قامت وزارة العدل بإرسال مقترح قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين لمجلس الوزراء بعد الانتهاء من جلسات التعديل التي تمت على المشروع من قبل اللجان القانونية للكنائس المصرية، ومن المقرر أن يرسل مجلس الوزراء مشروع القانون إلى مجلسي الشيوخ والنواب للعمل على المشروع تشريعيًا لإصداره وإقراره، كما طالب عدد من القانونيين المصريين وعدد من جمعيات المجتمع المدني والمنصات النسوية بطرح مشروع القانون على الرأي العام و المختصين لعلاج مشكلات الأحوال الشخصية بشأن المسيحيين.
وهنا تتناول «البوابة نيوز» القضية عبر سلسلسة من الحوارات مع الممثلين القانونيين للكنائس المسيحية وعدد من القانونيين والتشريعيين والمتخصصين في هذا الشأن لعرض آخر تطورات القانون للشارع المصري، لذا حاورت "البوابة نيوز" المحامي القبطي عماد فيلكس مبارك محامي بالنقض والدستورية العليا، عضو المكتب التنفيذي بلجنة الحريات وعضو برابطة المحامين الدولية ومنسق شمال أفريقيا برابطة محامين أفريقيا، وإلي نص الحوار..
* ماذا عن مقترح قانون الأحوال الشخصية الجديد «الموحد»، والتى وضعته الكنيسة أمام وزارة العدل وقامت بإرساله إلى مجلس الوزراء؟
- الكنيسة بمختلف مذاهبها كانت حريصة على أن يكون هناك في القانون ما لا يخالف تعاليم الكتاب المقدس أو ما عليه النص الديني، والكنيسة قامت بتفسير بعض النصوص الدينية من خلال مواد القانون من حيث القواعد المستمدة من تعاليم الكتاب المقدس، والتي منصوصة في «1 كورنثوس 7» إحدي رسائل بولس الرسول والموجودة بالعهد الجديد بالكتاب المقدس، وبرز مواد القانون الموحد الجديد:
- الاحتكام لشريعة العقد فى الطلاق لوقف مافيا شهادات تغيير الملة.
- منع الزواج الثانى لمن طلق لعلة زناه أو غيّر الدين أو انضم لطائفة مسيحية أخرى.
- الاقتصار على أن يكون الزواج من نفس الطائفة.
- النص على موانع الزواج التى أبرزها الإصابة بالإدمان المزمن.
- النص على 10 أسباب لبطلان الزواج.
- حظر إثبات النسب بقصد التبنى أو الاتجار بالبشر.
- السماح بالتطليق إذا ترك الزوج المسيحية إلى الإلحاد.
- السماح بالطلاق المدنى بسبب «الفرقة» مع استحالة الحياة الزوجية.
- إعطاء الحق للكنيسة فى الزواج الثانى من عدمه.
- توسيع مفهوم الزنا الحكمى وعدم قصرها فى العلاقة الجنسية فقط.
- شمل الزنا الحكمى «المكالمات الهاتفية والمكاتبات الإلكترونية والتحريض على الدعارة وتبادل الزوجات والشذوذ».
- إنشاء لجان تسوية المنازعات الأسرية المسيحية بالمحاكم التابعة للكنيسة.
- منح الكنيسة حق إصدار تصاريح الزواج الثانى.
- عدم جواز الطعن على قرارات المجلس الإكليريكى للكنيسة أمام القضاء.
- إضافة فقرات فى المواد التى تخص الطوائف المختلف عليها بالقانون.
- وضع فصل يخص الانفصال بالكنيسة الكاثوليكية، يشتمل على 5 بنود.
والكنيسة في وضع القانون الجديد حاولت أن تساعد الإنسان من منظور تفسيرى أوسع للنصوص الكتابية التي ذكرت من قبل، فنجد أنها أعطت السماح بالفرقة إذا وصلت المدة 3 سنوات لمن ليس لديه أطفال، و5 سنوات لمن لديه أطفال وهذا الأمر مما استقرت عليه الكنيستان الأرثوذكسية والإنجيلية بمختلف طوائفهما، أما الكنيسة الكاثوليكية فلها قواعدها الخاصة التي تحكمها الإرادة الرسولية واللائحة التي وضعت سنة 1917 بشروط معينة تتعلق بالزواج والانفصال والمواريث ويحكمها «الانفصال الجسمانى» قد يكون انفصال مبدئيًا أو كليًا، ولا يجوز للمنفصل أن يسمح له بالزواج مرة أخرى.
المشكلة أن تركت اللائحة الإرادة الرسولية بعض الإضافات لكل كنيسة في الكنائس الشرقية ونوع من المرونة، المذاهب الكاثوليكية نجدها 7 مذاهب تحكمها قواعد واحدة، والطوائف تحكمها قواعد واحدة فنجد الروم الكاثوليك وضعت لائحة في سنة 1939، وتم تعديلها سنة 1950، والأرمن وضعوا لائحة سنة 1940، والسريان الكاثوليك وضعوا لائحة في كتاب اسمه الهدايات وطبع بالقدس سنة 1929، والكاثوليك مذهبهم قائم علي أبدية الزواج، وأن الانفصال الجسماني أو التفريق الجسدي بين الزوجين يكون بديلًا عن انحلال الزواج لكن في أسباب القانون الجديد ووسعوا في مسائل البطلان، من أجل إعطاء فرصة أكبر بدل الانحلال أو الطلاق.
