شهد المجتمع المصري مؤخرًا عدة جرائم تحت ما يسمى "الابتزاز الإلكتروني"، وبدأ الجميع يعاني منها خلال الآونة الأخيرة، وذلك مع التطور التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم، ولكن استغل البعض هذا التطور للإيقاع بضحايا لا ذنب لهم عن طريق الابتزاز الإلكتروني.
العديد من حالات الانتحار شهدها المجتمع المصري على مدار الشهور الماضية بسبب وقائع الابتزاز، وكان آخرها انتحار الطالبة «هايدى» بمحافظة الشرقية، وسبقتها بأيام الطالبة «بسنت» بمحافظة الدقهلية، الأمر الذي طالب معه حقوقيون وبرلمانيون، بضرورة التصدي لهذه الظاهرة.
وبسبب استخدام البعض للتكنولوجيا فى ارتكاب الجرائم، تواجه الفتيات في مصر نوعًا جديدًا من التحديات التي قد تودي بـ«سمعتهن» في أوساطهن ومناطقهن السكنية، خاصة في ظل وجود تقاليد وعادات صارمة، وهو الأمر الذي يدفع الفتيات إلى اتخاذ قرارهن بإنهاء حياتهن من أجل "السمعة".
تحرك برلماني لتجريم الابتزاز الالكتروني
الجرائم اقلقت الجميع وتتعارض تلك الحوادث من الابتزاز الالكتروني، مع النصوص الدستورية والتي تحمي الحياة الخاصة للمواطنين، ونصت المادة 59 من الدستور على أن «الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أرضها»، والمادة 90 من الدستور أكدت على أن كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرها من الحقوق والحريات التى يكلفها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوة الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم.
ومع تكرار تلك الحوادث في ظل التطور التكنولوجي، وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي، والذي قد يصل إلى أن بعض الفتيات يتفاجئن بصورهن وفيديوهات مبركة لهن على بعض الصفحات الإلكترونية غير الخاصة بهن، تحرك الأزهر الشريف، والبرلمان لمواجهة تلك الظاهرة التي وصفها البعض بـ«الكارثية»، من خلال التقدم بمشروعات قوانين لتجريم الابتزاز الإلكتروني.
وبرغم عدم وجود إحصاءات رسمية، لجأت لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، إلى إعداد دراسة كشفت خلالها ازدياد الجرائم الالكترونية، يومًا تلو الآخر خاصة فى القرى بمختلف المحافظات.
وذكرت اللجنة بالدراسة التى أعدتها أن شهرى سبتمبر وأكتوبر شهدا تقديم 1038 بلاغًا بجريمة الكترونية نجحت وزارة الداخلية فى ضبط غالبية المتهمين فى هذه الجرائم حتى الآن، وأن آخر 10 أيام فى شهر أكتوبر شهدت بمفردها وقوع 365 جريمة إلكترونية، لتؤكد الدراسة أن أغلب الجرائم الالكترونية كانت نصبًا واحتيالًا وتركيب صور للفتيات وبيع أدوية غير صالحة للاستخدام الآدمى ومنتهية الصلاحية عبر الإنترنت إلى جانب تجارة آثار مزورة عبر صفحات الإنترنت.
الأزهر: الانتحار من الكبائر
وهو ما دعا الأزهر الشريف، إلى إصدار بيان أكد خلاله أن تلك الأفعال من الابتزاز الإلكتروني لبعض الناس تحرمها الأديان، وتجرمها القوانين، وتأباها التقاليد والأعراف، كما طالب المجتمع بالوقوف إلى جانب الضحايا وتجنب الخوض في الأعراض.
مركز الفتوى العالمي: ابتزاز الناس جريمة منكرة
وقال مركز الفتوى العالمي التابع للأزهر الشريف، إن ابتزاز الناس والطعن في أعراضهم بالفيديوهات والصور المفبركة أمر محرم وجريمة منكرة، مؤكدًا أن الانتحار لن يكون حلًا ولا مهربًا، بل وهمًا كبيرًا، وكبيرة من كبائر الذنوب، ولا راحة في الموت لصاحب كبيرة.
