أصدر عمدة العاصمة الكندية أوتاوا، قرارا بإعلان حالة الطوارئ في المدينة إثر احتجاجات سائقي الشاحنات المعارضين للإجراءات الصحية المتعلقة بجائحة كورونا.
وقال عمدة المدينة جيم واتسون في حديث مع وسائل إعلام محلية أمس الأحد، إن "الوضع الحالي خارج عن السيطرة تماما، لأن المتظاهرين هم من يفرضون القانون"، مشيرا إلى أن عدد المتظاهرين "أكبر بكثير من عدد ضباط الشرطة لدينا".
وتابع: "نحن نخسر المعركة، يجب أن نستعيد مدينتنا"، واصفا سلوك المحتجين، الذين يعرقلون حركة السير ويطلقون أبواق شاحناتهم بلا كلل، بـ"غير المقبول".
وكان رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، قال إن السلطات لن تستخدم الجيش لمواجهة احتجاجات سائقي الشاحنات في أوتاوا، في حين أعلنت شرطة كيبيك وأونتاريو أنها على أهبة الاستعداد قبل الإجراءات الجديدة المخطط لها في عطلة نهاية الأسبوع.
يذكر أن قافلة من شاحنات النقل الكبيرة نزلت إلى العاصمة الكندية أوتاوا للاحتجاج على فرض إبراز شهادة التطعيم ضد كورونا خلال عبورهم الحدود، إذ عليهم أن يُبرزوا تلك الشهادة قبل أن يسمح لهم في العودة إلى بلادهم بعد نقل شحنات البضائع إلى الولايات المتحدة. فهم ما زالوا مختبئين هناك، يواصلون تظاهراتهم المعرقلة لسير الحياة الطبيعية ضد إجراءات الحكومة الوطنية.
فبالنسبة لهؤلاء الأشخاص القابعين جنوب خط العرض 49 [موقع كندا الجغرافي المفترض]، والذين يعارضون الإجراءات الهادفة إلى خفض نسبة انتشار فيروس "كوفيد"، فإن سائقي الشاحنات ليسوا أقل من حركة بولشيفية حديثة تقوم بالتصدي للقيصر ترودو الثاني (في إشارة إلى رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو)... "أحداث قليلة في تاريخنا الحديث كشفت إلى هذا الحد عن الهوة القائمة بين الحاكم والمحكومين، خصوصًا في معناها المتعلق بالطبقية"، كما كتب كبير الرأسماليين الفوضويين جيفري أي تاكر... "على مدى عامين تقريبًا، واجهت الطبقة المهنية واقعًا مختلفًا تمامًا عما واجهته الطبقة العاملة".
كيرت شلايتشر Kurt Schlichter، وهو كاتب رأي في موقع تاون هول Townhall المحافظ الإلكتروني، كان قد وصف الحدث بأنه "انتفاضة الطبقة العاملة". ويمكننا أن تستخلص من مقاله أن طبقة النخبة في هذا المعرض يمثلها رئيس الحكومة (الكندية) جاستن ترودو وحزبه الليبرالي الذي يمسك السلطة منذ عام 2015. و"الطبقة العاملة" هنا هم سائقو الشاحنات.
فما يجري في كندا هذه الأيام ليس "انتفاضة للطبقة العاملة." فما يجري هناك لا يعكس الهوة الشاسعة بين الطبقات ــ على الرغم من أن ذلك موجود، وقامت الجائحة بإبرازه. ففي هرولتهم المتسرعة للاستحواذ على الخطاب اليساري حول الحرب بين طبقات المجتمع وإصرارهم على النظر إلى القافلة من منظار السياسة الأميركية، قام هؤلاء المعلقون والمستفزون، بارتكاب خطأ في توصيف قافلة الشاحنات وتجاهلوا ــ إن لم يقوموا بمسح ــ هذا الحدث الكندي الخاص جدًا، وبالكامل.
إن إطلاق تسمية "انتفاضة الطبقة العاملة"، على هذه القافلة كما فعل شلايتشر Schlichter هو مبالغة في التعاطي مع الواقع، فقد كشف استطلاع للآراء أجرته مؤسسة "إيبسوس"، ونشر هذا الأسبوع، أن 67 في المئة من الكنديين يريدون من حكومتهم فرض إجراءات حظر إضافية على غير المطعمين، فيما يلقي 49 في المئة من المستطلعة آراءهم باللائمة على غير المطعمين في إطالة أمد الجائحة. وإذا كنا دقيقين أكثر، هناك 120 ألف سائق شاحنات نقل ثقيل يعملون عبر الحدود الكندية الأميركية وفقًا لقناة هيئة الإذاعة البريطانية BBC. ومن بين هؤلاء، يقول تحالف سائقي الشاحنات الكندي أن تسعين في المئة قد تلقوا اللقاح، هذا يترك مجرد 12 ألف سائق غير مطعمين، وكل لأسبابه الخاصة.
لكن الإثني عشر ألف سائق يشكلون على الرغم من ذلك أقلية صغيرة مقارنة بعدد سائقي الشاحنات الذين التزموا بمتطلبات الصحة العامة. تلك الإعداد لا يمكن اعتبار أنهم يشكلون حتى انتفاضة لسائقي الشاحنات، ناهيك باعتبار الأمر انتفاضة للطبقة العاملة. بالطبع، لم يسجل أنه كان هناك أي انخفاض ملحوظ في حركة انتقال الشحنات عبر حدود البلدين منذ انطلاق الأعمال الاحتجاجية.
ذلك لا يعني أن الاحتجاجات كانت صغيرة، فقد نقلت "سي بي سي" (هيئة الإذاعة الكندية) أن "قافلة من آلاف الشاحنات ومحتجون آخرين" تقاطروا على العاصمة، وانضم إليهم المئات سيرًا على الأقدام، لكن من غير المعقول أن 12 ألف سائق غير مطعم قد انضموا إلى القافلة. في الأغلب كان هناك آخرون ضمن الخليط البشري ــ وكانت لديهم أجنداتهم الخاصة.
بالطبع، فكبيرة منظمي هذا التجمع هي تمارا ليتش Tamara Lich، سكرتيرة حزب "مافريك" أو الفريدون اليميني. وبحسب موقع الحزب الإلكتروني الخاص، "يسعى أتباع حزب مافريك أو الفريدون إلى تحقيق عدالة أكبر وحق تقرير المصير لما يعرف بمناطق الغرب الكندية عبر تغييرات أساسية، أو إقامة دولة مستقلة"، هذا فعلًا واقع الأمور، فهذا الحزب الهامشي يدعو إلى انفصال مقاطعات البراري Prairie Provinces عن الفيدرالية الكندية عبر ما يطلق عليه البعض اسم "وكسيت" Wexit [في إشارة إلى بركسيت البريطانية]".