“من هنا من على ضفاف نيل أرض الكنانة نعلن للعالم كله أننا قد اجتمعنا متضامنين لنرسل رسالة سلام لكل محبي السلام في العالم.. تعالوا لنطفئ نار العداوة والبغضاء ونتعاون في حل مشكلاتنا المشتركة، الوطن ليس مجرد أرض نسكن فيها بل كيان عظيم يتملكنا ويسكن فينا، مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان”.. بتلك الكلمات بدأ الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف نيابة عن الدكتور مصطفي مدبولي، رئيس الوزراء، صباح اليوم فعاليات الجلسة الافتتاحية لمؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الثاني والثلاثين تحت عنوان "عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي"، بحضور عدد من الوزراء والمفتين والسفراء والعلماء والمفكرين من مختلف دول العالم.
مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان
في بداية المؤتمر رحب وزير الأوقاف، بضيوف مصر، ناقلًا لهم تحيات رئيس مجلس الوزراء وتمنياته للمؤتمر وللحضور جميعًا بكل التوفيق، موجهًا الشكر والتقدير للرئيس عبد الفتاح السيسي، على رعاية هذا المؤتمر ودعمه المستمر للفكر الديني الوسطي المستنير بلا إفراط ولا تفريط وتأكيده على أهمية استقراء الواقع وفهم مستجداته ومتغيراته في ضوء الحفاظ على ثوابت الشرع الحنيف.
وأكد وزير الأوقاف، أن موضوع هذا المؤتمر وهو "عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي" موضوع تجديدي بامتياز، حيث يهدف إلى ترسيخ أسس المواطنة على المستوى الوطني، وإلى الإسهام في صنع السلام وترسيخ مفاهيم العيش الإنساني المشترك على المستويين الوطني والدولي، كما يهدف إلى ترسيخ وتعميق أسس الولاء والانتماء الوطني من منطلق أن مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان، وأن الوطن لكل أبنائه، وهو بهم جميعًا، وأنهم متساوون في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن اختلاف الدين أو اللون أو الجنس، مما يتطلب ترسيخ أسس التسامح الديني وقبول الآخر على حريته في اختيار معتقده وحقه في إقامة شعائر دينه، وبما يضمن - أيضًا - إنصاف المرأة، والعناية بالضعفاء والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال برامج الحماية الاجتماعية وتمكين كل أبناء المجتمع وإعطاء كل منهم حقه في ضوء وفائه بواجبه تجاه وطنه، وهو ما تعتمده الدولة المصرية في ظل القيادة الحكيمة للرئيس السيسي، كاستراتيجية ثابتة في بناء الجمهورية الجديدة التي تعتمد مبدأ المواطنة المتكافئة كأحد أهم ثوابتها الوطنية، مع تأكيدنا أن الوطن ليس مجرد أرض نسكن فيها، إنما هو كيان عظيم يتملكنا ويسكن فينا.
الفكر الإسلامي يضمن بثرائه وتفرده بناء حضارات قائمة على المواطنة
وفي كلمته نائبًا عن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، أكد الدكتور محمد عبد الرحمن الضويني، أن العالم اليوم بحاجة ماسة لانعقاد هذا المؤتمر الذي يعالج ويتناول قضية عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي، مشيدًا باختيار وزارة الأوقاف لموضوع المؤتمر "عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي" الذي يمثل محورًا إنسانيًّا يحقق التسامح والتقارب بين البشر، الذي يأتي لبنة في بناء متين بناه الأزهر الشريف حينما أطلق مؤتمره التاريخي في عقد المواطنة، حيث استطاع أن يكشف عن حقيقة الجماعات المتطرفة التي تريد تشويه ديننا الحنيف.
