مازالت بحيرة قارون بمحافظة الفيوم أحد المحميات الطبيعية النادرة بالمحافظة تعاني تدهورا و تدميرا شديدا لثروتها السمكية وطبيعتها النقية بسبب التلوث الذي طال البحيرة من محاور عديدة في محافظة الفيوم.
للبحيرة نظام ري زراعي معقد حيث يتم صرف مياة الزراعة فيها إذ تستوعب بمفردها مياه الصرف الزراعي للمحافظة بالكامل ولا يوجد مخرج للصرف الزراعي سوى بحيرة قارون او عمليات البخر لمياه البحيرة التي تبلغ مساحتها 55 ألف فدان.
وتصل مياه الصرف الزراعى إلى البحيرة من عدة مصادر منها مصرف يدعي البطس شرقاً ومصرف المحيط غرباً وكلاهما يمر هو وروافده من المصارف الأصغر خلال كتل سكنية ما يؤدى إلى وصول مياه الصرف الزراعي ملوثة بمياه الصرف الصحي الخاصة خلال مرورها بالكتل السكانية المحرومة من وجود محطات صرف صحي.
حيث ارتفعت نسبة الاملاح والفضلات العضوية ببحيرة قارون حتي وصل الوضع الكارثي الحالي بها بالإضافة الي تصريف المصانع وكافة المنشآت الصناعية القريبة من بحيرة قارون التي تصب صرفها الصناعي ببحيرة قارون وحاليا باتت البحيرة مصبّا لصرف 82 قرية تمتد مسافة 45 كيلومترا علي بحيرة قارون .
كما تعرضت بحيرة قارون لظهور طفيل حشري شديد الخطورة يسمي طفيل الايزو بودا وحسب تصريحات عطا الله عبد التواب متولي رئيس محطة قرية شكشوك المطلة علي بحيرة قارون إن الأيزوبود عبارة عن حيوان قشري عديد الأرجل اسمه الدارج آكل لسان السمك وموطنه الأصلي خليج كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية ويهاجم هذا الطفيل جميع أنواع الأسماك ببحيرة قارون حيث تمثل الطبيعة المغلقة للبحيرة وتلوثها الشديد وارتفاع نسبة الملوحة بها بيئة حاضنة للطفيل منحت الطفيل القدرة على شل حركة الأسماك ومنعها من الهرب حيث يهاجم الطفيل خياشيم الأسماك مما يؤدي إلى حدوث أسفكسيا الخنق للأسماك .وأضاف أن مساحة بحيرة قارون 1385 كيلومترًا مربعا منها حوالي 215 كيلومترًا مربعا مسطحا مائيا تمثل 15.5% من إجمالي مساحة المحمية ويتراوح عمقها بين خمسة أمتار شرقا إلى 12 مترا غربا بمنسوب سطح مياه قدره 45 مترا وتبلغ درجة ملوحة مياهها حاليّا 40 جراما في اللتر الواحد حسب دراسات المعهد القومي للبحوث أي ما يعادل 40 ألف جزء في المليون ما وفر بيئة حاضنة لظهور الطفيل بل تطوره وتوحشه حتى بات يهدد بتحويل البحيرة إلى بحيرة ميتة.
البحيرة تعد مصب لمياه الصرف الزراعي والصحي في محافظة الفيوم، خاصة مصرف البطس والوادي وليس للبحيرة صرف خارجي بالإضافة إلى أنها تفقد الماء عن طريق التبخر مما يؤدي إلى زيادة نسبة الملوحة فضلاً عن تلوث البحيرة بالمبيدات الحشرية والمواد العضوية والعناصر الثقيلة.
موسي محمد منعم صياد من قرية شكشوك المطلة علي بحيرة قارون قال أن بحيرة قارون بعد أن كانت مصدر رزقنا الوحيد في صيد الأسماك التي توارثناها عن أجدادنا تعاني من تصريف المصانع بها خاصة مصنع الشبه ومصانع منطقة كوم أوشيم تصب صرفها الصناعي ببحيرة قارون حتي تسبب الصرف في تكوين ترسبات بقاع البحيرة تنبعث منها عفونة شديدة تقتل الأسماك ووصل إنتاج البحيرة منذ 7 سنوات الي مستوى الصفر في إنتاج الأسماك وأضاف أن المسؤولين الذين وعدوا بوضع حلول لإنقاذ البحيرة من التلوث ومياه الصرف الصناعي والصرف الصحي الذي يصب فيها لم ينفذوا وعودهم منذ سنوات وحتى الان يبقى الحال كما هو عليه .
