تقع مدينة نينوى في شمال العراق «حاليًا»، كانت عاصمة الإمبراطوريّة الأشوريّة قديمًا. أهلها ليسوا من شعب الله وإنّما من الشعوب الوثنيّة. في القرن السابع قبل الميلاد، خاضوا عدة حروب بوحشيّة وخلّفوا وراءهم الخراب والدمار.
ذُكرت قصة توبةأهل نينوى وصومهم في سفر يونان النبيّ. في الحقيقة يجب أن يُنسب الصوم لأهل نينوى وليس ليونان النبيّ، لأنّهم هم الذين تابوا وصاموا فنقول: صوم نينوى، والهدف من ذِكر هذا القصة المؤثرة في الكتاب المقدس، هو أن نقف عند استجابة أهل نينوى لدعوة الله لهم، وتوقّفهم عن أعمالهم الشريرة التي أغضبت الله، وإعلان الإيمان بالله وفرض صوم وتقشف وزهد، لا يُستثنى منه أحدٌ، حتى البهائم يجب أن تصوم. والفكرة تظهر مدى صدق التوبة والندامة. وتطرح علينا القصة ثلاثة أفكار هامة جدًّا هي:
1- أن الله يهتم بكلّ البشر ويريد الخلاص للجميع:
قال الله ليونان: «أفلا أشفق أنا على نينوى العظيمة التي فيها أكثر من مئة وعشرين ألف نسمة....؟» (4/9-11). يتعامل الله مع كلّ البشر على أنهم أبناؤه المحبوبون. لذا يسعى دائمًا لخلاصهم شعوبًا وأفرادًا. فالله المحبّة يحبُّ الإنسان وكلّ إنسان، لا يفرق بينهم، فالجميع أمامه سواسية، ويريدُنا أن ننفتح على الآخر بمحبة غير مشروطة كمحبته، ليس فيها محاباة أو إنغلاق على الدين أو الطائفة. نرجو الخير للجميع ونسعى لتحقيقه. لا ندينُ الآخرين بل نترك الإدانة للديّان العادل، هو بعدله ورحمته يحكم ويدين بالاستقامة.
2- أهل نينوى استجابوا لدعوة الله لهم وتابوا، فنجوا من الدّمار:
كانت المفاجأة التي لم يتوقّعها يونان النبيّ، أن يستجيب شعبٌ غير شعبِه للتوبة! كان يظنُ أن التّقوى والعبادة والخشوع والخضوع لا يعرفه غيره من البشر، وهنا تكمن خطيئةُ الكبرياء والبرّ الذّاتي. إن توبة أهل نينوى تعلّمنا أن نتواضع أكثر أمام الله، رغم أنّهم أُمّة عظيمة لكن الله هو الأعظم. استجاب أهلُ نينوى بعد أن أعلن لهم يونان النبيّ، كرازته بأسلوب التخويف قائلًا: «بعد أربعين يومًا تُدمّر نينوى!» وهذا ما لم يقله الله. رغم ذلك آمن أهل نينوى بالله مع ملكهم ونادوا جميعًا بصوم وزهدٍ من كبيرهم إلى صغيرهم.
3- علينا أن نفرح بعودة الخاطئ إلى الله ونشجّعه على التوبة:
حين يتوب الإنسان تتحقق سعادة الله وسعادة الإنسان، فليس هناك ما يسرُّ قلب الله، سوى توبة وعودة الخاطئ. أن يعود ليسلك فى النور لا في الظلمة. أظهر يونان النبيّ رفضه لتوبة أهل نينوى، فذهب غربًا نحو مدينة ترشيش في حين أن نينوى تقع شرقًا!. ربما لا يرى فيهم الرجاء في التوبة والندامة. ولا يتوقع يقظة قلوبهم، وحتّى بعدما أنقذه الله ونجّاه، ذهب لنينوى يحمل الوعيد والتهديد. وحينما تابوا لم يشاركهم فرحة العودة إلى الله، بل اهتم باليقطينة «شجرة الخروع» التي يبست بعد يوم من طلوعها، والإنسان كم هو الأهم عند الله من باقي المخلوقات! نحن مدعوون لأن نفرح مع الله بعودة الضال والشرير.
ختامًا: رتبت الكنيسة صوم نينوى من الأصوام الكنسية، ويأتي قبل الصوم الأربعيني بأسبوعين. لأنّها رأت في توبة وصوم أهل نينوى نموذجًا يحتذى به في سرعة الاستجابة لصوت الله، والأهم من ذلك، ظهرت محبة الله ورعايته كأب للجميع يدعونا لأن نحيا في مخافته، وأن ننمو في العلاقة مع الآخر والذات.