* ما هي الأسباب التى سمحت بها الكنائس المصرية الثلاث بالانفصال أو الطلاق؟
- لا يوجد بالكنيسة الكاثوليكية انحلال للزواج بينما الكنائس الأخرى توسعت في الأسباب ووضعت مثلا سبب الزنا الفعلي أو الحكمي، والزنا الحكمي تم تعريفها بتغيير الدين أو الطائفة، ثم صدور دستور 2014 وفي المادة الثالثة أصبح تطبيق اللوائح الخاصة بالمسيحيين فيما يتعلق بشئونهم الدينية ومسائل الأحوال الشخصية، فهذا أعطي قاعدة دستورية بتطبيق المسيحيين في شرائعهم الدينية، وجاءت القوانين التي يؤكد علي تطبيق اللوائح التي أصدرت من المجالس الملية فيما يتعلق بالزواج والطلاق والميراث، أما فيما يتعلق في تطبيق اللوائح فنجد أن قداسة البابا شنودة الثالث في وقت صدور حكم المحكمة الإدارية العليا في أحقية المسيحيين في الزواج الثاني مستندًا إلى مبدأ دستوري بأن حق الشخص في تكوين أسرة ولا يجوز لأي أحد أي أن كان منعه من ذلك إلى أن اعترضت الكنيسة في شخص البابا واعتبر أن هذا الحكم تدخلا في حرية العقيدة ومن ثم تم وقف تنفيذ هذا الحكم من المحكمة الدستورية العليا التي لها الحق الفصل في منازعات التنفيذ، وقام البابا بتعديل لائحة 38 وقصر أسباب الطلاق علي الزنا الفعلي والحكمي وألغي الـ9 حالات الواردة في لائحة 38 إلا أن كثيرًا من المحاكم امتنعت عن تطبيق اللائحة الصادرة من البابا شنودة استنادًا إلي أنه غير مختص بالتشريع ومن ثم يتم تطبيق لائحة 38 كاملة.
ويوجد بعض المحاكم قامت بتطبيق ما أصدره البابا شنودة باعتباره رئيس المجلس الملي وهنا نحن أمام إشكالية قانونية كبيرة وينبغي حلها بصدور قانون جديد للأحوال الشخصية يعالج هذه المسائل دون أي يكون مخالفا لتعاليم الكتاب المقدس، وذلك إذا اعتبرنا أن مسائل الأحوال الشخصية ذات طابع ديني ولكن إذا اعتبرنا أن مسائل الأحوال الشخصية مسألة مدنية يطبق عليها القواعد الخاصة بالتوثيق بالشهر العقاري في توافق إرادتين علي الزواج ويحكمهما العقد فيما به من بنود واتفاق بين الطرفين فيما يتعلق بالمسائل المالية كالنفقة والحضانة والتوافق على ذلك.
* ماهي المجالس الملية، وماذا عن إلغائها حسب قانون سنة 55، وماذا عن تداول البعض بأن الكنيسة تحاول عودتها مرة أخرى من خلال القانون الجديد؟
- المجالس الملية هي جهات طائفية تصدر اللوائح الخاصة بكل طائفة مع تطبيق هذه اللوائح بموجب قضاء ملى أو محاكم مليه، كانت تشكل من بعض القانونيين والمستشارين السابقين لكل طائفة، وكانت تصدر أحكام تعترف به الدولة، كما أن صدور قانون 462 لسنة 1955 ووحد الجهات الملية مع إبقاء تطبيق اللوائح الصادرة منها بموجب قضاء مدني يحكمها القاضي الطبيعي وهذه ضمانة موجودة لتطبيق اللائحة بقاضي مستقل لأنه طبقًا للدستور المصري فإنه لا يجوز أن يعتلي المنصة إلا قاضي طبيعي مستقل تنظم استقلاله قانون السلطة القضائية.
الكنيسة تريد أن تكون لها إرادة مستقلة في تطبيق مسائل الأحوال الشخصية لكل طائفة، ولكن تصطدم مع المشروعية، لا بد أن تكون هذه الإرادة مبنية علي مشروعية، وأن ما يصدر منها يكون قابل للطعن، وأنه في إحدي المحاكم خلال فترة السبعينيات أُصدر حكمًا من مجلس الدولة عندما صدر قرار من إحدي الكنائس بمنع أحد أعضائها من ممارسة الشعائر الدينية والأسرار، وقالت المحكمة وقتها إنه لا يجوز أحد أن يمنع الشخص من العبادة ومن ممارسة الشعائر الدينية لأن هذا يصطدم مع حرية العقيدة، وأن صدور قرار من أي جهة دينية مستقلة طبقا لما يقدم من تشريع سوف يصطدم بالمشروعية وحق الشخص بالطعن علي أي قرار يصدر منها بما يترتب علي ذلك إجبار الجهة الدينية علي تنفيذ الحكم بالقوة الجبرية فمنعا للدخول في مثل هذه المسائل الشائكة لا بد من أن تكون جهة القضاء جهة مستقلة وتطبق اللوائح التي أصدرتها الكنيسة بموافقة الدولة، وأن ما يطبق عليها هو القانون والدستور حتي توصف هذه القواعد واللوائح من الكنيسة بالمشروعية.