فتحي جويد – صياد ببحيرة قارون من أبناء قرية شكشوك المطلة مباشرة علي بحيرة قارون ويشتغل أغلب أبنائها في حرفة الصيد ببحيرة قارون قال أن تدهور بحيرة قارون في إنتاج الأسماك تسبب في حدوث بطالة شديدة لجميع الصيادين كما أن البحيرة تلوثت بحشرة قاتلة للأسماك تدعي حشرة او دودة الايزو بودا انتقلت الي بحيرة قارون عن طريق نقل زريعة الأسماك من بحيرات أخرى مثل مياة قناة السويس ومن مناطق أخرى ومسقطها كاليفورنيا بأمريكا وتم نقلها مصاحبة لأسماك الزريعة الصغيرة الي بحيرة قارون حتي ترعرعت هذه الحشرة وتكاثرت وباتت تهاجم خياشيم الأسماك وكنا عندما تصطاد الأسماك نكتشف وجود هذه الحشرة تخرج من فم الأسماك التي تموت وتنفق بسبب هذه الحشرة التي تتغذي علي خياشيم الأسماك .
رجب عبد الحليم خيرالله شيخ الصيادين ببحيرة قارون قال بقالنا حوالي 9 سنوات متوقف فيها أنتاج الأسماك بسبب عطونة الأرض الموجودة في قاع البحيرة بسبب الصرف الصحي ولم يبادر المسئولين حتي الان بحل مشكلة الصرف الصناعي من المصانع والصرف الصحي حتي الان والصرف بالبحيرة مستمر حتي الان عدد المراكب التي كانت تصطاد بالبحيرة وتعرضت للبطالة حوالي 650 مركب وكل مركب تصرف علي 9 أفراد من أسرة صاحب المركب وتعرض أغلب شباب الصيادين للصيد بمناطق أخرى مثل مياه النيل في محافظة أسوان والمسئولين عن البحيرة في هيئة الثروة السمكية متقاعسين عن حل المشكلة ونحن كصيادين برغم توقف الصيد يطالبونا بتكاليف باهظة لتجديد رخصة الصيد كما ان هناك وعود بصرف تعويضات للصيادين ولم يحدث حتي الآن ونتعرض لبطالة عصيبة وضيق في الرزق برغم أن الدولة عوضت صيادين بمناطق بحرية عديدة في مصر الا صيادين بحيرة قارون .
وأضاف خير الله كنا في الماضي قبل تدهور البحيرة نشرب من مياه البحيرة ويتبرك بها للشفاء من المغص والأمراض الجلدية الآن رائحة البحيرة لا تطاق ومَن ينزل برجله في مياهها يصب الرغبة في الحكة والهرش.
أما عيد عبد الهادي عوض صياد بالبحيرة قال أن خسائر تدهور بحيرة قارون لم يتوقف علي تفشي البطالة فقط بل أن الخسائر طالت أدوات الصيد والمراكب التي تعرضت للتلف بسبب توقف الصيد سنوات عرضت كل صياد لخسائر في معداته بلغت قرابة 100 ألف جنيها خسائر ولم نتلقى أي تعويضات حتي الان كما ان عدد كبير من الصيادين تعرضوا للموت بسبب سفرهم في طرق خطيرة الي محافظة اسوان للصيد هناك ووقعت حوادث عديدة للصيادين أدت الي وفاتهم والمثير في الأزمة لجوء بعض الصيادين التسول أمام المساجد للحصول اي أموال بسبب البطالة .
كما يؤكد صلاح النادي مسؤول هيئة الثروة السمكية بمحافظة الفيوم أن إحصائيات الهيئة تكشف تراجع إنتاج بحيرة قارون من الاسماك نحو 4522.053 طنا في عام 2014 إلى 1109.95 أطنان في2015 ثم إلى 873.475 طنّا في 2016 بعد ظهور طفيل الايزو بودا حتي تدهورت إنتاجية البحيرة في الوقت الحالي وأضاف أن التحاليل التي أجرتها هيئة الثروة السمكية كشفت عن ظهور طفيل الايزوبودا وانتعاشه إلى ارتفاع معدلات التلوث الكيميائي والميكروبيولوجي وارتفاع نسبة الأمونيا كما سجلت التحاليل أعلى معدلات تلوث بكتريولوجي بمصرف البطس الرئيسي بارتفاع أعداد الفيروسات والبكتيريا القولونية البرازية العنقودية السالمونيلا وانتشار الطحالب الحمراء الضارة نتيجةارتفاع معدلات التلوث العضوي الذي يوفر بيئة صالحة لنمو الطفيل وتكاثره مع ارتفاع الملوحة ودرجة الحرارة عن مثيلاتها في الأعوام السابقة إذ كانت البحيرةتصنَّف على أن أصلها نهري، باعتبار أن مياه الفيضان كانت مصدر مياهها، أما الآنفباتت مياه الصرف الصحي والزراعي مصدر مياهها كما يعد الانخفاض الحاد في تركيزالأكسجين من أهم الأزمات التي تعاني منها البحيرة والتي تؤدي إلى تزايد مشكلة التلوث البكتيري وبالتالي خلق بيئة خصبة للطفيل الذي ترعره بها بشكل خطير وأدي الينفوق الاسماك وتدهور الثروة السمكية والبيئية لبحيرة قارون .
