الإثنين 04 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مين مايحبش ياسر؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كلنا إلى زوال، ومن فينا مخلد ؟! هكذا نعيش مع هذه الحقيقة، نتناساها أحيانًا حتى يرحل أحد أحبائنا فنتذكر.
بعضنا سيكون قصة قصيرة، أو مجرد بعض سطورها، لكن هناك من سيكون رواية كاملة تقرؤها الأجيال وتتوارثها.
نحن لا نكتب عمن رحلوا من الأحبة؛ لننعاهم أو نُرثيهم أو نذكر محاسنهم ومآثرهم، نكتب لنصدق أنهم رحلوا، لأننا سنفتقد حضورهم، نصائحهم، ابتسامتهم التى ترطب حياتنا، وقلوبهم التى تتسع لآلامنا وأوجاعنا، أن نأوى إليهم ليشاركونا فرحتنا وهمومنا، كم هو صعب أن نكتب عن الفراق، ومشاعر الفقد، لكنها الحياة وتصاريف القدر.
عرفت ياسر رزق عن قرب سنوات طويلة؛ شغوفا بما يفعل، متسامحا لأقصى درجات التسامح، يجيد الحديث في الرياضة والفن والسياسة، ورغم ذلك كان من أكثر من عرفت إنصاتًا، يعشق البحث عن المعلومة، يمنح الفرص للشباب، الصديق الذى تلتمس منه النصيحة إذا تفرقت بك السبل، ولا يضن بها، وَهب حياته كلها للصحافة، وترك بصمته أينما حل على الصحف التى رأس تحريرها؛ والزملاء الذين عملوا معه، هو ابن بار بهذه المهنة.
مدخن شره، لا يكتب إلا والدخان يحيط به، ويملأ مكتبه، كنت أضطر لإخفاء السجائر؛ ليستريح منها قليلًا، فيبتسم خجلًا كطفل يرتكب خطأ، قلبه يتسع للجميع، جابر للخواطر، لم يكن صِداميًّا على الإطلاق، رغم أنه مقاتل يدافع عما يؤمن به، لكنه يسعى لمساحات من التفاهم والتعايش مع الجميع، مؤمن بالموهوبين يبحث عنهم أينما ذهب، فيتحلقون حوله وهو يعمل، فيستمع لاقتراحات الجميع عندما يتسابقون لتقديم الأفضل، نموذج للمطبخ الصحفي، والعمل الجماعي، هذه هى مدرسته، وهكذا كان يعمل.
جاءني صوته مبتهجًا كعادته فور صدور «سنوات الخماسين»، شهادته التي كتبها؛ ليوثق ما شاهده ورآه من أحداث صعبة مرت على مصر، وسألني: «ابعتلك الكتاب فين»، وبالفعل وصلتني في اليوم التالي، وخصني بإهداء وكلمات رقيقة مفعمة بمشاعر المحبة: الأخ الحبيب إسلام هذه شهادتي عن سنوات صعبة، عشت أنت وأنا مقدماتها سويًّا، وكابدنا معًا أحداثها وتحولاتها، في ظل حكم البغى والجهالة والفاشية، حتى لاح فجر الثورة الكبرى، كل المحبة.. ياسر، لم يحرمني من الوداع كتابةً وصوتًا، كنّا على موعد أخلفناه رغمًا عنا، لكن القدر كان أسرع منا، وقال كلمته. 
طبت حيًا وميتًا أيها الأريب الحبيب، اختارك القدر ليحرمنا من طلتك وبهجتك؛ لكن عزاءنا تلك المحبة التي أحاطت روحك وهي تودعنا، وذكريات كثيرة جمعتنا، لن تتوارى بمرور الزمن، هي زاد الغياب.