شتاء قارص وأجواء باردة يعيشها المصرى يوميًا، حتى لو كان الجو نهارًا به بعض من دفء، ولكن سرعان ما تختفى الشمس، وتبدأ قرصة البرد، التى تجتاح المصريين بشدة، ويضطر الكثيرون إلى تغيير عتبة رزقه التى لا تناسب هذا الجو، وآخرون قرروا فتح باب رزق جديد إضافة إلى الباب المفتوح سلفًا، وبين هذا وذاك.. وتجولت «البوابة» داخل شوارع مصر بينما تقاوم البرد.
مع عربية الحمص.. محلات العصير بـ"تتصرف» فى الشتا
من شارع السودان، يتحدث عامر زيدان، ويقول إن العمل فى هذا الجو البارد أمر نتحمله ولكن نستطيع تحمله على مدى طويل، ليس لبرودة الجو ولكن لشعور الزبون نفسه بالبرودة، ذلك الشعور الذى لن يدفعه إلى شرب العصير فى المطلق، وليس عصير القصب فحسب، وبالتالى يمكن لمحلات العصير أن تجف وعلى الجميع أن يبحث عن مخرج من تلك الأزمة الشتوية التى تستمر لعدة أشهر
ويتابع: الفكرة هنا هو إيجاد بديل يناسب المحل والشتاء والزبون فى آن واحد، ولذلك قررنا أن نقيم «عربية لحمص الشام» خاصة مع سهولة التحضير واقترانه بكونه مشروب لم نبتعد كثيرًا عن مهنتنا، خاصة وأننا نفكر لنستمر ولكن التمسك بما نقدمه طوال العام أمر خاطئ، لأننا سنفقد كل شيء، وذلك بالحفاظ أيضًا على العصير والزبون الذى يحبه طوال أيام السنة.
ويؤكد صفوان محمود، أحد العاملين بمحل لبيع عصير القصب فى شارع التحرير بالدقى، أن العمل فى الشتاء له حيثيىة خاصة جدًا، خاصة وأن تشغيل المخ هو الأساس فى كل شيء، فنحن لسنا موظفون ننتظر راتبنا ولكن نسعى إليه، ولذلك فالعمل فى الشتاء مع العصير أمرًا ليس مجديًا بالمرة، ولذلك كان لابد من تطوير الأمر إلى تقديم الفشار الساخن للزبون.
ويكمل حديثه ليقول: عربة الفشار أمر سهل وبسيط، وقد نعتبرها وجبة ساخنة تقدم لزبون يشعر بالبرد فى الشارع فى هذا الطقس الشتوى الصعب، واعداده أمر سهل، ويمكن تطويره بإضافة نكهات وأطعمة مختلفة له، وقد يعين المحلات التى تعتمد بشكل أساسى على العصير.
على كوبرى قصر النيل.. البرد حلو فى صورة
ومن كوبرى قصر النيل، حيث يقبع عدد كبير من المصورين الذين يحرصون على عرض خدماتهم على المارة، حيث يقول محمود زيدان، مصور هاوى، وطالب بالمرحلة الثانوية، التصوير أصلا هواية، فأنا أشاهد المصورين عبر تطبيق إنستجرام، وأعجبت بالقصة وحاولت أن أقدم هوايتى فى مقابل الحصول على رزق أعين به نفسى ووالدى فى نفس الوقت.
ويقول سمير محمود، طالب بالفرقة الثانية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، أنه يأتى يوميًا إلى الكوبرى من أجل التنفيس عنه نفسه بصحبة أصدقائه، ومع الوقت كان يرى المصورين على الكوبرى، ويؤكد أنه شعر أن تلك هى الوظيفة المناسبة، فتحمل البرد من أجل خروجة أقل بكثير من تحمله من أجل كسب المال، خاصة وأن أخيه يعمل مساعد مصور فى أحد استوديوهات وسط البلد.
ويؤكد على عبد العال، أن التصوير فى حد ذاته يزيد حلاوة فى الشتاء، فأشعر أحيانًا أن البرد يزيد الصورة جمال، خاصة مع اناقة الملابس واهتمام الناس بجودة المظهر فى الشتاء، فهناك علاقة طردية بين برودة الجو وجمال المظهر، وبالتالى جمال الصورة التى تخرج فى النهاية.