مشروعات قوانين
في نفس السياق، تقدم عدد من النائبات بمشروعات قوانين، كانت في مقدمتهن النائبة مارثا محروس، وكيل لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، والتي تقدمت للبرلمان بمشروع قانون بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 175 لسنة 2018، فى شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، بهدف مكافحة الاستخدام غير المشروع لتقنيات المعلومات وما يرتبط بها من جرائم، مع التزام الدقة في تحديد الأفعال المعاقب عليها، وتجنب التعبيرات الغامضة، حيث استبدلت المادة الأولى من مشروع القانون نص المادة 25 من القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات بالنص الآتى: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، وبغرامة لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استعمل برنامج معلوماتى أو تقنية معلوماتية فى انتهاك حرمة الحياة الخاصة والاعتداء على الخصوصية الشخصية أو العائلية للغير من خلال التصوير أو التسجيل أو التصنت عليه دون علمه وموافقته أو في غير الحالات المصرح بها قانونًا، أو القيام بنشر معلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها، تنتهك خصوصية الغير دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة، وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا دفعت الأفعال المبينة بهذه المادة بالغير إلى الانتحار، كما تم تغليظ العقوبة من الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر إلى الحبس مدة لا تقل عن عامين، بالإضافة لتغليظ الغرامة المالية، وذلك نظرا لما أفرزه الواقع العملي من عدم تحقيق العقوبة الواردة فى النص السابق للردع العام».
كما تقدمت النائبة أمل سلامة عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، بتعديل بعض أحكام القانون رقم 175 لسنة 2018، لتغليظ عقوبة التعدى على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتى، باستخدام التقنيات الحديثة لـ«فبركة» الصور والفيديوهات بهدف التشهير والابتزاز وإذلال المجنى عليه.
وتضمن التعديل المقدم من النائبة المادتين 25 و26 من القانون رقم 175 لسنة 2018، حيث تم تغليظ العقوبة فى المادة 25 بالسجن لمدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 5 سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تتجاوز مائتى ألف جنيه لكل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكترونى لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته.
أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما فى حكمها، تنتهك خصوصية أى شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة، وفيما يتعلق بالمادة 26، تم تغليظ العقوبة بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تجاوز7 سنوات وبغرامة لا تقل عن مائتى ألف جنيه، ولا تتجاوز ثلاثمائة ألف جنيه كل من تعمد استعمال برنامج معلوماتى أو تقنية معلوماتية فى معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى منافٍ للآداب العامة، أو لإظهارها بطريقة من شأنها إذلال المجنى عليه والتقليل من قدره والمساس باعتباره أو شرفه وكرامته علانية أمام الغير، على أن يتم تغليظ العقوبة إلى الإعدام إذا ترتب على جرائم التشهير بالشرف وفاة المجنى عليه بالسكتة القلبية، أو انتحاره هربا من تلك الإساءات التى لا ذنب له فيها، باعتبارها جريمة قتل مكتملة الأركان.
كما اقترحت النائبة منى عبدالله، عضو مجلس النواب، بأن يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائتى وخمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام بالنشر أو المشاركة فى النشر أو التصوير أو المشاركة فى التصوير بغرض الترويج لأخبار أو صور أو فيديوهات أو فبركة فيديوهات وما فى حكمها عن طريق الشبكة المعلوماتية أو التطبيقات الالكترونية، فضلًا عن تغليظ العقوبة، وجعلها جناية وليست جنحة، نظرا لأن عملية الابتزاز لا تقل خطورة عن القتل الخطأ، وبالفعل تؤدى إلى وقائع انتحار كثيرة.
