استأنفت محاضرات "الدورة التدريبية المشتركة لأئمة مصر وفلسطين" المنعقدة بأكاديمية الأوقاف الدولية بمدينة السادس من أكتوبر لليوم الثاني على التوالي.
يأتي ذلك في إطار خطة وزارة الأوقاف في التدريب والتثقيف المستمر للأئمة المصريين وأئمة الدول الشقيقة.
عقدت المحاضرة الثانية للدكتور رمضان حسان أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر تحت عنوان "من أسرار البيان القرآني"، وفيها أكد أن القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى المعجز، والذي تحدى به ربنا تبارك وتعالى الخلق جميعًا قال تعالى"قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا"، فكل تأخير أو تقديم أو حذف أو ذكر جاء في القرآن الكريم جاء لأن النسق يتطلب ذلك، فهو في أعلى درجات الفصاحة والبلاغة، فنجد في قوله تعالى "قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى"أن النص القرآني الكريم استعمل حرف الجر "في" مع أن المشهور استعمال حرف الجر "على" للصلب على النخيل والأشجار ونحو ذلك، لكن للمبالغة في بيان ما ينتظرهم من عذاب فرعون عبر النص القرآني بحرف الجر "في"، والمعنى من شدة العذاب فإن أجسادهم تدخل في جذع النخل، لذلك استعمل حرف الجر " في " لأن المعنى لا يتم إلا بها وليس بغيره.
كما بين أن استعمال كلمة "إصلاح" لها سر بلاغي في قوله تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ"، فلو فتشنا ونقبنا في اللغة العربية على طولها واتساعها، وحقولها الدلالية، فلن نجد كلمة واحدة تقوم مقام كلمة الإصلاح وتسد مسدها، فاليتيم قد يكون فقيرًا فيحتاج إلى الإطعام أو الكسوة أو المسكن أو نحو ذلك، فيكون الإصلاح لليتيم أن يقام على إطعامه أو كسوته أو توفير المسكن اللازم له، وقد يكون اليتيم غنيًا فلا يحتاج إلى طعام أو كسوة أو مسكن، وإنما يحتاج إلى من يقوم على أمواله ويحافظ عليها وأن يستثمرها له، وقد يكون اليتيم غنيًا وعنده من يقوم على رعايته واستثمار ماله وإنما يحتاج إلى الرحمة والحنو عليه ، فيكون الإصلاح له بالرحمة والحنو عليه، والمعاملة الحسنة، يقول نبينا "صلى الله عليه وسلم" "مَنْ مَسَحَ رَأْسَ الْيَتِيمِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مِنْ رَأْسِهِ حَسَنَةً"، وقد يحتاج اليتيم إلى التربية والتقويم والتعليم، فيكون الإصلاح تقويمًا وتهذيبًا وتربية، فحينما سأل رجل سيدنا رسول الله "صلى الله عليه وسلم" مم أضرب يتيمي ؟ أي إن كنت مضطرًا لتأديبه، فقال "صلى الله عليه وسلم" :"مما كنت ضاربًا منه ولدك، غير واق مالك بماله"، فإصلاح اليتيم قد يكون في إطعامه وقد يكون في المحافظة على أمواله، وقد يكون بتربيته وتهذيبه، وقد يكون بالرحمة والحنو عليه.
وفي قوله تعالى "فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ"، استعمال كلمة "حرب" حتى تشعر الذي يتعامل بالربا أن الأمر عظيم ولابد من الانتهاء عن التعامل به، مؤكدًا أن أسرار البيان القرآني نبع فياض لا تنفد موارده، فكلما تفكر العلماء في أسراره وجدوا أسرارًا جديدة تناسب عصرهم، فالخطاب القرآني مناسب لجميع العصور وهذا من أسرار بيانه المعجز.