وأوضح أن المواطنين جميعًا لهم حقوق متساوية ويواصل الأزهر الشريف بمؤسسات الدولة الوطنية تحقيق توصيات إعلانه، مؤكدًا أن الإسلام الحنيف عرف المواطنة الصحيحة منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان، وذلك حين وضع وثيقة دينية وسياسية ودستورية تدعوا إلى التعايش السلمي بين جميع الأعراق والطوائف في مجتمع المدينة المنورة الذي كان زاخرًا بأطياف متنوعة،
وقال “ الضويني”: المتأمل لوثيقة المدينة يرى الكثير من البنود التي تدور حول المواطنة الفاعلة والتعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد، وقضية المواطنة من القضايا القديمة المتجددة التي تفرض نفسها وبقوة، خاصة حين تتبنى الأوطان مشاريع تنموية كبيرة تقتضي من أبنائها الولاء والانتماء، وحاجتنا إلى المواطنة الرشيدة تشتد في ظل العولمة الخانقة التي تتجاوز الحدود وتعتدي على الخصوصيات وتطمس الهويات، والفكر الإسلامي يضمن بثرائه وتفرده أن يبني حضارات قائمة على المواطنة الحقيقية بغض النظر عن العرق أو اللون أو الجنس.
عقد المواطنة يقوم على أسس ثابتة لتحقيق العدالة والمساواة بين الأفراد أمام القانون
في السياق ذاته قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية: حب الوطن من المفاهيم التي يجب أن نهتم بها تأصيلًا وتطبيقًا، وعدم وضوح هذا المفهوم في أذهان الناس قد يتسبب في إثارة البلبلة في كثير من البلدان، والتي تروجها الجماعات المتطرفة مدعين أن هناك تعارضًا بين مفهوم المواطنة والعقيدة الإسلامية الصحيحة وكل عقل سليم وفطرة سليم.
وأضاف: الحنين للأوطان مجبول في الفطرة الإنسانية السليمة، فقد قال عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) لو قنع الناس بأرزاقهم كما قنعوا بأوطانهم ما اشتكى عبد الرزق، وفي هذا المعنى يقول الحق سبحانه: "وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا"، حيث يشير سبحانه إلى الانتماء الفطري وأن الخروج من الوطن شديد على النفس شاق على الأرواح والقلوب، ولأن الوطن وطن وسكن لكل من نشأ فيه وتربى على ترابه بغض النظر عن دينه أو لونه أو عرقه، ومع تطور الإنسانية وتوجهها المستمر نحو تقويم العلاقات الإنسانية وحفظ الحقوق والواجبات، فقد تخرج من هذا المفهوم الإنساني وتولد عنه مفهوم آخر فقهي وقانوني ينظم هذه العلاقة بين الأفراد على اختلافه أطيافهم وبين الدولة حتى تؤتي ثمارها على أكمل وجه يكون فيه نفع البلاد وسلامتها من الدمار والفوضى، وهذا المفهوم القانوني هو ما أطلقنا عليه عقد المواطنة، فمما لا شك فيه أن وجود عقد ينظم هذه العلاقة في شكل قانوني وفقهي يلزم جميع أبناء الوطن ويتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات بغض النظر عن انتمائهم للون أو العرق يعود بثمرات عظيمة النفع على أفراد المجتمع ومؤسساته.
الرئيس السيسي مجاهد عظيم حفظ الله به مصر
من جانبه أشاد الشيخ الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ، وزير الشئون الدينية والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، بموضوع المؤتمر مؤكدًا أن موضوع المؤتمر له من أهمية كبيرة، حيث يناقش عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي، مبينًا ان الجماعات المتطرفة التي تتخذ من السياسة وسيلة لتحقيق أهدافها التخريبية وشوهت مفهوم الدولة الوطنية، وأن دين الإسلام هو دين حفظ العهود والمواثيق، ولم تشهد البشرية نظاما يفي بالعهود مثل دين الإسلام، وعقد المواطنة من جملة العقود التي رعاها الإسلام وإبرازه من قبل هذا المؤتمر عمل مبارك تشكر عليه وزارة الأوقاف المصرية الموفقة دائما لما لحقه من تأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، وعدوان المعتدين، ما سبب خللا في مفهومه، عند بعض الناس، واستغلت الجماعات المتطرفة هذا الخلل ليتخذوا من الناس أدوات تخريب لا إصلاح، في مخالفة صريحة للنصوص الواضحة التي توجب الوفاء بالعهد ومنها عقد المواطنة، موجها الشكر للرئيس السيسي، واصفًا إياه بالمجاهد الكبير الذي جاهد لإنقاذ مصر من كارثة شديدة كادت أن تقع، فحفظ الله مصر بفضل جهوده المباركة من هذه الكارثة ومن تداعياتها.
