الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

وقفة هادئة مع الدكتورة مايا مرسي عن الإمام الطيب الذي تعرفه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ننشر مقال الزميل أحمد الصاوي رئيس تحرير مجلة الأزهر الذي سينشر غدًا في مجلة الأزهر لما له مِن أهمية قصوى في توضيح وجهة نظر الأزهر الشريف وشيخه الجليل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر في موضوع حسَّاس ومهم؛ ألا وهو «ضرب الزوجات».. وعلى الله قصد السبيل.

أحمد الصاوي يكتب: وقفة هادئة مع الدكتورة مايا مرسي عن الإمام الطيب الذي تعرفه

لا أعرف إن كان لدى السيدة الفاضلة الدكتورة مايا مرسى، رئيس المجلس القومي للمرأة، معلوماتٌ لا نعرفها عن وجود اختصاص تشريعى للأزهر الشريف يُخوِّل له إصدار القوانين. 
ولا نعرف أيضًا إذا كان لديها معلوماتٌ عن وجود مشروعات قوانين يتم تداولها فى البرلمان المصرى، وهناك توافق بين أعضاء البرلمان على إصدارها، ويُعرْقِل صدورها الأزهر الشريف بأىِّ شكل من الأشكال. 
ولا نعرف كذلك إن كان لدى السيدة- التى تحظى باحترام كبير داخل الأزهر- معلوماتٌ محدَّدة حول تأييد الإمام الأكبر، شيخ الأزهر الشريف، للعنف الأسرى، خاصة الذى يستهدف النساء، وتحريضه عليه.
ولا نعرف بالضرورة إن كان ورد للمجلس القومى للمرأة مثلًا شكاوى من نساء تعرَّضْن للعنف الأسرى، ثم ذهبن لقسم الشرطة لتحرير محضر وفق قانون العقوبات الحالى الذى يَفْصِل فى أى عنف أو اعتداء على أى مواطن، ثم قيل لهن فى قسم الشرطة إن الأزهر يمنع الشرطة من تحرير المحضر.. أو ذهبت إحداهن تحت وطأة هذا العنف إلى المحكمة لخلع زوجها أو التطليق منه للضرر، وقالت لها المحكمة: اذهبى إلى الأزهر فمشكلتك عنده. 
إذا كانت هناك معلوماتٌ محدَّدة فلتتفضَّل بالإدلاء بها بوضوح وجلاء، أو تتفضَّل بتفسير ما يُنقَل على لسانها بادعاء أن «ذنب السيدات اللاتى يتعرَّضْن للعنف الأسرى فى رقبة شيخ الأزهر».
ما نعرفه وتعرفه الدكتورة مايا بوضوح أن الأزهر الشريف ليس جهة تشريع، وليس مسئولًا عن إصدار القوانين بأىِّ حال من الأحوال، وإن قال بعضهم– وهذا حق– إن الأزهر يقول رأيه دستوريًا فى القوانين المتعلِّقة بالشريعة الإسلامية وفق تقليد برلمانى واضح؛ فالمعلومات المؤكدة أنه لم يتم إرسال أى قوانين تتعلق بالعنف الأسرى إلى الأزهر الشريف يبدى رأيه فيها واعترض عليها الأزهر أو رفض صدورها.
وما نعرفه وتعرفه الدكتورة مايا أن أقسام الشرطة والمحاكم لا تتلقى تعليمات من الأزهر الشريف، وأيضًا لا تمتنع عن اتخاذ الإجراءات القانونية الكاملة فى حال قررت زوجة مقاضاة زوجها لأى سبب، ولو افترضنا وجود تقصير فى هذا المجال فالأرجح أنه تقصير بعيدٌ كل البعد عن الأزهر. 
وما نعرفه بالضرورة كذلك أن الدكتورة مايا مرسى كثيرًا ما أشادت بمواقف الأزهر وشيخه الأكبر من قضايا المرأة عمومًا، ولو راجعت سجل بياناتها لوجدت أنها كثيرًا ما أشادت بموقف الإمام الطيب من قضية العنف ضد المرأة، ورفضه الواضح والمعلن لإيذائها بأى شكل من أشكال الإيذاء.
والأغرب أنها قبل يومين وتحديدًا يوم الأحد أصدرت بيانًا عن القضية تضمَّن ما يلى بنصه: «ومن الناحية الدينية نؤكد موقف الأزهر الشريف الذى طالما تبرأ من هذه الادعاءات جملة وتفصيلًا؛ حيث إنه لا يوجد أى دليل شرعى يؤكد أن النبى صلى الله عليه وسلم قام بضرب زوجاته، وقد أكد ذلك فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، فى بيان سابق له، نُشر عبر صفحته على (فيسبوك) قال فيه: (أما العنف ضد المرأة، أو إهانتها بأى حال، فهو دليل فَهمٍ ناقصٍ، أو جهل فاضح، أو قلة مروءة، وهو حرام شرعًا)»، وفى اليوم التالى تقول لأحد البرامج التليفزيونية إن «ذنب السيدات المعنَّفات فى رقبة شيخ الأزهر»، والأرجح أننا نحن المتابعين نستحق تفسيرًا عن التناقض بين تصريحى الأحد والاثنين.  
