لم تعد التركيبة السياسية في المشهد اليمني كما كانت سائدة منذ سنوات عدة، تراجع دور القوى السياسية التقليدية وتصدرت الواجهة قوى جديدة أثبتت إمكاناتها في إحداث الفارق في ظل الحرب التي تشهدها البلاد للسنة السابعة على التوالي، وشاركت في هذه الحرب بفاعلية في دحر قوات الحوثيين المدعومين من إيران.
وبدا أن اليمن تعيش مرحلة جديدة من العمل السياسي بقوى جديدة تصدرت الساحة السياسية، هي المقاومة الوطنية التي شُكلت عام 2018 ويقودها العميد طارق محمد عبدالله صالح نجل شقيق الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي شكُل عام 2017، بقيادة القائد العسكري البارز الذي قاد المعارك ضد الحوثيين في محافظات جنوبي البلاد اللواء ’’عيدروس الزبيدي‘‘.
ولم يكن هذا التراجع، والظهور في المشهد اليمني حدثًا عابرًا، إنما نتاج عوامل عدة طغت على الساحة اليمنية مع الحرب التي اندلعت بين الحكومية اليمنية المعترف بها دوليًا، وجماعة الحوثي المدعومة من إيران، نتيجة انقلاب الأخيرة على الشرعية اليمنية.
وقال مصدر سياسي يمني، إن "قيادة هذان المكونان للمعارك ضد الحوثيين أكسبتهما شعبية واسعة في صفوف اليمنيين الذين يرفضون الحوثيين بوصفهم جماعة متطرفة تحاول إخضاعهم". وأضاف المصدر "رأى اليمنيون أن القوى السياسية التقليدية تخلت عنهم، ولم تقم بالدور المطلوب في مقاومة الحوثيين.. ويعتقدون أن القوى السياسية التي ظلت مسيطرة على المشهد السياسي لعقود، كانت واحدة من الأسباب التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه الآن ومكنت الحوثيين من السطو على اليمن".
وقال مصدر سياسي يمني ثانٍ، إن فساد القوى السياسية اليمنية التقليدية سيما في الحكومات المتعاقبة وتقسيم مؤسسات الدولة كـ"إقطاعيات خاصة بكل حزب"، أفقدها طيف واسع من الشارع اليمني، بينما ظهرت المقاومة الوطنية والمجلس الانتقالي الجنوبي بعيدين عن الفساد.
وقادت المقاومة الوطنية المعارك ضد الحوثيين في مديريات الساحل الغربي اليمني التي تضم المديريات المطلة على مضيق باب المندب حيث أهم خطوط الملاحة الدولية، وتمكنت من دحر الحوثيين من هذه المناطق، وتأمينها بشكل كامل ضمن الائتلاف العسكري المعروف بـ"القوات المشتركة".
وقال مصدر عسكري يمني إن المقاومة الوطنية تملك أكثر من عشرة ألوية عسكرية مدربة وخاضت المعارك بكفاءة في مديريات الساحل الغربي اليمني، وإنها تضم ضباطًا وأفراد مما عرف بـ"ٌقوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة" التي كانت أقوى تشكيلات الجيش اليمني، وأكثرها تدريبا وتجهيزًا وقدرة على خوض المعارك وإدارتها.
وأوضح مصدر واسع الاطلاع، أن المقاومة الوطنية دعمت إعادة مؤسسات الدولة كالمؤسسات التعليمية والصحية وأعادت تشغيل ميناء المخا ودعمت السلطات المحلية الحكومية، وأوجدت أمن واستقرار في تلك المناطق. أدت هذه الأدوار إلى تعزيز مكانة المقاومة شعبيًا، حد وصف المصدر.
وأعلنت المقاومة الوطنية في بداية 2021، تشكيل مكتب سياسي، وكتلة برلمانية كانت الثالثة من حيث الأعضاء في مجلس النواب اليمني. وانضم العديد من البرلمانيين إلى عضوية المكتب السياسي والكتلة البرلمانية، بينما وصف المصدران السياسيان هذا التشكيل بـ"نقطة التحول في مسار عمل المقاومة الوطنية" وامتداد مهمتها من العمل العسكري على الأرض، إلى العمل السياسي أيضا.
ومضى المصدران يقولان "أصبحت المقاومة الوطنية صاحبة حضورٍ قوي لا يمكن تجاوزها في اليمن". وعلى مدى الفترة الماضية، عقد سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لقاءات مع رئيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية طارق صالح، لبحث المستجدات وفرص الحل السياسي في اليمن. وبدت هذه اللقاءات كمؤشرٍ على تنامي قوة المقاومة الوطنية وأنها أصبحت لاعبًا رئيسيًا في المشهد اليمني.
وذكر المصدران، أن المجلس الانتقالي الجنوبي بات أيضا لاعباً رئيسيًا في الأزمة اليمنية. وعلى مدى السنوات السبع الماضية، أسندت إلى قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي عدة أدوارٍ أسهمت في إعادة رسم الخارطة العسكرية في اليمن، فقائدة اللواء عيدروس الزبيدي هو من قاد معارك دحر الحوثيين من محافظة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة لليمن، والضالع ولحج وأبين، ويقود قوات مكونة يتألف أفرادها من عشرات الآلاف من المقاتلين.
وقال مصدر عسكري ثانٍ، إن الحكومة اليمنية والتحالف العربي بقيادة السعودية، أسندا الملف العسكري في محافظة شبوة الغنية بالنفط والمطلة على بحر العرب إلى ألوية "الوية العمالقة الجنوبية" الموالية للمجلس. وتمكنت هذه القوات من استكمال تحرير محافظة شبوة، والسيطرة على مديرية ’’حريب‘‘ في محافظة مأرب المجاورة، وحدت من خطر الحوثيين على محافظة مأرب الغنية هي الأخرى بالنفط، وآخر معاقل الحكومة اليمنية شمالي البلاد.
واعتبر المصدران السياسيان إسناد الملف العسكري في محافظة شبوة إلى القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي اعترافًا بقدرة هذه القوات على إحداث تغيرات استراتيجية في مشهد الصراع في اليمن. وأضافا "عزز المجلس الانتقالي الجنوبي حضوره عسكريًا في مواجهة الحوثيين في أهم المراحل التي تمر بها الأزمة اليمنية، وثمة حضورٌ سياسي يمتد إلى تنامي العلاقات مع الدول المؤثرة في المشهد اليمني سيما الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.
وكان اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي في نوفمبر 2019 نقطة تحولٍ في مستقبل المجلس واعترافٍ بقوته كلاعب سياسي لا يمكن تجاوزه في اليمن، إذ تكررت اللقاءات بين قياداته، وسفراء الدول الأجنبية في اليمن لبحث الأزمة اليمنية وفرص الحل السياسي في البلاد.
والتقى نائب الأمين العام للمجلس الانتقالي ’’فضل الجعدي‘‘ السفير البريطاني لدى اليمن ’’ريتشارد اوبنهايم‘‘ في العاصمة المؤقتة عدن، وقال المجلس، إنه نائب أمينه العام بحث مع المسؤول البريطاني مستجدات الأوضاع السياسية والاقتصادية، وآليات تنسيق الجهود في إطار الحكومة التي يشارك فيها المجلس "لتحسين الأوضاع الاقتصادية وإعادة الاستقرار في محافظات الجنوب والمحافظات المحررة".
ومقابل بروز هاتين القوتين، تراجع نفوذ وقوة القوى السياسية التقليدية في اليمن باستثناء المشاركة في الحكومة اليمنية التي يرأسها ’’معين عبدالملك‘‘. وقال المصدران السياسيان "يتلاشى نفوذ هذه القوى السياسية ولا يبدوا أنها قادرة على استعادة عافيتها على الأقل على المدى القريب".