لا يوجد إحصائيات دقيقة حول أعداد الأطباء الذين هاجروا من مصر، ولا حتى احصائيات حول أعداد من هاجروا عقب جائحة كورونا، ولكن في كلمتها أمام مجلس النواب في سبتمبر 2018 قالت هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان السابقة إنه يوجد 103 آلاف طبيب لـ100 مليون مواطن، وهو ما يمثل 10 أطباء لكل 10 آلاف مواطن، بينما المعدل العالمي 32 طبيبًا لكل 10 آلاف مواطن.
وهو ما يعني أننا نواجه أزمة نزوح وهجرة لآلاف الأطباء سنويا، والذي تتكبد الدولة مئات الآلاف أيضا على تعليمهم الجامعي، ولكن ينقص هذا الإنفاق عدد من الأوجه خاصة بعد التخرج وبعد 14 سنة ما بين الدراسة وحتى الوصول للتخصص.
عجز في مقدمي الخدمة الصحية
يقول إيهاب الطاهر، عضو مجلس نقابة الأطباء، أنه فى السنوات الأخيرة تزايد معدل هجرة الأطباء من مصر، وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة لعدد الأطباء الذين هاجروا للخارج، إلا أن التوقعات تشير إلى أن حوالى 60% من الأطباء قد تركوا العمل بمصر وتوجهوا للعمل بالخارج سواء بالدول العربية أو الأجنبية، مما نتج عنه عجز فى أعداد مقدمى الخدمة الصحية بمصر خاصة ببعض التخصصات التى تحتاج جهدا أكبر وخطورة أعلى فى ممارستها.
وتابع، في بيان له اليوم، أعد من خلاله تفنيد ظاهرة هجرة الأطباء، قائلا:"فإذا كنا بالفعل نشعر بخطورة ذلك على الأمن القومى الصحى لمصر فعلينا دراسة أسباب هذه الظاهرة، وذلك قبل أن نشرع بمحاولات وضع حلول قد تكون عشوائية وضررها أكثر من نفعها، فقد رأينا البعض يبادر باقتراح منع الأطباء من السفر والبعض الآخر يقترح زيادة أعداد المقبولين بكليات الطب وغيرها من الحلول التى وضعت على عجل دون دراسة أسباب هذه الظاهرة الخطيرة.
وشبه الطاهر تلك الحلول كقيام طبيب بكتابة علاج لمريض قبل أن يشخص حالته المرضية فقد يؤدى العلاج الخاطىء لتفاقم المرض.
تدني الأجور
ولا يزيد راتب الطبيب المصري عند بداية التعيين على 2500 جنيه، ويرتفع عند الحصول على درجة الماجستير إلى 4 آلاف جنيه، بينما يحصل بعد الدكتوراه على نحو 5 آلاف جنيه مصري.
كما طالبت النقابة العامة للأطباء، مرار، الحكومة برفع قيمة بدل العدوى للأطباء، خاصة أنهم الأكثر عرضة لعدوى "كورونا"، لكن دون استجابة.
ويتقاضى الطبيب بدل العدوى 19 جنيها شهريا، بينما تقرر مؤخرا صرف زيادة لهم تحت مسمى "بدل المهن الطبية" بقيمة 500 جنيه بقرار من الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي.
وأشار ايهاب الطاهر عضو مجلس نقابة الأطباء إلى أن تدنى الأجور يعتبر على رأس عوامل الهجرة من مصر حيث أن الطبيب الشاب لا يستطيع أن يعيش بالحد الأدنى من الحياة الكريمة إلا إذا عمل فى عدة جهات خاصة فى نفس الوقت بجانب عمله الحكومى مما يجد معه صعوبة فى التوفيق بين جهات العمل وبعضها من ناحية.
واستكمل: "وبين عمله ودراسته العليا وتدريبه فى الوقت ذاته، هذا إذا غضضنا الطرف عن كونه إنسانا ومن حقه أن يقضى بعض الوقت مع أسرته، فلا يعقل مثلا أن يكون إجمالى مرتبه لا يصل إلى ثلاثة آلاف جنيه وأن تكون قيمة النوبتجية لمدة 12 ساعة متواصلة هى 45 جنيه أى ثلاثة جنيهات وبضعة قروش فى الساعة".
