لا يمكن فهم نشأة وتطور المجالس الإكليريكية دون معرفة تاريخ الصراع بين المجالس الملية والإكليروس علي قيادة وتسيير أمور الأحوال الشخصية.
في فبراير 1874 كان بطرس باشا غالى في ذلك الوقت هو أبرز أبناء الأقباط الأرثوزكس، إذ كان وكيلاً لإحدى الوزارات، كما كان على صلة طيبة بالخديوي إسماعيل ورجال حاشيته والإنجليز، وله موقف في حادثة دنشواى أدى لاغتياله، وتبنى بطرس غالى باشا فكرة المجلس الملى، واستصدر بالفعل أمرًا عاليًا من الخديوي إسماعيل بتشكيل أول مجلس ملى للأقباط وكان ذلك في فبراير 1874 وأنيط بالمجلس الجديد أن يحدد اختصاصاته، وأن يضع لنفسه لائحة داخلية.
ما يقارب اللقرن ونصف القرن، سبعة بابوات «كيرلس الخامس، يوانس التاسع عشر، مكاريوس الثالث، يوساب الثانى، كيرلس السادس، شنودة الثالث، تواضروس الثانى» و18 مجلسًا مليًا، ولم تخل دورة للمجالس الملية من مشكلات وخلافات بين الإكليروس والعلمانيين إلا في عهد البابا المتنيح شنودة الثالث، ويعود ذلك إلى رسامة الأعضاء الموقرين شمامسة، ولذلك كانت دورات المجلس الملى المتعاقبة في حبرية البابا المتنيح شنودة الثانى تخلو من أى نزاع، مجرد آلية تنفيذية للإكليروس.
بدأ الصراع والتغيير من الوطن إلى الكنيسة العتيدة، فى ١٨٧٢، وانتخب أعضاؤه في ١٦ يناير ١٨٧٤، واختير بطرس غالى باشا وكيلًا للمجلس، حيث كانت الرئاسة للبطريرك، وأصدر الخديوى أمره باعتماد تشكيله، وبدأ المجلس يباشر مهامه في فبراير ١٨٧٤، وهو الذى اختار كيرلس الخامس بطريركا خلفا لديمتروس في عام ١٨٧٥، ورأى كيرلس الخامس أن المجلس يمثل اعتداء على سلطاته فحل المجلس في ١٨٧٥، وسعى بطرس غالى لدى الدولة في هذا الشأن حتى صدر الأمر العالى في ١٣ مارس ١٨٨٣ بتشكيل المجلس الملى مرة أخرى، وأعيد انتخاب بطرس غالى وكيلا له في ١٤ مايو ١٨٨٣.
ورفض المطارنة المجلس وأصدروا بيانا يؤكدون فيه أن المجلس مخالفة للأوامر الإلهية والنصوص الرسولية، وكان أبرز أودة الخلاف هو أن قيادة المجلس والأحوال الشخصية تؤول للعلمانيين ، وأعلن كيرلس الخامس رفضه للائحة، وعندما أراد المجلس تجديد انتخاب أعضائه في ١٨٩١، رفض البطريرك، فطلب بطرس غالى من الحكومة والإنجليز نفى البطريرك، فنفى إلى دير البراموس، ونفى مساعده ووكيله الأنبا يؤانس «البطريرك الذى خلف كيرلس الخامس فيما بعد نياحته» إلى دير الأنبا بولا بالصحراء الشرقية ودام نفيهما قرابة العام حتى إعادتهما وزارة رياض باشا في ٤ فبراير ١٨٩٣، واستمرت الأوضاع على هذا المنوال ما يقرب من اثنى عشر عامًا، بل ويمكن القول إن الصراع بين العلمانيين والإكليروس حول لائحة المجلس الملى ومن ضمنها الاحوال الشخصية تحت قيادة المجلس الملي أو الإكليروس متمثلا في المجالس الإكليريكية.
استمرالخلاف حتى ثورة ١٩٥٢، وما تلاها من صراع بين البابا كيرلس السادس «١٩٥٩-١٩٧٠» وإغلاقه المجلس الملى وحله ثم البابا شنودة الثالث «١٩٧٠-٢٠١٢» الذى لم يجد سوى حل «إكليروسىى»، حينما رسم أعضاء المجلس شمامسة فحولهم من علمانيين إلى درجة إكليروسية، وبالطبع فالشماس يخضع للآباء الكهنة والأساقفة لتنتهي نهاية مطلقة لتدخل المجلس الملي في الأحوال الشخصية.
في أغسطس 2015 لائحة المجلس الإكليريكي، وفق ما نشر في مجلة الكرازة والتي تضمنت كيفية عمل المجالس الإقليمية الست وتشكيلها وطرق فتح ملف أحوال شخصية، وتنص اللائحة على أن الزواج المسيحي رباط ديني مقدس دائم، ويتم علنا بين رجل واحد وامرأة واحدة مسيحيين صالحين للزواج لتكوين أسرة تتعاون على شئون الحياة في معيشة واحدة.
المرجعية القانونية للمجلس الإكليريكي للكنيسة القبطية
تستند قوانين الأحوال الشخصية للكنيسة القبطية إلى تعاليم السيد المسيح بصفة خاصة ومرجعية الكتاب المقدس بصفة عامة.
أقوال آباء الكنيسة على مدى تاريخها أحد أهم الروافد الخاصة بقوانين الكنيسة في الأحوال الشخصية
ما يصدر من المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية من قرارات.
