تشارك الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة المخرج هشام عطوة، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب دورته الـ53 التي تأتي تحت عنوان «هوية مصر الثقافة وسؤال المستقبل»، ومع انطلاق فعالياته توافد عدد كبير من الجماهير على بعض الإصدارات التي يقدمها مشروع النشر بقصور الثقافة خلال هذه الدورة ومن ضمن الكتب التي لاقت رواجا كبيرا خلال أيام المعرض كتاب «مصر القديمة» عن سلسلة الهوية بالهيئة للكاتب «جان فيركوتير» ونقله للعربية المترجم «ماهر جويجاتي».
يقول المؤلف في بداية هذا الكتاب، إن قدم الحضارة المصرية في حد ذاته هو أمر، فلم تعرف مصر على قدر كبير من الأهمية فلم تعرف مصر انفصالا بين حضارات العصر الجاهلي المصقول والعصر التاريخي ، فالمرحلة الأولى تقود إلى الثانية فعندما بدأت مصر تاريخها المكتوب حوالي 3100 قبل الميلاد، كان وراءها تجربة إنسانية طويلة فتم بشكل نهائي اكتساب رقعة الأرض الزراعية، وتشكّلت عناصر الديانة المصرية وتثبتت لمصر لغتها وكتابتها، وتوطدت مؤسساتها الرئيسية وعليه فيمكن اعتبار عام 3100 تاريخا اصطلح عليه تماما كما اصطلح على اعتبار عام 1395 بداية العصر الوسيط في أوروبا.
ذكر الملف إننا لا نستطيع أو بمعنى آخر تكمن هناك صعوبة بمكان ما أن نحدد تاريخا لبدايات الحضارة المصرية التي تختلط بميلاد المشهد البشري في مصر بعد أن وضع الإنسان يده على وادي النيل رغم أن البرونز كان معروفا في زمن الدولة الحديثة عام 1500 قبل الميلاد.
بيّن المؤلف أن المصريين ظلّوا قطع الظرأّن ويستخدمون في طقوسهم الدينية نفس السكاكين المصنوعة من الجر المصقول، تماما كما كان يستخدمها آخر الرجال من العصر الحجري النحاسي في وادي النيل، وكان الكهنة الجنائزيون يتبرعون بنفس العبارات التي تناقلها أسلافهم البعيدة شفاهية قبل ظهور الكتابة ولذلك فتاريخ مصر يشكّل أطول تجربة إنسانية حضارية إذ يمتد من الألف الرابع على أقل تقدير حتى العصر المسيحي وطوال هذه الحقبة الطويلة جدا ظلت جماعة من البشر يتحدثون اللغة، وتعتنق نفس التصورات الذهنية عن الحياة والدنيا والآخرة وتعيش في ظل نفس القوانين.
أوضح المؤلف، أنه منذ بداية العصر الحجري الحديث وحتى السيطرة الفارسية والغزو المقدونى وتاريخ مصر يسير في مجرى منتظم ومما لا شك فيه أن البعض قد بالغ من الظاهرة التي شكّلتها حضارة عظمى وُلدت ونمت في عزلة تامة فقلد كان هناك تسلل أجنبي ومؤثرات خارجية لكن كل ذلك لم يكن من القوة بحيث يؤثر في الطابع الأصيل للحضارة المصرية فمصر الدولة الوسطى هي السليلة الشرعية للدولة القديمة، كما ظلّت مصر بعد طرد الهكسوس هي نفسها كما كانت من قبل، وهذه الاستمرارية الفريدة في بابها خاصة عندما نفكر في الزمن الذي استغرقته ترجع في الجانب الأكبر منها إلى ارتباط الحضارة المصرية ارتباطًا وثيقًا، بمجتمع جغرافي هو وادي النيل، فحضارة مصر ولدت في وادي النيل ذاته وهي حضارة نيلية أفريقية في جوهرها وهذا ما أعطاها قوة هائلة فتكيفت تكيفًا لصيقًا بالإطار الجغرافي الذي انبثقت منه والذي أسهمت في نفس الوقت في خلقه ومن ثم كان على الغزاة الذين خاطروا وجاءوا إلى وادي النيل في فترات الضعف أو الفوضى أن يندمجوا على جناح السرعة أو يُلفظوا إذا تعذر عليه التكيف مع ضروريات البلاد، فاستمرارية الحضارة في مصر ذات فائدة عظيمة للوصول إلى معرفة ثاقبة بتاريخ العالم فهي لا تلقى فحسب الضوء على الحضارة القديمة في القارة الافريقية التي بدونها لما عرفنا عنها شيء بل إنها تسمح لها بدراسة وتأريخ بعض الثورات التقنية أو الأخلاقية التي أثرت في البشرية في عصورها القديمة.