الإسلام كباقي الديانات الأخرى يدعو إلى مكارم الأخلاق، وكانت الدعوة بالحسنى والمُثل العليا هي التي اجتذبت الناس إلى الإسلام، وليس الجيوش ولا السيف ولا ترويع الآمنين، شاهدت لقاءًا قديمًا أجراه كل من خيري رمضان وهناء السمري مع مواطن إنجليزي تحول من المسيحية إلى الإسلام. وبرغم أنني عايشت ذلك بنفسي عشرات المرات، وقابلت عشرات البريطانيين الذين دخلوا الإسلام عن اقتناع، إلا أن اللقاء كان ملفتا للنظر، حيث إن ما أدخل الرجل إلى الإسلام كان حُسن الخلق من مواطنين بسطاء، فقط حسن الخلق.
يقول المواطن البريطاني، جئتُ إلى مصر في إجازة لمدة أسبوع وأنا لا أعرف عن الإسلام إلا أنه دين يدعو إلى العنف ولا يحترم النساء. فهو دين يظهره الغرب على أنه يدعو لقطع يد السارق، وجلد الزاني، وقطع رقبة المرتد عن الدين. وفي مصر قابلت في الشارع شابًا بشوشًا يقوم بمسح الأحذية، نظرت إليه فقال لي "السلام عليكم". ثم مررت عليه بعد أن تعلمت بعض الكلمات العربية مثل "ازيك وصباح الخير " فكان يرد "الحمد لله وعلى وجهه علامات الرضا ". يقول ثم عدت إلى إنجلترا وقمت بتدريس مقرر عن الأديان (اليهودية والمسيحية والإسلام والهندوسية والكنفوشوسيه وغيرها) لطلاب المرحلة الإعدادية، كان من بين الطلاب مجموعة من الطلاب المسلمين، ولم يكن في المدرسة مكانا للعبادة، وجاء الطلاب يستأذنون في أداء الصلاة في غرفتي والتي كانت أنسب مكان لإقامة الصلاة، وكنت أراقبهم وهم يصلون. ثم جاء شهر رمضان فكانوا يصومون، وجربت الصيام معهم. يقول شجعني ذلك على أن أقرأ عن الإسلام، واستغرقت في القراءة سنة ونصف، كانت كافية لدخولي الإسلام عن قناعة وحب ويقين بأنه دين سمح يدعو إلى السلام والتعايش وينبذ العنف والكره والبغضاء.
هذه القصة، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في القصص التي شاهدتها في إنجلترا، ولكن ما لفت نظري فيها أن من كان سببا في دخول هذا المواطن الإنجليزي إلى الإسلام كان شابًا بسيطًا في شوارع القاهرة، ومجموعة صغيرة من تلاميذ المدارس وهم يصلون ويصومون في غرفة في مدرسة في إنجلترا. لم يقابل الرجل شيخًا في الجامع الأزهر، ولا أمامًا في بيت الله الحرام في مكة أو المسجد النبوي في المدينة، وإنما قابل أناسًا بسطاء يحمدون الله على نعمه، ويمارسون طقوس دينهم في سكينة ورضا وتفاهم مع الآخرين.
القدوة الحسنة (Role Model) كانت الدافع للمواطن الإنجليزي لدخول الإسلام، وكذلك كانت القدوة الحسنة والأخلاق الحميدة والصدق والأمانة من قبل التجار والبحارة العرب، السبب الرئيس لدخول الملايين من شعوب جنوب شرق آسيا، (خاصة إندونيسيًا وماليزيا) في الإسلام. وخلال القرن العشرين، كان الإسلام أسرع الديانات انتشارًا في الأمريكتين قبل ظهور القاعدة ووقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر سنة ٢٠٠١، وظهور داعش والجماعات المتطرفة في المنطقة العربية، والتي كانت كافية لرسم صورة نمطية سيئة عن المسلمين في كل بقاع الأرض.
أكثر ما كان يؤلمني وأنا أعيش في بلاد غير المسلمين، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، هو هذه الصورة النمطية السيئة عن المسلمين. وأتذكر أن قام أحد الأطباء المصريين بتغيير اسمه في المستشفى التي كان يعمل بها من محمد إلى جون. حدثته يومًا فرد عليً، قلت له هل تركت العمل في المستشفى قال لا، أنا غيرت اسمي من محمد إلى جون، بسبب الصورة النمطية السيئة عن الإسلام وتخوف المواطنين، خاصة الأطفال مني. هالني ما سمعت، وتعجبت لو أن أسامة بن لادن" وغيره من قادة الجماعات الإرهابية، قد رأوا الضرر الذي ألحقوه بالإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم، هل كانوا نفذوا ما فعلوه؟
نصيحتي لكل مسلم أن يكون قدوة لغيره وأن يتمسك بجوهر الدين، وهو مكارم الأخلاق، وفي السيرة النبوية، كان رسولنا الكريم محمد صلي الله عليه وسلم، رجلا سمحا ماعُرِضَ عليه أمرين إلا اختار أيسرهما. وكان يوصي أتباعه بالصدق في القول، والعدل في التقاضي، والسماحة وحسن الخلق واحترام الغير. لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوصف بأن خلقه القرآن. وصدق الله العظيم عندما قال في كتابه الكريم” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ. صدق الله العظيم، الآية ١٥٩ من سورة آل عمران.