وتقدمت النائبة سكينة سلامة، عضو مجلس النواب، ببيان عاجل للمستشار حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، لتوجيهه إلى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، ووزيري الاتصالات والعدل، لحظر ومنع المواقع الالكترونية التى تقوم بالابتزاز الإلكتروني والتى تؤدى إلى ظاهرة غريبة عن المجتمع المصرى وهى ظاهره الانتحار، لافتة إلى أن هناك طلبات مقدمة من أكثر من ٢٣ محاميا ببلاغ لمنع مثل هذه المواقع، وتضمنت تلك البلاغات مخاطبة مباحث الإنترنت لحظر تلك المواقع، مطالبة الجهات المختصة بسرعة البت فى الموضوع وسرعة التحرك لحماية أبنائنا من الابتزاز.
مطالبات بالسجن المشدد في الجرائم الإلكترونية
وقال محمد عثمان، نقيب محامي شمال القاهرة، إن مواد قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات وقانون العقوبات، تتعذر في ضبط جرائم السوشيال ميديا الحديثة، مؤكدًا أن معظم نصوص القانون لا تتواكب مع التطورات عالم الإنترنت، خاصة أنه لا توجد به نصوص جنائية.
وطالب نقيب محامي شمال القاهرة، في تصريح خاص لـ«البوابة نيوز»، مجلس النواب والجهات المختصة، بسرعة تحديث وإضافة تشريعات قانونية لمواجهة جرائم الابتزاز الإلكتروني والانترنت بشكل عام، وعقوبات محددة لمساومة المجني عليه عبر وسائل الاتصالات المختلفة، بحيث تبدأ العقوبة من جنحة حتى ثلاث سنوات سجن مشدد.
وأشار «عثمان»، إلى أن جرائم الانترنت انتشرت بشكل كبير خلال الفترة الماضية، ومجتمعنا المصري يحتاج إلى عقوبات حاسمة لمواجهة هذه النوعية من الجرائم، موضحًا أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات وقانون العقوبات يجب أن يتم تعديلهما بشكل مستمر ودوري.
فيما قال أشرف قبر الخبير القانوني، إن جرائم الابتزاز الإلكتروني منتشرة على نطاق واسع بسبب التطور التكنولوجي، منوهًا أن القانون المصري بمواده الحالية رادع لكل من تسول له نفسه أي محاولة ابتزاز، حيث تنص المادة 327 من قانون العقوبات على معاقبة كل من هدد غير كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال معاقب عليها بالقتل أو السجن المؤبد أو المشدد أو بإفشاء أمور أو نسبة أمور مخدشة بالشرف وكان التهديد مصحوبا بطلب أو بتكليف بأمر يعاقب بالسجن، ويعاقب بالحبس إذا لم يكن التهديد مصحوبا بطلب أو بتكليف بأمر.
وتابع «قبر»، أن المادة 309 مكرر من قانون العقوبات عاقب المبتز بالحبس مدة لا تقل عن عام في حالة التقاطه لصورة أو نشرها بدون موافقة صاحبها، مشيرًا إلى أن ذلك يعد جريمة متحققة الأركان، ومؤكدًا أن المشرع المصري ما زال يبحث فى تطور الجرائم الالكترونية ويضع لها الضوابط والقوانين الرادعة، خاصة في ظل التطور الذي نشهده.
دعم الأبناء
فى نفس السياق، قالت الدكتورة هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها، إن الابتزاز الإلكتروني ليس ظاهرة اجتماعية، لكنه مجرد أحداث فردية، مشيرة إلى أنه أداة من أدوات الابتزاز، مضيفًة أنه مع التقدم التكنولوجي، وقدرة الفوتوشوب على تغيير الصور، ووجود برامج متطورة، أصبحت أدوات الابتزاز سهلة، وكذلك الأمر بالنسبة لعمليات التهديد، ما أدى إلى حدوث مشاكل كثيرة بالمجتمع.
وطالبت أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها، بدعم الثقة بالنفس، ووجود حوار دائم ما بين الأهل والأبناء، حتى يصبحوا سندا لأبنائهم ويحموهم من الابتزاز، سواء كان شابا أو فتاة.
