إن ما يشهده عصرنا الحاضر من نزاعات وصراعات فى مناطق كثيرة من العالم. وما يعانيه البشر من نزاعات مسلحة وأخرى ثقافية وبيئية وبيولوجية وأيضًا وبائية، هى أشد ما عرفه الإنسان من حروب نفسية على مدى تاريخه الطويل. الأمر الذى استدعى ضرورة العمل على إنقاذ البشرية من ويلات تلك النزاعات والحروب والإبادة للعنصر البشرى.
وقد كان ظهور وثيقة الأخوة الإنسانية من أهم وأبرز الأحداث الكبرى التي تمت في الرابع من فبراير عام ٢٠١٩م بجهود عظيمة من الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف وقداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان وحضور قادة الأديان والرموز الدينية في العالم وحكماء السياسة والفكر والأدب. بهدف دعوة البشر إلى الإعمار والارتقاء بالحياة الإنسانية فى جو من المحبة الخالصة، والإيمان بانبعاث حوار تفاعلي بين البشر على السماحة والعيش الآمن والسلام من خلال تعزيز القيم المشتركة بين أتباع الديانات.
وتعد هذه الوثيقة أبرز الوثائق المعاصرة التي وقعت بحروف من نور من أجل تحقيق السلام في أرجاء العالم وضمان حقوق الإنسان في كل مكان.
وقد تم توقيع هذه الوثيقة المهمة بدولة الإمارات الشقيقة لما لها من توجه قوى نحو الانفتاح ودعم قيم التسامح والسلام والتعايش –على حد قول الإمام الأكبر شيخ الأزهر – الذى صرح بأن دولة الإمارات هي رائدة في هذه المجالات منذ عهد رئيسها السابق الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله. وتعد دولة الإمارات رمزًا وأنموذجًا للوسطية والاعتدال ونشر القيم الإنسانية التي حرص عليها أبناء آل نهيان حفظهم الله.
وبدعم من سمو الشيخ محمد بن زايد لهذه الوثيقة ورعايتها أصدر قرارًا بتشكيل لجنة الأخوة العليا في التاسع عشر من أغسطس عام ٢٠١٩م.
وكان أول اجتماع يعقد للجنة في الحادي عشر من سبتمبر ٢٠١٩م بحضور قداسة البابا فرنسيس الذى وجه كلماته للجنة قائلًا: "إنكم الآن تستطيعون أن تعتبروا أنفسكم صناع سلام تخططون لرسم ممتلكات ومحددات تمتلك من المرونة والرحابة والرؤية الجديدة المبنية على تنزيه القيم والمبادئ لتستوعب المشكلات الإنسانية لسياسات القلوب المفتوحة وليس الأيدي المفتوحة فقط". ودعا الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الجميع للانضمام لوثيقة الأخوة الإنسانية والاصطفاف خلف المبادئ التي تدعو إليها المتمثلة في الأخوة والحرية والمساواة والعدل.
وفى ١٩ سبتمبر ٢٠١٩م تم عقد الاجتماع الثاني لأعضاء اللجنة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث انبثق منه الإعلان عن مشروع بيت العائلة الإبراهيمية في دولة الإمارات بهدف تعزيز الحوار بين أتباع الديانات الذى يضم معبدًا وكنيسة ومسجدًا.
ونظرًا لانتشار وباء فيروس كورونا توجهت لجنة الوثيقة فى الرابع عشر من مايو ٢٠٢٠م بمبادرة للصلاة والدعاء من أجل الإنسانية لرفع الوباء وكشف البلاء عن البشرية كل بحسب دينه ومعتقده.
وفى أكتوبر ٢٠٢٠م تم تشكيل لجنة لتحكيم جائزة زايد للأخوة الإنسانية، وفى ديسمبر ٢٠٢٠م اعتمدت جمعية الأمم المتحدة ذكرى توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية فى الرابع من فبراير يومًا عالميًا للاحتفال بالأخوة الإنسانية. وحول هذا الإعلان صرح الإمام الأكبر أن هذا اليوم من كل عام هو انتصار لكرامة الإنسان أيًا كان دينه أو جنسه أو لونه أو موقعه.
وفى أكتوبر ٢٠٢١م التقى فضيلة الإمام الأكبر بأعضاء لجنة تحكيم جائزة زايد للأخوة الإنسانية في دورتها الثالثة ٢٠٢٢م بالعاصمة الإيطالية روما وقد صرح في هذا اللقاء قائلًا: "لديكم فرصة ذهبية للمشاركة في تغيير هذا العالم إلى الأفضل، عالم تسوده المحبة والأخوة " وأضاف أن وثيقة الأخوة الإنسانية لم تكن يوما موجهة لدين بعينه أو عرق أو قومية محددة إنما هي للإنسان أيًا كان عرقه أو دينه أو لونه.
وفى الرابع من ديسمبر عام ٢٠٢١م استضاف معهد السلام الدولي بواشنطن وفد اللجنة العليا للأخوة الإنسانية لمناقشة سبل تعزيز مبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية على المستويين التعليمي والحكومي.
والواقع إن سبل تعزيز وثيقة الأخوة الإنسانية تتلخص في العمل على ترسيخِ مفهومِ المواطنةِ الكاملةِ في مُجتَمَعاتِنا، والذى يقوم على المساواة فى الواجبات والحقوق التي ينعم فى ظلالها الجميع بالعدل. وكما صرح البابا فرنسيس بأن الاعتراف بالحقوق لكل كائن بشرى هو تمجيد لاسم الله على الأرض.
وأيضًا العمل على نبذ الحقد والتمييز الديني والعرقي، والتخلي عن مصطلح «الأقليَّاتِ» الذي يَحمِلُ الإحساسَ بالعزلة ويمهد لبذور الفتن والشقاق ويؤدى إلى ممارسة التمييز العنصري.
إضافة إلى نبذ الكراهية والتصدي لكل أنواع الظلم، ووقف استخدام الأديان والمذاهب فى تأجيج العنف والتعصب الأعمى، وذلك بالإيمان بأنَّ الله لم يَخْلُقِ الناسَ ليَتقاتَلُوا أو يعذبوا أو يضيق عليهم في حياتهم ومعاشهم.
ومن أبرز السبل لتعزيز أسس الأخوة هى مواجهة الغلو والتطرف وذلك بحصر شبهات أهلها والرَّدُ عليها، وأيضًا القيام بتوعيةٍ مكثفةٍ عن طريق وسائل الإعلام لملاحقة هذه الشبهات.
وفى هذا الصدد يقول قداسة البابا فرنسيس إنه من المتوجب علينا شَجَبُ الانتهاكات ضد كرامة الإنسان، وضدَّ حقوق الإنسان، وكشف كل محاولة لتبرير أيِّ شكلٍ من أشكال الكراهية باسم الدين، وإدانتها؛ لأن الله "قدُّوس"، وهو إله السلام؛ لذا فالسلام مُقدَّسٌ.
ونظرًا للمشترك الإنساني وأهمية الدين في حياة كل إنسان ومدى الاحتياج إليه في وقتنا المعاصر يقول الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب إننا نأوى الآن إلى الأديان الإلهية ونصوصها المقدسة، كما تأوى الطيورُ المذعورةُ إلى أعشاشِها الآمنةِ الحصينة".
وإنني من واقع تخصصي فى الأديان المقارنة أرى أن وثيقة الأخوة الإنسانية والاجتماع على أهدافها وغاياتها النبيلة قد جاءت من أجل تحقيق السلام العالمي واستقرار البشرية.