الأخوة الإنسانية - تطلعات الشيخ وهموم البابا
الشيخ عبد الصمد اليزيدي ، الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين - ألمانيا
الحوار الديني الحق هو النابع من مشكلات المجتمعات، والمتفاعل مع معاناة المظلومين والضعفاء، هو الذي يساهم في تقويض جميع الأعمال المحرضة على الكراهية بين أتباع الأديان المختلفة. لقد جاءت وثيقة الأخوة الإنسانية التي نحتفل بها يوم الرابع من فبراير من كل عام لتستنفر في العالم روح السلام والألفة والتعايش، نداء أطلقه شيخ الأزهر الشريف، الإمام الأكبر أحمد الطيب، والبابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، لصانعي السياسات والزعماء الدينيين والمفكرين والفلاسفة للعمل صفًا واحدًا لاستعادة السلام العالمي المفقود، نداء استهله الزعيمان باسم النفس البشرية والفقراء والبؤساء والمستضعفين والأرامل والأطفال والنساء والمهجّرين، وهي لغة لم تكد تألفها أبجديات الحوار الديني من قبل، لذلك اعتبر العالم أجمع وثيقة الأخوة الإنسانية وثيقة للتاريخ، وراية واحدة يجتمع تحتها المسلمون والمسيحيون، وكأنها تستعيد كلمات النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في وثيقة المدينة التي وصفت مجتمع المدينة كله بالأمة الواحدة.
وإن كان المقام يضيق لحديث لا ينتهي عن تلك الوثيقة التاريخية فلابد من الإشارة إلى أنها جمعت بين تطلعات شيخ الأزهر الشريف لعالم ينعم بالأمن والسلام وتسوده الألفة والوئام ويخلو من خطابات التطرف وممارسات الإرهاب، وهموم بابا الفاتيكان المتعلقة بالفقراء والمستضعفين واليتامى والمهجرين الذين لا يجدون ملجأ ينعمون فيه بالاستقرار. لذلك اختلفت الوثيقة عما سبقها من وثائق عديدة كانت تركز على الحوار الديني، وعلى توجيه معتنقي الأديان. لقد تفردت وثيقة الأخوة الإنسانية بنداءات للنظر فيما يشوب توزيع الثروات الطبيعية من افتقاد العدالة، حتى استأثر بها قلة من الأغنياء وحرم منها السواد الأعظم من شعوب الأرض، مما أنتج أعدادًا هائلة من المرضى والمعوزين والموتى، وأدى إلى موت ملايين الأطفال جوعًا وسط صمت عالمي غير مقبول.
لقد أكد كلٌ من الإمام الأكبر وبابا الفاتيكان في تلك الوثيقة على ما أشاروا إليه من قبل في مؤتمر السلام الذي جمعهم بالقاهرة عام 2017 من أن الأديان تنأى بنفسها عن كافة بواعث الكراهية والعداء والدعوات المثيرة للعنف وإراقة الدماء باسم الدين، وأن جميعها حصيلة الانحراف عن تعاليم الأديان وقيمها الراسخة ونتيجة استغلال الأديان في السِّياسة، وتأويلات طائفة من رجالاتِ الدِّين ممَّن وظَّف بعضهم الشعور الديني لدفع الناس للإتيان بما لا علاقةَ له بصحيح الدين الداعي إلى الأُخوَّة والتَّعارف والتَّراحم بين الناس، وتذكيرهم الدائم بأنَّ الخلق كلّهم عيال الله، وأنَ أحبَّهم إلى الله أنفعهم لعياله.
ولم تغفل الوثيقة أن تعلن عن موقف مؤسسة الأزهر الشريف والفاتيكان حول العلاقة التي ينبغي أن تكون بين أهل الشرق والغرب، حيث أكدت أنها ضرورة قُصوى، لا يمكن الاستعاضة عنها أو تجاهلها. وفي إشارة واضحة إلى رفض ما يثار حول علاقة الصراع بين الشرق والغرب، تؤكد الوثيقة أن كلا الحضارتين ينبغي أن تربطهما علاقة التّبادل وحوارِ الثقافات؛ فبإمكانِ الغرب أن يجد في حضارة الشرق ما يعالج به بعض أمراضه الرّوحية والدينية التي نتجت عن طغيان الجانب المادي، كما بإمكان الشرق أن يجد في حضارة الغرب كثيرًا ممَّا يساعد على انتشاله من حالات الضعف والفرقة والصِّراعِ والتَّراجعِ العلمي والتقني والثقافي. من هنا أعلنت الوثيقة عن وجهة النظر التي تتبناها المؤسستان الإسلامية والمسيحية، والتي يجب أن تكون محل بحث ودراسة وتوثيق. وتجدر الإشارة أيضًا إلى حضور المرأة والطفل في لغة الوثيقة التي أوصت بأنَّ الاعترافَ بحَقِّ المرأة في التعليم والعملِ وممارسة حقوقها السياسيَّة هو ضرورة ملحّة، وكذلك وجوب العمل على تحريرها من الضغوط التاريخيّة والاجتماعيّة المنافية لثوابت عقيدتها وكرامتها، ووجوب حمايتها أيضًا من الاستغلال الجنسي ومن معاملتها كسلعة أو كأداة للتمتعِ والتربحِ. وركزت الوثيقة على حقوق الأطفال الأساسيَّة في التنشئة الأسريَّة، والتغذية والتعليم والرعاية.
وأخيرًا فإن وثيقة الأخوة الإنسانية التي اعتمدت لها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار رقم 75/200 يوم الرابع من فبراير يومًا عالميًا عنوانه «اليوم العالمي للإخوة الإنسانية»، هي صرخة في وجه الظلم، ووقفة من أجل سيادة العدل والرحمة والسلام، وتوثيق لموقف أكبر مؤسستين دينيتين في العالم من المشكلات التي يمر بها العالم، ومن هنا يجب أن تظل الوثيقة محل اهتمام من السياسيين والزعماء ومحل بحث ودراسة من جانب الباحثين والمفكرين والعلماء.