خروجة وسط النيل فى عز البرد
البداية من كورنيش وسط البلد، وتحديدا بالقرب من موقف عبد المنعم، حيث مراكب متراكمة على شاطئ النيل تبحث عن شخص قرر التعرض لهواء باردًا أو الخروج عن المألوف فى ذلك التوقيت، فيقول محمود زيدان، الشغل هو الشغل.. لازمله شوية سعى وتشغيل مخ، ففى الصيف يكون شغلنا الشاغل عمل الأضواء والمزيكا التى قد تجذب شخص لقضاء وقت فى النيل وسماع الموسيقى، خاصة مع الأجر الزهيد الذى نطلبه من الناس، فالاقبال إلى حد كبير جيد بالمقارنة مع فترة كورونا الأولى.
وعن العمل فى الشتاء يقول: الأمر فى الشتاء مختلف، لأن الفكرة هنا هى صناعة «مود» مختلف للزبون، خاصة وأن زبوننا فى هذا التوقيت من الشباب الذين قرروا تجربة شيء غير عادى، أو حفلة عيد ميلاد مثلا، وأحيانا حفلات للتخرج، أو تجميعة صحاب لطلاب مدرسة مثلا، ولذلك فتواجد حمص الشام مثلا أمر ضرورى، او أى مشروب دافئ يعين الموجودين على الهواء البارد.
ويتحدث عارف السيد، والذى يعمل على مركبه الخاص منذ ٨ سنوات كاملة، أن العمل فى الشتاء أمر عادى كالصيف، ولكن بتهيئة الجو الخاص به، فمثلًا تخييم جانب من جوانب المركب يجعل الأمر مختلف بعض الشيء، علاوة على أن كورونا عرفتنى إن ولادى ممكن يتعملوا على الكمبيوتر والانترنت، ولذلك أنشر صور المركب على الانترنت بمساعدة أولادى لتأجيرها كقاعة مصغرة لـ ٢٥ شخصا على الأكثر لأى مناسبة، والحمد لله حفلات الخطوبة «اللى على الضيق» وحفلات عيد الميلاد وكتب الكتاب ساترين الحال بكل أريحية، وزبون أفضل من زبون الصيف لأنه يأتى فى مناسبة رسمية وليس خروجة بالصدفة.
الذرة المشوى أفضل هدية للبردانين
يقول عاطف السوهاجى، أحد باعة الذرة فى شارع ناهيا بمنطقة بولاق الدكرور، إنه بيع الذرة للناس فى الشتاء هو حنين لـ «البلد» بكل التفاصيل، فالفحم والخشب والذرة المشوى علامة مميزة يحن بها كل فرد إلى بيته الأول، ونتذكر الآباء والأجداد فى كل تفصيلة.
ويتابع: الفكرة فى أن الناس لا تقوى على ثمن الحلويات والمشروبات الساخنة فى المقاهى والكافيهات، ولكن الكل يقدر على دفع ٣ جنيه ثمنًا لـ«كوز الذرة» الذى يذكرنا بزمان ويساعدك على مقاومة البرد فى آن واحد.
ويؤكد مينا ويصا، أحد باعة الذرة بشارع السودان، أن الوضع الآن يجبر الجميع على العمل طوال اليوم لمقاومة الغلاء، ولكن يجب ان تعمل فى شيء يمكن أن يكون متداولا بغير غلاء، وأفضل اختيار فى الشتاء هو الذرة، فالزبون يأتى يعطيك ما تبقى من شرائه أى سلعة، بعض جنيهات قلائل يكفى أن تأكل بها كوز ذرة مشوى كامل وتقف أمام الفحم لتتزود بالطاقة لتعينك على برد الشتاء.
وقال صابر عبد الحكيم، والذى يعمل فى مطعم للوجبات السريعة، ولكنه يأتى إلى شارع التحرير كل صباح شتاءً حيث يقول: الذرة أهم من الأكل فى الشتاء لكل من فى الشارع، ففى الوقت الذى يجد فيه دفاية ببلاش أمام الفحم، فهو يأكل شيء لا غش فيه ولا يمكنه نقل كورونا مثلًا، فأى شيء النار تأكله وتقدم له وجبة ساخنة مغذية.
وتابع: الأمر بسيط جدا، تدفع ٥ جنيه وتدفى من الفحم وتقف تاكل الذرة بمنتهى الشياكة، فهو لا يحتاج إلى طبق أو بهدلة يدك أو ملابسك، بخلاف الفول والبيض أو أى أكل فى الشارع، خاصة فى ظل الوباء المنتشر والذى يحاول عموم الناس تجنبه باستمرار.