مصر هي القلب النابض للأمة
في سياق متصل أكد الدكتور محمد مطر الكعبي، رئيس الهيئة العامة للشئون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات العربية المتحدة، أن مصر بلد الأمن والأمان والحنان، حيث يقول سبحانه على لسان سيدنا يوسف (عليه السلام): " ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاء اللَّهُ آمِنِينَ" ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): " إِنَّكم ستفتحونَ مصر، وهِيَ أرضٌ يُسَمَّى فيها القيراطُ، فإذا فتحتُموها، فاستَوْصُوا بأَهْلِها خيرًا، فإِنَّ لهم ذمَّةً ورَحِمًا" فأهل مصر هم أهلنا، وهي القلب النابض في جسد الأمة، وفيها العلم النافع والأزهر الطيب، والوطن الحاضن للثقافة الإسلامية والقيم الإنسانية، وهي أرض السعادة والاستقرار والشاهدة على كتابة التاريخ، والحاضنة للتسامح بين الأديان وصانعة التراحم بين الإنسان وأخيه الإنسان.
هذا المؤتمر يعد لبنة مهمة في طريق تحقيق السلام وإرساء قيم التعايش
وقال الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الزيد، نائب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي: الأحداث المتلاحقة في كوكبنا تسفر عن أزمة متصاعدة في تنظيم العلاقات البينية البشرية، والأخبار التي نسمعها من بداية هذا القرن تكشف عن تراجع مخيف في احترام قيم التعايش والمواطنة، حيث نشهد مواقف مؤسفة من العنصرية والاغتراب لا نستطيع أن نتجاهلها أو نغض الطرف عنها.
وبين في كلمته نيابةً عن أمين عام رابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، أن هذا المؤتمر يعد لبنة مهمة في طريق تحقيق السلام وإرساء قيم التعايش، فقد خلقنا الله (عز وجل): "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا"، داعيًا الجميع لإعمال حقوق المواطنة في مجتمعات تقبل التنوع وتؤمن بالتعدد.
السيسي دشن عهدًا جديدًا في تعزيز أسس المواطنة
وفي كلمته ثمن عادل عبدالرحمن العسومي، رئيس البرلمان العربي، الجهد الكبير الذي تقوم به وزارة الأوقاف المصرية والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مشيدًا بجهود وزير الأوقاف في خدمة الإسلام والدعوة الإسلامية وترسيخ دعائم العيش المشترك والانتقال بها من ثقافة النخبة لتكون ثقافة شعبية عامة مع اختلاف الأديان والثقافات، ويرسخ ثقافة قبول الآخر وترسيخ قيم المواطنة والتي هي قضية أمن وطني وفكري بالدرجة الأولى للحفاظ على سلامة واستقرار المجتمع وترسيخ قيمها لدى النشء والشباب بها.
كما ثمن، الجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة المصرية تحت قيادة الرئيس السيسي، الذي دشن عهدًا جديدًا في تعزيز أسس المواطنة سواء من خلال التشريعات التي تكفل الحريات الدينية أو إطلاق الاستراتيجيات الوطنية التي ترعى حقوق المواطنين على غرار إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ومن خلال تنفيذ المشروعات القومية التي تستهدف الجميع وخاصة الفئات الأولى بالرعاية، ومنها مشروع حياة كريمة، وكذلك المبادرات الرائدة التي تستهدف توفير الحياة الكريمة للمواطنين، والتي تعزز قيم الولاء والانتماء لديهم.