تميزت حياة عميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين، بأنها كانت الحافلة بالأحداث، بين المواقف الإنسانية والمعارك الفكرية والهموم المهنية. بدا ذلك في أوراقه وخطاباته، وكذلك في القضايا التي تم رفعها عليه، أو الاتهامات التي واجهها.
من أبرز ما استهلك طه حسين عراكه مع الأديب الكبير عباس العقاد، والذي جاء من ضمنه رسالة العقاد إليه فى ٢١ يناير ١٩٢٥، وجاء فى مقدمتها «أشكر لك ثناءك واهتمامك وأبادلك التحية مدحًا وقدحًا بالصاع صاعين وبالباع باعين! وأعجب بشجاعتك فى تقريظ كتابى ونقده فى صحيفة «السياسة»، وإن كنت أسأل نفسي: هل هى شجاعة حقًا».
فى آخر الخطاب قال العقاد ساخرًا: «لست أعتقد أنك فى ضعف الذاكرة بحيث أردت أن تظهر لنا فى مقالاتك، فأنت تزعم أنك لم تقرأ «البلاغ» وقد رددت عليه مرارًا، فكيف أتفق هذا؟ ألعلك ترد على ما لم تقرأ، أو لعلك قد نسيت بإرادتك؟ وقد ينسى الإنسان بإرادته فى بعض الأحايين! وأقول لك أخيرًا «حسبك فقد عرفت صوت نفسك» إنه لصوت يسمع على ما فيه من النشوز».
بعدها في منتصف العشرينيات من القرن الماضي، تلقى النائب العمومي عدة بلاغات تفيد كلها بأن طه حسين قد تعدى بكتابه على الدين الإسلامي، أولها بتاريخ ٣٠ مايو ١٩٢٦ من الشيخ خليل حسين الطالب بالقسم العالي بالأزهر، والذي اتهمه بأنه ألف كتابًا أسماه "في الشعر الجاهلي" ونشره على الجمهور "وفي الكتاب طعن صريح في القرآن العظيم حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوي"؛ وفي ٥ يونيو أرسل شيخ الأزهر خطابًا يبلغ به تقريرًا رفعه علماء الأزهر عن كتاب طه حسين "الذي كذّب فيه القرآن صراحة، وطعن فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وأهاج بذلك ثائرة المتدينين"، وطلب تقديم طه حسين للمحاكمة؛ وفي ١٤ سبتمبر تقدم عبدالحميد البنان أفندي عضو مجلس النواب ببلاغ آخر ذكر فيه "أن الأستاذ طه حسين نشر ووزع وعرض للبيع كتابًا طعن وتعدى فيه على الدين الإسلامي".
وأجمل محمد بك نور رئيس نيابة مصر الاتهامات الموجهة ضد طه حسين في أربع نقاط، أنه أهان الدين الإسلامي بتكذيب القرآن في إخباره عن إبراهيم وإسماعيل، وأنه طعن على النبي صلى الله عليه وسلم من حيث نسبه، وما تعرض له المؤلف في شأن القراءات السبع المجمع عليها، والرابعة أنه أنكر أن للإسلام أولوية في بلاد العرب وأنه دين إبراهيم؛ وقد حقق طويلًا مع طه حسين، وجادله، ثم قرر حفظ القضية رغم اختلافه مع ما جاء في الكتاب ومع طه حسين.
اتهم طه حسين كذلك بمحاباة الحركة الصهيونية، عندما أصدر مجلة "الكاتب المصري" في أكتوبر عام ١٩٤٥ بتمويل من شركة تملكها أسرة هراري اليهودية المصرية، وهي شركة تحمل اسم الكاتب المصري، وكانت متخصصة في الطباعة وبيع الآلات الكاتبة وأجهزة تصوير المستندات وغيرها، وبعد أن صدرت هذه المجلة بدأت حرب الشائعات القاسية ضد طه حسين ومجلته، وأخذ المنافسون الذين يحسدونه على ما وصل إليه من مكانة في المجتمع والأدب يشنون عليه حملات تتهمه بأنه يصدر مجلته بأموال الصهيونية التي ابتلعت فلسطين وتريد أن يكون لها دعاة في مصر وأجهزة إعلام تدافع عنها وتساند آراءها ومواقفها المختلفة؛ وتوقفت المجلة في شهر مايو ١٩٤٨، وهو الشهر الذي شهد اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى.
البوابة لايت
طه حسين.. مواقف إنسانية ومعارك فكرية وهموم مهنية
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق