في مثل هذا اليوم 1 فبراير عام 1882 تم إلقاء القبض على أحمد عرابي ورفاقه بعد دخول الإنجليز للقاهرة، كما فشلت الثورة العرابية في نفس العام، ودخل الإنجليز مصر، وصار أحمد عرابى ورفاقه فى مواجهة صريحة مع الخطر، وتم إلقاء القبض عليهم، وتعرضوا للمحاكمة، واعتقل زعماء الثورة العرابية، واعتقل أيضا كثيرون من الضباط، وألقوا فى السجون رهن التحقيق والمحاكمة، وكثرت السعايات والوشايات، فأخذ المغرضون يشون بخصومهم بتهمة أنهم كانوا من الخارجين على الخديوى، حتى امتلأت السجون بالمتهمين، وبلغ عدد المقبوض عليهم أكثر من 39000 نفس.
ووضعت الحكومة يدها على جميع زعماء الثورة، ماعدا عبد الله نديم، فإنه اختفى عن الأنظار ولم تستطع عيون الحكومة أن تعرف مقره، وقبض على كبار الضباط المعروف عنهم التشيع لعرابى أو الذين اشتركوا فى حوادث الثورة، وغصت السجون بكبار المعتقلين منهم “عرابى باشا، محمود باشا سامى البارودي، محمود فهمى باشا، يعقوب سامى باشا، عبد العال حلمى باشا، على فهمى باشا، طلبة باشا عصمت (السبعة الزعماء)، حسن باشا الشريعى وزير الأوقاف فى وزارتى راغب والبارودي، وعبد الله باشا فكرى وزير المعارف فى وزارة البارودي”.
حكم عرابى أمام محكمة عسكرية مصرية بتهمة عصيان الخديوي، واهتم بأمره منذ القبض عليه المستر ولفرد بلنت المستشرق الإنجليزي، الذى ناصره منذ ابتداء الحركة والمشهور بمناصرته لمصر والمصريين، وسعى جهده فى إنقاذ عرابى من الإعدام، ولم يكن هذا المسعى من صالح عرابى فى شيء، لأن حياته فى الواقع لم تكن لها قيمة بعد الهزيمة، وقد اختار له المستر بلنت باتفاقه مع السلطات الإنجليزية اثنين من المحامين الإنجليز، وهما المستر برودلى والمستر نابيه، للدفاع عنه أمام المحكمة العسكرية.
واستقر رأى الإنجليز على أن يقدم عرابى وصحبه أمام المحكمة العسكرية بتهمة عصيان الخديوى، واستبعاد تهمة مذبحة الإسكندرية وتهمة إحراقها، وأن يعترفوا بجرمهم، وأن يستبدل الخديوى بحكم الإعدام النفى المؤبد، وأن يصدر بعد ذلك مرسوم بمصادرة أملاكهم مع عدم المساس بأملاك زوجاتهم، وأن تقرر الحكومة لكل منهم معاشا يفى بحاجتهم مع حرمانهم رتبهم وألقابهم، فارتضى العرابيون هذا المصير، وعلى ذلك جرت المحاكمة، وكانت بعد الاتفاق المتقدم ذكره محاكمة صورية، عرفت نتائجها قبل انعقاد المحكمة، ولم تدم سوى يوم واحد، وانعقدت المحكمة العسكرية برياسة محمد رءوف باشا يوم ٣ ديسمبر سنة ١٨٨٢ بوزارة الأشغال بقاعة مجلس الشيوخ السابق، الساعة التاسعة ونصف صباحًا لمحاكمة عرابى أولًا.
ولم يكن الجمهور يعلم بالموعد المحدد لانعقادها، فلم يحضر الجلسة سوى نحو أربعين من النظارة، منهم عشرون من مراسلى الصحف، وكان مقررًا أن يتولى الاتهام أمام المحكمة العسكرية المسيو بوريللى رئيس قلم قضايا الحكومة، ولكنه تنحى عن الجلوس فى مركز المدعى العمومي، إذ رأى أن المحاكمة مهزلة متفق عليها من قبل، فجلس بدله قومندان الحامية الإنجليزية فى التحقيق، وأخذ مجلسه قريبًا من المكان الذى أعد لعرابي، وبعد أن أخذ أعضاء المحكمة مجالسهم مرتدين ملابسهم الرسمية، جيء بعرابى من السجن، وكان قبل مجيئه قد وقع على وثيقتين الأولى يعترف فيها بارتكابه جريمة العصيان، ويتعهد فى الثانية بأن لا يبرح الجهة التى تعينها الحكومة الإنجليزية لمنفاه.