وما نعرفه، ولدينا تأكيدٌ عليه، أن فضيلة الإمام الأكبر صاحب موقف واضح ضد العنف الزوجى والإيذاء البدنى، وكل ما يمس كرامة الزوجة، وعبَّر عن ذلك بوضوح فى أكثر من مناسبة، منها برنامجه الرمضانى قبل عامين، وآخرها عبر تصريحات خاصة لهذه الجريدة (صوت الأزهر) قبل عام ونصف، فضلًا عن كلماته المُحْكَمة فى مناسبة اليوم العالمى للمرأة ويوم مناهضة العنف ضد المرأة. 
لكنْ وسط مناخ تربُّص واصطياد ومحاولة افتعال أزمات ليس لها أى سند فى الواقع، وسَعْى حثيث– تقاطعت معه د. مايا بحسن نية- لإظهار الأزهر وشيخه الأكبر فى مظهر المؤيد للعنف ضد المرأة، بل والمعرقل لإصدار قانون لمواجهة العنف الزوجى، تتعمَّد بعض المنصات الإعلامية تجاوز الحقيقة، واجتزاء السياقات، وإدارة محتوى عن الأزهر لا يكون لرأى الأزهر الصحيح حضورٌ فيه، ولا يتوافر فيها الحد الأدنى من أمانة طرح الرأى واستخدام أسلوب «لا تقربوا الصلاة»؛ لتحقيق الغرض المُعدِّ مسبقًا من الحديث دون التفات لما بعد الصلاة من سياق يفسرها. 
نُذكِّر أنفسنا وإياكم إذن بموقف شيخ الأزهر الإمام الطيب الذى صدَّره بقولٍ منطقىٍّ لم يظهر فى المعالجات الإعلامية للمسألة، هو أن «الإسلام لا يُقرُّ الإيذاء البدنى بحق أسرى الحرب فكيف يَقْبله على الزوجات؟ۚ».. وتفسير فضيلته الواضح أن «وَاضْرِبُوهُنَّ» ليس أمرًا بالضرب، والنبى لم يضرب زوجاته ولا مرَّة فى حياته، وأن أمر الضَّرْب ورد فى كلمة واحدة فى القرآن، فى مقابل منظومة ضخمة من النصوص القرآنية الصريحة التى تحافظ على المرأة وكرامتها، ومن هنا تكون كلمة «الضَّرْب» إذا وُضعت إلى جوار هذه المنظومة تبيَّن أنها ليست مقصودة لذات كلمة «الضَّرْب». 
أما حديث الإمام عن رمزية العقوبة فقد جاء فى سياق شرح ما سبق أن عبَّر عنه الفقهاء دون تبنٍّ لهذه الآراء؛ حيث تحدث عن أن العلماء عَدُّوا الضَّرْب عقوبة رمزية ووضعوا لها شروطًا كاملة مانعة للإيذاء تكاد تجعلها تعجيزية، وتقول للناس إن ما فى أفهامكم عن الضَّرْب مُحرَّم تمامًا، فلا يمكن لأحد أن يضرب أحدًا دون إيلام، وهو ما يجعل تلك الشروط التى أقرَّها العلماء مستحيلة التحقق، ومن ثمَّ لا يصبح لأمر الضرب مشروعية واقعية، وفضيلته فى هذا السياق الشارح كان يخاطب من يفهمون النص بمنطوقه، ويعتقدون أن لديهم رخصة فى ضرب النساء.  
تعرف الدكتورة مايا مرسى جيدًا أن مهمة الأزهر التاريخية هى توضيح صحيح الدِّين، وأهم توضيح أن الإسلام دينٌ يرفض كل مظاهر العنف، ويقدِّس الحياة الزوجية، ويدعو إلى إدارتها بتعقُّل وبصيرة، وإذا ما تأزَّمت الأمور بين الشريكين، ولم تُجْدِ المفاوضات نفعًا، فقد كفل لهما الإسلام فرصة أخرى كى يبدأ كلٌّ منهما حياة جديدة مستقلة، ربما تمنحه قَدْرَ ما يستحقُّ من السعادة والحياة الآمنة، وأن الإمام الأكبر شيخ الأزهر يحترم المرأة ويقدرها ويرفض تعريضها لأى عنف أو ظلم أو تهميش أو إهانة، ويدعو لصَوْن حقوقها وضمان حصولها عليه. 
وتعرف كذلك، وهى المسئولة فى الدولة، أن الحديث عن موقف أو تصريح للإمام يَلزمه التأكُّد من الاطلاع عليه من مصدر معتبر يُعبِّر عن الأزهر، ودون اجتزاء أو خطفٍ من السياق، وأن قضايا المجتمع والناس تستحق منصَّات جادة وملتزمة لمناقشتها وليس «إعلام الترافيك والترفيه».