واستطرد: وخلال ساعات عمله الشاقة يواجه بالعديد من الأخطار مثل التعرض المباشر للعدوى ناهيك عن الإعتداءات المتكررة وتحميله عبء نقص أى مستلزمات، وحتى أبسط قواعد الإقامة الكريمة غير موجودة بمعظم المستشفيات فلا يخفى علينا الحالة المتردية لمعظم أماكن إقامة الأطباء بالمستشفيات.
حملات على الأطباء وشحن المجتمع
ووأكد الطاهر "بالطبع فليس التقدير المادى فقط ما يعانيه الطبيب المصرى، بل أيضا الحملات المتكررة التى نراها تنطلق خاصة كلما طالب الأطباء بحق من حقوقهم، فيتم إعلان اتهامهم بالإهمال ويتم وضعهم كبش فداء لجميع أسباب قصور المنظومة الصحية، مما أدى تدريجيا لاستعداء وشحن المجتمع ضدهم وتسبب فى تزايد حالات الإعتداء على الأطباء دون وجود قوانين رادعة لحمايتهم أثناء عملهم، وعلى الرغم من قيام نقابة الأطباء بتقديم مشروع قانون للبرلمان بتشديد عقوبة الإعتداء على المنشآت الطبية والعاملين بها إلا أن هذا المشروع حبيس أدراج البرلمان منذ سنوات!
صعوبة الإلتحاق بالدراسات العليا
وتابع الطاهر " يضاف لذلك صعوبة الالتحاق بالدراسات العليا وإرتفاع تكاليفها، ولنا أن نعرف أن قانون رقم 14 لسنة 2014 الذى صدر منذ أكثر من سبع سنوات ينص على تحمل وزارة الصحة لتكاليف الدراسات العليا، ولكن الوزارة فى تحد صارخ للقانون لم تقم بدفع المصاريف لأى طبيب، فلمن يذهب الأطباء للمطالبة بحقهم إذا كانت قوانين الدولة لا تنفذ!؟.
واستكمل: وسط كل هذا نجد جولات إعلامية لبعض المسئولين تحاول إلقاء أسباب قصور الخدمة الصحية فى أى جهة على كاهل الأطباء، فى محاولة منهم لإبعاد الأنظار عن أى نقص بالأجهزة أو المستلزمات أو بيئة العمل، ناهيك عن تعرض الأطباء للتعسف الإدارى المتكرر الذى يحول جهة العمل إلى مكان ثقيل على النفس.
تقدير الأطباء
وفى الوقت الذى نجد فيه تعرض الأطباء فى مصر لكل هذه المعوقات التى تجعل بيئة العمل طاردة لهم من بلدهم، فإننا فى المقابل نجد أن الدول الأخرى تعرف قدر الطبيب المصرى وأمانته وجديته فتضع له المحفزات وعوامل الجذب، من تسهيلات فى السفر إلى أجر كريم وبيئة عمل لائقة ونظام محاسبة علمية ولوائح عمل دقيقة تحفظ الحقوق والواجبات، مما جعل وتيرة هجرة الأطباء للخارج تتزايد.
تأثير كورونا على القطاع الطبي
في 2020 أصدر المركز المصري للدراسات الاقتصادية "مؤسسة بحثية غير هادفة للربح"، دراسة تضمنت تحليلا لأثر جائحة فيروس كورونا على قطاعات الاقتصاد المصري المختلفة، وكان من أبرز ما أظهرته وجود نقص كبير بالقطاع الطبي في مصر.
وأرجع المركز هذا النقص إلى هجرة الأطباء للخارج والتي تزايدت عقب الموجة الأولى لفيروس كورونا، وقدر عددهم بنحو 7 آلاف طبيب، فضلا عن وفاة نحو 276 طبيبا جراء الإصابة بالفيروس خلال الموجة الأولى.