صدر مؤخرًا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، كتاب رسالة الحياة، لشاعر الأطلال الدكتور إبراهيم ناجي، وهو كتاب نادر من حيث موضوعاته المتنوعة، وأيضًا من حيث كونه عملًا نثريًّا خالصًا لشاعر طالما أمتعنا بقصائده الرومانسية وبالأخص منها رائعته الأطلال التي تغنت السيدة أم كلثوم بمقطوعات منها.
وكتب الشاعر أحمد رامي، لهذا الكتاب مقدمة وافية، جاء فيها: "يتناول ناجي في هذا الكتاب أبوابًا من المعرفة كل منها يمت إلى الحياة بصلة وثيقة، ويجمع من شملها ما تفرق من أدب رائع وعلم نافع تزخر بهما هذه الحياة العامرة، وناجي في هذا الكتاب واسع الخيال واضح الأسلوب ناصع التعبير، سهل الإبانة، يحط على كل غصن في شجرة هذه الحياة؛ فيقطف منها ثمرة جَنيَّة أو زهرة ندية، ثم ينشر عرفها على كل الناس فكرة واضحة جلية".
يبدأ ناجي في هذا الكتاب بالكلام عن الأدب فتكلم عن الجمال وماهيته وعن الفرق بين الخيال والواقع وبين الشعور والفكرة وكيف أن الفن مهمته بث وبعث العواطف بالنفوس، وخلص من بحثه في هذا الجانب أن العمل الفني مدين للوعي والشعور معًا وأن أهم ما يفعله الأديب هو الخروج مما هو ذاتي بحت إلى ما هو موضوعي ومما هو شخصي إلى ما هو إنساني.
وتناول بالبحث أيضًا رسالة الحضارة فقال إن مهمتها تحرير الفكر ليصبح خلاقًا مبدعًا متطورًا لا يقيده جمود ولا تعبث به خرافة.
وفي رسالة علم النفس تكلم عن الشخصية، وقال إن الإنسان لم تتحدد كينونته إلا حين أدرك أن هناك آخر فالآخر هو الذي يحدد هوية الأنا والعلاقة الشاعرة المدركة معه هي فجر الشخصية كما يقول ناجي، وتكام ناجي في هذا الباب أيضًا عن مواجهة الحياة وضرورة الابتعاد عن الفراغ مع البحث عن عمل أو صديق يلهينا عن التفكر في همومنا الشخصية.
وكان لـ"ناجي" في هذا الكتاب أيضًا آراؤه التربوية المهمة، ففي رسالته عن الشباب تكلم بعناية شديدة عن التعليم وكيفية العقاب والمثوبة وتكلم عن الطفل وتقويمه بين الأخذ باللين أو المواجهة بالعنف، وعارض فكرة الطاعة العمياء التي لا تقبل النقاش لأنها تخلق العبيد ولا تصنع الإنسان.
وتحدث أيضًا عن مرحلة المراهقة وأفاض الحديث عن أخطاء الشباب التي يجب على التربويين علاجها بكل الطرق.
وللدكتور ناجي رأي مهم في النقد الأدبي، حيث رأى أن الناقد يجب أن تكون له ذهنية الفيلسوف والفنان معًا، وهذا بالضبط ما يراه الدكتور عبد المنعم تليمه الناقد الأدبي المشهور والمتميز، إذ يرى أن فقر الفلسفة أحد أهم أسباب أزمة النقد الأدبي لدينا في مصر وفي العالم العربي بشكل عام.
وضمن المقدمة أيضا، "وجدنا في هذا الكتاب الجانب الآخر من إبراهيم ناجي الشاعر الرومانسي حيث رأيناه إضافة إلى ذلك ناثرًا متميزًا ومفكرًا كبيرًا ومهتم بجوانب الإصلاح وصاحب نزعة فلسفية واضحة يتأمل من خلالها الكون والحياة بل إنه خصص فصلًا كاملًا عن الفلسفة تكلم فيه عن سقراط وأفلاطون كلامًا دل على تشبعه في هذا الجانب وإحاطته بمبادئ الفلسفة ورسالتها في الحياة وبحق ما قاله الشاعر أحمد رامي في ختام تقديمه لهذا الكتاب الشيق: (ولئن كنا عرفنا ناجيًا شاعرًا في طليعة هذا الجيل، فمن الحق الآن أن نسجل أنه في الطليعة كذلك من المفكرين الموهوبين)".