* ماذا عن محاكم الكنائس الكاثوليكية، وما هى دورها، ومن هو الذى يعتلى منصتها؟
- الكنيسة الكاثوليكية لها نظام خاص يحكمها قوانين تصدر من الإرادة الرسولية «بابا الفاتيكان» وهي منظمة تنظيمًا دقيقًا، وفيما يتعلق بالزواج فهناك أُطر لا يجوز الخروج عنها مثل زواج المثليين أو الزواج أكثر من واحدة أو بعض الأمور التي تخالف التعاليم المسيحية، أما ما يخرج عن ذلك يترك لقواعد القانون المدني في أوروبا لكن في الشرق يختلف الوضع وتركوا للكنائس الشرقية وضع تكملة للوائح الصادرة من الإرادة الرسولية، وضعوا من قبل 1955 بعض القواعد التي تحكم هذه المبادئ ومنها وضع محاكمات أو محاكم كنسية ابتدائية ويتم استئنافها بمحاكم بالفاتيكان، ومنها تصريح الزواج خاصة إذا كانت الزوجة الثانية بعد وفاة الزوج الأول من أختها فلا بد لأخذ التصريح من الفاتيكان، فالقواعد التي تحكم المحاكمات الكنسية والخاصة بالأحوال الشخصية تحكمها قواعد صارمة مبنية على مبادئ العدالة مختلطة بتعاليم الكتاب المقدس.
أما تشكيل المحكمة قد يكون من مطارنة أو أساقفة وآباء كهنة دارسين القانون، وبعض القضاة الذين يتم تعيينهم من قبل الفاتيكان أو الكنيسة المحلية لهذا الشأن، ولو وجدت محاكم لكل طائفة سيصطدم مع النظام القضائي المصرى وما استقرت عليه المحاكم من أن يفصل في القضايا قاضي طبيعي.
* ماذا عن التبني وما تداول حول التخلى عنه بآخر تعديل جاء على مقترح المشروع؟
- أولا التبني مبدأ جوهري في المسيحية والسيد المسيح أقره إقرارا بأننا أبناء الله بالتبني، وجاء الرسول بولس بعد ذلك وأقر هذا المبدأ، وأنه كما أن الكنيسة تتمسك بأسباب الطلاق لكى تكون مطابقة لتعاليم الكتاب المقدس، فإن إخفال التبنى في قانون الأحوال الشخصية لا يقل خطورة عن مخالفة شروط الزواج أو انحلال الزواج بتعاليم الكتاب المقدس، وفي منع التبني مخالفة صارخة لتعاليم الكتاب المقدس ولا يجوز لأي أحد أي إن كان أن يلغي هذا المبدأ لأنه من ضمن تعاليم الكتاب، وهو احتياج ليس للأشخاص الذين ليست لديهم أطفال لإشباع رغباتهم ولكن هذا المبدأ مهم جدا للطفل حتي يكون سويًا، ويتمتع بحنان أب وأم وحقه في الميراث لأن ذلك طبقًا لتعاليم الكتاب المقدس بأننا أبناء وورثة لله أبينا، «وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ». (يو 12:1)، وقال بولس الرسول: أنتم بنون وليس نغول» (كلمة بنون تعي أبناء بالتبني والنغول أبناء غير شرعين)، وبولس الرسول قال فى إحدى رسائله: «أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: (يَا أَبَا الآبُ)» وفي هذه الآية الصراخ يعبر عن الاحتياج، وأن هناك احتياجا شديدا للتبني ولا يجوز لأحد أن يلغي هذا الاحتياج.
* كيف ترى موقف الكنيسة من بعض الكنائس التى اعتبرتها غير مسيحية وأشارت إليها فى القانون كالادفنتست وغيرهم؟
- بغض النظر عن البعد الاهوتي واختلاف التعاليم بينهم وبين المسيحيين بطوائفهم الثلاث، لكن حرية العقيدة لا يجوز قصرها علي أحد وعلي طوائف محددة أن القانون والدستور وضع مبدأ حرية العقيدة بأنها مطلقة، كما أن مصر وقعت علي الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية فى المادة «18» على الحرية الدينية ولا يجوز لأي سلطة في الدولة أن تمنع هذه الطائفة من ممارسة عقيدتها وعباداتها إلا إذا كان ذلك مخالفا للنظام العام والصحة العامة.