يرأس المجلس الإكليريكي قداسة البابا أو من ينيبه من الآباء المطارنة أو الأساقفة وتشكل المجالس الإكليريكية للكنيسة الأرثوذكسية.
هكذا وعلي مدار 150 عاما توالى الخلاف بين المجالس الملية والإكليروس حول قضية الأحوال الشخصية، لكن الصراع احتدم على مدار ٧٩ عامًا، منذ ١٩٣٨، بإصدار المجلس الملى العام للأقباط الأرثوذكس منفردًا لائحة للأحوال الشخصية للمسيحيين عُرفت بلائحة ١٩٣٨، وأباحت الطلاق لـ٩ أسباب وعدم قصرها فى علتى «الزنا وتغيير الدين»، ولم ترض الكنيسة برئاسة «البابا يوأنس التاسع عشر»، البطريرك الـ١١٣ فى تاريخ بابوات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، عن اللائحة التى تعتبرها حتى وقتنا هذا غير شرعية، لأنها صدرت بعيدًا عن المجمع المقدس للكنيسة الذى يعتبر صاحب سلطة التشريع للأقباط، إلا أن الدولة أقرت اللائحة لتكون المرجع الأساسى للمحاكم فى قضايا الأحوال الشخصية للأقباط، الأمر الذى أحدث عدة صدامات لم تنته حتى الآن.
وفى عهد «البابا مكاريوس الثالث»، البطريرك الـ١١٤ للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، عقد المجمع المقدس جلسة لمناقشة اللائحة أبدى اعتراضه صراحة على اللائحة لمخالفتها الكتاب المقدس وقوانين الكنيسة، معلنًا بطلان اللائحة، وأرسل مذكرة للحكومة بتاريخ ٣٠ مايو ١٩٤٥ ليبلغها اعتراضه على اللائحة، إلا أن الحال بقى كما هو عليه.
وفى عام ١٩٥٥، وعقب ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، ووقت فراغ الكرسى البابوى بعد إرجاع «البابا يوساب الثانى»، البطريرك الـ١١٥ للكنيسة إلى الدير لعدم قدرته على إدارة الكنيسة، وتشكيل لجنة بابوية لإدارة شئون الكنيسة، مكونة من: «الأنبا ميخائيل مطران أسيوط، والأنبا أغابيوس مطران ديروط، والأنبا بنيامين مطران المنوفية»، صدر القانون ٤٦٢ لسنة ١٩٥٥، الذى ألغى المحاكم الملية التى كان يحتكم لها الأقباط فى شئونهم الشخصية فى ظل التعددية القضائية التى كانت موجودة فى مصر، ونقل القانون اختصاصتها إلى المحاكم الوطنية بداية من يناير ١٩٥٦، وبمقتضى هذا القانون، أصبحت المحاكم المصرية هى المختصة بنظر كل المنازعات بين المصريين، بما فيها منازعات الأحوال الشخصية، بغض النظر عن كونهم مسلمين أم لا، لتعترض اللجنة البابوية وحاولت إدخال تعديلات على لائحة ١٩٣٨ لقصر الطلاق والزواج الثانى على ما ورد فى الإنجيل، إلا أنه فى نفس العام رفضت محكمة النقض تعديلات المجلس الملى حول اللائحة، وأصبحت لائحة ١٩٣٨، المعمول بها فقط أمام المحاكم منذ ذلك الحين وحتى الآن.
وفى عام ١٩٥٨، عقد المجمع المقدس للكنيسة اجتماعين انتهى فيهما إلى أنه «لا يُعتد بأحكام الطلاق الصادرة عن القضاء المدنى لأن الزواج أحد أسرار الكنيسة السبعة»، ورفع «البابا كيرلس السادس»، البطريرك الـ١١٦ للكنيسة، مذكرة لوزير العدل عام ١٩٦٢ قدم فيها ٨ مقترحات تقيد لائحة ١٩٣٨ وتطالب بدمجها فى قانون جديد موحد للأحوال الشخصية للأقباط، وأعد المذكرة فى ذلك الوقت اللجنة التى شكلها البابا لدراسة «الأحوال الشخصية»، وترأسها «الأنبا شنودة»، أسقف المعاهد الدينية والتربية الكنسية وقتذاك «البابا شنودة الثالث»، وعضوية القمص «صليب سوريال»، أستاذ الأحوال الشخصية بالكلية الإكليريكية، و«راغب حنا المحامى»، و«المستشار فرج يوسف»، و«المستشار حسنى جورجى»، وجدد البابا كيرلس إرسال نفس المذكرة، لكل وزير يتولى مسئولية وزارة العدل فى الحكومات المتعاقبة على مدار ٥ سنوات منذ ١٩٦٢، حتى١٩٦٧.
وبعد تجليس «البابا شنودة الثالث»، بطريركًا للكنيسة حمل رقم ١١٧، بـ٤ أيام، صدر قرار بابوي، عام ١٩٧١ يقضى بألا يُعقد الزواج الثانى لمن تطلق لعلة الزنا، حيث كان «البابا شنودة»، من أشد معارضى لائحة ١٩٣٨، وكتب العديد من الأبحاث ضدها قبل جلوسه على الكرسى البابوى، وأكد على نفس الفكر فى قرار المجمع المقدس بتاريخ ٢١ فبراير ١٩٧٩، وجلسات أخرى تلتها، قبل أن تتوافق الكنائس عام ١٩٧٩ على إعداد قانون كنسى موحد قُدم للدولة وقتها ودخل أدراجها، ولم يخرج للنور حتى هذه اللحظة.