعد حركة الجيش في يوليو 1952 وسيطرة حركة الضباط الأحرار على الحكم، بدأت موجات الهجرة الحديثة للأقباط للدول الغربية وقصدت دول أوروبا وأمريكا وأستراليا، وكانت باكورة المهاجرين الأقباط ذات طبيعة وتركيبة اجتماعية متميزة، أغلبهم من الأثرياء وكبار الملاك، وعدد كبير من السياسيين والأكاديميين ممن اعتقدوا أن حركة الضباط الأحرار تتخذ موقفًا سلبيا من الأقباط، حتى إنهم لم يجدوا بين صفوفها أي ضابط قبطى، فضلا عن الأصول الإخوانية لبعض أعضاء الحركة البارزين.
وحدثت الموجة الأولى للهجرة القبطية الحديثة على مراحل متتالية بعد 1952، جاء أولها عقب قانون الإصلاح الزراعي في سبتمبر 1952، وثانية بعد تمصير الشركات الأجنبية عام 1957، ثم قوانين التأميم الاشتراكية في 1961، وقد كان لأثرياء الأقباط نصيب الأسد من الأضرار المترتبة على تلك السياسات الاقتصادية، فهاجر على أثرها عائلات بأكملها، نجحت في نقل أجزاء من ثرواتها إلى مجتمعات أوروبية، لم تكن أنماط الحياة فيها بعيداً عما ألفته تلك العائلات.
ومن خلال تحليل أسباب هجرة الموجة الأولى للأقباط خلال تلك الفترة، يتضح طبيعة تكوينها الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، باعتبارها عناصر تنتمي للشريحة العليا وجدت لنفسها مسارات خاصة في دول المهجر، وإنخرطت بسهولة في المجتمعات الجديدة ولم يواجه أبناؤها أي معوقات في الاندماج الكامل، حتى إنها كانت بمعزل كامل عن موجات الهجرة القبطية اللاحقة من شرائح الطبقة الوسطى، والتي تكونت منها حركة أقباط المهجر بشكلها الحالي.
وفي عصر «السادات» جاءت موجات الهجرة الواسعة للأقباط من الطبقة المتوسطة، بدأت مع تطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادي بعد حرب أكتوبر 1973، وامتدت لفترة حكم مبارك بأكملها وحتى الآن، فهاجر كثير من أفراد الطبقة الوسطى من المهنيين وكبار الموظفين وأصحاب المشروعات الوسطى والصغيرة، ومع تطبيق سياسات الخصخصة والمعاش المبكر والتخلي عن سياسات التعيين بالقوى العاملة، شجع قطاعا كبيرا من العائلات القبطية للهجرة إلى الدول الغربية، حتى جاءت ظاهرة البطالة لتصبح سوق العمل المصرية مناخا طارد لأبناء الطبقات الوسطى سواء مسلمين أو أقباط، فلجأء الكثيرون من شبابها للسفر خارج البلاد سواء كهجرة مؤقتة لدول الخليج، أو كهجرة دائمة للدول الغربية.
وعلى أثر تلك الموجة الواسعة للهجرة إلى دول القارة الأوروبية والأمريكتين وأستراليا، تشكلت معها ظاهرة المصريين بالمهجر كنمط اجتماعي جديدة لم يكن متعارف عليه على الخريطة الاجتماعية المصرية، وصعد على الساحة السياسية والإعلامية مصطلح أقباط المهجر، فتم استخدامه حسب نمط الاستهلاك السياسي تارة للتهديد وأخرى في إطار الترغيب.
وقد تعددت أسباب الهجرة المتعلقة بالشريحة الوسطى، فمنهم من دفعتهم للهجرة أسباب تتعلق بالوضع الاقتصادي العام في مصر، وآخرون تأثروا بوضع المكون القبطي والضغوط التي وقعت عليهم، سواء خلال موجات العنف الراديكالي من قبل تيارات الإسلام السياسي، أو سياسات التهميش والإقصاء التي انتهجتها مؤسسات الدولة الرسمية.
وعن دراسة ماجستير بكلية الإعلام جامعة القاهرة أعدها كاتب السطور حول المشاركة السياسية لأقباط المهجر، توصلت النتائج إلى أهم أسباب هجرة الأقباط في الموجات الأخيرة، وحسب ما أفاد به المبحوثون جاء: البحث عن مستقبل أفضل للأبناء في المرتبة الأولى بنسبة 56% من إجمالي المبحوثين، تلاه أسباب تتعلق بمستوى التعليم في المرتبة الثانية بنسبة 39%، ثم ما يتعلق بفرص العمل والترقي وعدم تكافؤ الفرص بنسبة 30%، ثم ما يتعلق بالمستوى المالي المتعسر للأسر بنسبة 20%، وأخيرًا جاءت أسباب تتعلق بالاضطهاد الديني بنسبة 17%، وبتحليل تلك النتائج يتضح أنه باستثناء نسبة ضئيلة تحدثت عن أسباب تتعلق بأحداث التضييق الطائفي، فإن أسباب هجرة الأقباط في موجاتها الحديثة لا تختلف عن أسباب الهجرة لباقي المصريين سواء للدول الغربية أو دول الخليج.