الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

أقباط المهجر (1) .. المصطلح وعوامل التشويه

الباحث نجاح بولس
الباحث نجاح بولس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أقباط المهجر (1) .. المصطلح وعوامل التشويه

بقلم الباحث/ نجاح بولس

أثار مصطلح أقباط المهجر لغطًا سياسيًا وتسبب في جدل وسجال إعلامي لفترة طويلة امتدت لعشرات السنين، في وقت من الأوقات ولمدة طويلة كان المصطلح يعد بمثابة لفظ خادش للمشاعر الوطنية، ويحمل دلالات سياسية مرتبطة بالتخوين والإقصاء، وارتبط بصورة ذهنية سلبية لدى مختلف الأوساط سواء على مستوى النخبة أو القاعدة الشعبية .

تكرست هذه الصورة لسنوات طويلة في الذهنية المصرية أثر عدة عوامل، كان أهمها رغبة مؤسسات الدولة لتشويه جماعات أقباط المهجر، وخصوصاً في فترة السبعينيات أثناء صدام البابا شنودة مع الرئيس أنور السادات ، فقد كان السادات ينظر لجماعات أقباط المهجر بإعتبارها إحدى أدوات البابا شنودة خلال الصدام الشهير بينهما، وخاصة بعد تظاهرات غاضبة تخللها إهانات صريحة للرئيس السادات أثناء زيارته للولايات المتحدة الأمريكية ، تنديداً بسياساته ضد الأقباط بعد حادث الزاوية الحمراء .

وكان لحالة الغموض التي أحاط بأقباط المهجر كظاهرة جديدة، دور في تكريس اللغط وتداول الجدل بشأنها ، فلم تكن ظاهرة المصريين بالمهجر موجودة على الساحة السياسية أو الخريطة الاجتماعية المصرية ، رغم وجود ظاهرة الهجرة للدول الغربية من بعض دول المنطقة كالسريان والأرمن ولبنان سابقة للتجربة المصرية بعشرات السنين ، ولكن لم يسبق في الحالة المصرية أن كانت هناك مجموعة من المواطنين يعيشون خارج البلاد ويحملون جنسيات أخرى بجانب جنسيتهم الأصلية ، مما سبب حالة من الارتباك عند معالجة الظاهرة لدى مختلف القطاعات الرسمية وغير الرسمية .

وفي سياق آخر أدى غياب قنوات الاتصال الرسمية وغير الرسمية إلى ضعف وتشوه المعلومات المتدفقة في الاتجاهين ، سواء عن الأقباط بالمهجر إلى الداخل المصري، أو عن قضايا وأحداث الداخل وخصوصاً المتعلقة بالملف القبطي إلى جماعات الأقباط بالمهجر ، فسادت بين الطرفين حالة من الريبة والتربص وعدم الثقة المتبادلة، تفاقمت متأثرة بحالة الخلط وعدم التفرقة بين المواطنين المصريين المقيمين بالمهجر، وبين بعض المنظمات المملوكة لأفراد بالمهجر تعمل بالعمل السياسي، ولها توجهات معارضة للسياسات المصرية تعبر عنها بشتى الطرق، فبات المصطلح غامضا والظاهرة عصية على الفهم والاستيعاب لعقود طويلة.

وتقودنا حالة الغموض إلى البحث في تعريف مصطلح أقباط المهجر والتعرف على دلالاته في الأدبيات الفكرية والسياسية، وكيف أثر نمط استهلاك المحللين السياسيين للمصطلح في تكريس حالة الغموض والريبة حول حركة أقباط المهجر، أو الدفع في استيعابهم كمواطنين في العملية السياسية المصرية :

في مرجع باسم ( الإحياء الديني ) صادر عام 1991 عرف الدكتور رفيق حبيب حركة أقباط المهجر باعتبارها، [حركة سياسية دينية تهدف إلى خلق وضع سياسي جديد للأقباط، كما أن وجودها خارج مصر جعل لها وضعا خاصا، بحيث لا يحدث صدام بينها وبين التيارات الأخرى الموجودة داخل مصر].

وعلى غير الحقيقة يعمم الدكتور رفيق حبيب الطبيعة السياسية لظاهرة أقباط المهجر ، رغم أن الواقع المستند على الأرقام والبحوث، يؤكد أن غالبية أقباط المهجر ليس لديهم أي نشاط سياسي أو أي مشاركة سياسية بأي شكل من أشكالها، بل ويذهب حبيب بالظاهرة أبعد من ذلك واصفاً إياها بالدينية .

فأي طبيعة دينية تحكمت في هجرة المصريين لأسباب مختلفة سواء للدول العربية أو للدول الغربية، وهل هناك أي مؤسسة دينية قادرة على توجيه ملايين المواطنين للهجرة من بلادهم لخلق حالة أو وضع سياسي جديد للأقباط؟ وأي وضع يقصده الدكتور رفيق المقرب من جماعة الإخوان المسلمين، والمعروف باتجاهاته المؤيدة لمشروع الإسلام السياسي كخيار مناسب للحكم في المنطقة العربية؟؟ الأمر الذي يعكس دور جماعات الإسلام السياسي في تكريس صورة غير حقيقية عن أقباط المهجر بغرض التشويه، فلم تكن لهجرة الأقباط أي أهداف سياسية أو دينية وكانت هجرة طبيعية تماماً، مثلما هاجر ملايين المصريين أقباطا ومسلمين إلى دول الخليج طلباً للرزق .

وهذا ما أكدته دراسة دكتوراه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، للدكتور يسري العزباوي الباحث في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، بعنوان (أقباط المهجر .. ثلاثية الدولة والكنيسة والمواطنة)، حيث عرف في دراسته أقباط المهجر على أنهم:

[ المسيحيون المصريون الذين يعيشون خارج مصر بشكل دائم أو مؤقت ، وهؤلاء جميعاً على مختلف بلدانهم وتضاريسهم العلمية والاجتماعية والمهنية وبلدان الهجرة ، ليسوا نشطاء في حركة نشطاء أقباط المهجر أو حركيوها ، الذين يركزون نشاطهم السياسي لا الديني على أوضاع الأقباط المصريين ]  ويستكمل العزباوي تعريفه لظاهرة أقباط المهجر مستنداً على نتائج دراسته قائلاً: [ وتشير كافة المؤشرات أن الغالبية العظمى من أقباط المهجر يعتزون بهويتهم المصرية ويسعون إلى الحفاظ عليها ].

ولم تكن دراسة يسري العزباوي الوحيدة التي أكدت على وطنية وارتباط أقباط المهجر بوطنهم الأم ، حيث أكدت على نفس المعنى دراسة دكتوراة للباحثة Elizabeth E. Oram بولاية نيوجيرسي بالولايات المتحدة الأمريكية عام 2004 ، حيث أفادت في بعض نتائجها بأن [ يعتبر أقباط المهجر من أكثر عوامل تطور الهوية القبطية وتحديثها ثقافياً واجتماعياً،

ففي الوقت الذي يحاول الأقباط في المهجر تطوير نمط معيشتهم ، يحافظون جنباً إلى جنب على هويتهم القبطية والمصرية ويؤكدون على انتمائهم لوطنهم الأم]

وأخيراً نتناول تصريح للبابا شنودة مع الكاتب محمود فوزي نشره في كتاب باسم: (البابا شنودة والمعارضة في الكنيسة) عام 1992 ، حيث قال البابا عن حركة أقباط المهجر:

[ إنها حركة طبيعية مثل أي من حركات الهجرة الأخرى ، والهجرة لم تكن للأقباط المسيحيين فقط ، ولكنها شملت أيضاً المسلمين ، فالهجرة حدثت من كافة الأديان ، كما أن أسباب الهجرة متعددة ، وظروف المهاجرين الشخصية والعائلية تختلف ، فقد هاجر الجميع لأسباب لا علاقة لها بالدين ، والأمر لا يخص المسيحيين الأقباط دون غيرهم ]

ومن خلال استعراض آراء الباحثين والمفكرين يتضح أن أقباط المهجر ليسوا خليطا متجانسا ، ولا يمثلون كتلة سياسية ذات توجهات متقاربة ، وكانت هجرتهم طبيعية دون أي أهداف سياسية أو دينية ، ويجب التفرقة بين المواطنين الأقباط بالمهجر وبين بعض الحركات أو المنظمات السياسية المؤيدة أو المعارضة للسياسات المصرية ، والحديث ممتد عن الحركة في مقالات لاحقة .