كما أكدت تجارب معامل المركز القومي للبحوث خلال دراسة أجراها فريق من الباحثين أن طفيل الايزو بودا يهاجم كافة أنواع أسماك بحيرة قارون منها أسماك البلطي والطوبار وموسي وغيرها بينما عجز طفيل الايزو بودا عن مهاجمة الجمبري وأسماك الثعابين التي تتميز بجلد أملس يفرز مادةالتكسين السامة والتي تحمي الثعبان من الإصابة.وأكد محافظ الفيوم الدكتور أحمدالانصاري علي حرص الدولة على إعادة التوازن البيئى لبحيرة قارون كونها مصدر غذائى للثروة السمكية ومصدر عمل مباشروغير مباشر للكثير من أبناء المحافظة مشيرا إلى ضرورة تضافر جهود جميع الجهاتالمعنية والعمل التشاركى وتبادل الخبرات العلمية، للوصول إلى خطة عمل شاملة واضحةالتفاصيل للسيطرة على مشكلات البحيرة وعودتها إلى سابق عهدها من الإنتاج السمكى،
وكذلك وضع حلول نهائية لمشكلة طفيل الأيزوبودا وتنقية مياه البحيرة من الملوثات العضوية وتقليل نسب الأملاح بها استنادا إلى الدراسات العلمية.وأضاف أن مشروع رفع كفاءة محطة الصرف الصناعى بمنطقة كوم أوشيم والقرض الأوروبى لتنفيذ مشروعات الصرف الصحى وكذلك إنشاء مشروع جديد لاستخلاص الأملاح من بحيرة قارون جميعها عوامل مؤثرة بالإيجاب فى تحسين خواص مياه البحيرة وتخفيض نسبة الملوحة بها.
وقال الأنصارى أن مجموعة عمل من أكاديمية البحث العلمى وفريق عمل من هيئة الثروة السمكية يقومان حاليا بإجراء تحليل لخواص مياهبحيرة قارون كل فريق بشكل مستقل كما كلف المحافظ بأخذ عينات أخرى من مناطقمختلفة بالبحيرة مشيرا إلى أنه سيتم استعراض كافة النتائج للوقوفعلى خطة عملواضحة للتعامل مع المشكلات التى تعانيها البحيرة.
ووفق إحصائيات شركة مياه الشرب والصرف الصحى بالفيوم 44% من قرى المحافظة مغطاة بشبكات الصرف الصحى فقط و 84 قرية تلقى بصرف منازلها مباشرة ببحيرة قارون سواء صرفا مباشرا من القرى الواقعة في محيط البحيرة أو القرى التى تلقى صرف منازلها على مصرف البطس الذي يعتبر المصدر الرئيسى ويصب على بحيرة قارون .
كما أن أكثر من 6 آلاف صياد كانوا يعملون فى بحيرة قارون و اضطروا للهجرة للصيد بمحافظة أسوان التي تبعد حوالي 850 كم عن محافظة الفيوم تعرضوا للموت بسبب خطورة الطرق وحوادثها المريعة أما كبارالسن من الصيادين لا يقوون علي التنقل للصيد بمناطق أخري يتعرضون لبطالة شديدة جدا وفقر شديد وتحولت بحيرة قارون أجمل محمية طبيعية في محافظة الفيوم الي مجرد مستنقع برك تصب فيه كافة أنواع الصرف الصناعي والصحي وأصبحت بحيرة ملوثة وخطيرة علي صحة الانسان تنتظر انفراجة بل معجزة لتطهيرها واعادة الحياة لها بعد ان كتبت عليها الظروف شهادة وفاتها وتشريد آلاف الصيادين الذين كانوا يعولون علي رزقهم منها .