وأشارت الدكتورة هالة منصور، إلى أن الشخص عندما تمارس عليه عمليات الابتزاز المختلفة يصبح خائفًا، والخوف هنا المحرك الرئيسي الذي يؤدي للانتحار، أو أذية النفس، أو الاستسلام للمبتزين، وهو ما يدفعه إلى تحقيق ما يريدون.
واستطردت، لابد من طمأنة أبنائنا، ونكون لهم الملاذ الذين يلجئون إليه عندما يمارس أي شخص عملية الابتزاز عليهم، موضحًة أن لدينا المستجدات المجتمعية، خاصة ما يتعلق بالجرائم الالكترونية وجرائم العنف المنتشرة، والتي تحتاج أدوات المشرع الذي يبدأ في صياغة بعض القوانين، أو يغلظ بعض العقوبات، لأنها جرائم مستحدثة على المجتمع المصري، ولم تكن متوقعة أن تتواجد في المجتمع.
فيما قال الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، إن جرائم الابتزاز الإلكتروني لها أشكال مختلفة، وذلك بسبب التوسع في التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، مضيفًا أن الابتزاز الإلكتروني انتشر بشدة في المجتمع، وكلما توسع الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي، كلما انتشرت الظاهرة بصورة أكبر.
وتابع: «الجريمة كل يوم تتكرر ومسكوت عنها، وكثير من البنات ليس لديهن القدر الكافي من الوعي للتعامل مع تلك الجريمة، ويخافون من مواجهة الأهل ومجابهة الموقف، وليس لديهم قدر من الصلابة النفسية لإيجاد حلول لمواجهة الأزمة، فيلجئون إلى إيذاء النفس والانتحار مثلما رأينا واقعتي بسنت وفتاة الشرقية».
وطالب الأهالي بدعم أبنائهم، والاستماع إليهم، وأن يكون هناك حوار بينهم: «الأسرة عليها دور كبير جدًا في تقوية الصلابة النفسية لأبنائها».
150 بلاغًا يوميًا فى الجرائم الالكترونية
ومن جانبه، قال النائب أحمد بدوى، رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إن الجريمة الإلكترونية زادت بشكل كبير خلال الفترة الماضية، نتيجة الاستخدام الخاطئ للسوشيال ميديا والمفهوم السيئ لها، فيما يعتقد البعض ممن يمتلكون الحسابات المستعارة أنه سلاح للابتزاز.
وتابع بدوي في تصريح لـ«البوابة»، أن لجنة الاتصالات بالمجلس تعمل على مكافحة هذه الظاهرة ومتابعتها بقوة للوقوف على آخر المستجدات فيها أولا بأول، وذلك من خلال حزمة من القوانين لتقنين السوشيال ميديا، منها قانون تقنية المعلومات والمعروف إعلاميًا «بقانون مكافحة الجريمة الالكترونية»، مشيرًا إلى أن هناك أشكالا متعددة للجريمة الإلكترونية ومنها السب والقذف والابتزاز الالكتروني أو تركيب الصور، وأيضا النصب الالكتروني مثل بيع سلع مجهولة وأيضًا سرقة الحسابات والهكر الذي يسرق بيانات البعض.
وأكد رئيس لجنة الاتصالات بالبرلمان، أن اللجنة حريصة على تقديم التشريعات المتعددة لمواجهة كل الجرائم الالكترونية، والتي يرتكبها البعض دون دراية بالقانون أو مواده، مشيرًا إلى أن مثل هذه الجرائم يكون الحكم فيها سريعا وناجزا لضمان تحقيق الردع لكل من تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم ولتوفير الحماية والأمان لبيانات كل أفراد المجتمع.
وتابع «بدوى»، أن هناك ما بين 120 إلى 150 بلاغًا يوميًا على مستوي الجمهورية خاص بالجريمة الإلكترونية تتلاقها الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات أو الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات طبقًا لآخر إحصائية قامت بها اللجنة خلال الشهر الماضي وأكثرهم من الفتيات.