الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

8 أعمال مسرحية جديدة يترجمها خالد سالم عن الإسبانية

الدكتور خالد سالم
الدكتور خالد سالم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

صدرت ضمن إصدارات الدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في ديسمبر الماضي، كتابين للدكتور خالد سالم. شمل الكتاب الأول خمس مسرحيات للأطفال سادسة لليافعين. وتُعد أول مرة ينشر فيها هذا العدد من المسرحيات للأطفال نقلاً عن اللغة الإسبانية. ويضم الكتاب الثاني مسرحيتين مستلهمتين من الأندلس من منظور تاريخي وعصري يعالج الماضي المشترك الجميل في مرآة الهجرة المغاربية إلى إسبانيا، انطلاقًا من عدسة كاتبين إسبانيين، أنطونيا بوينو وخيسوس كامبوس غارثيا. 
ويأمل الدكتور خالد سالم أن تُفرد لهذا المسرح مساحة أكبر من الترجمة إلى العربية والدراسة والعرض في الوطن العربي، وعلى وجه الخصوص في مصر التي لها الريادة في هذا المجال "ومعلوم أن هذا المسرح يتماشى مع ثوابت مجتمعاتنا"، حسب قوله.
المسرحية الخاصة بالشباب جاءت تحت عنوان " كلمات القرد الأبيض الأخيرة "، وهي تسمية مستعارة للقرد رغم أن الترجمة الحرفية للاسم هي ندفة الثلج. وقد آثر الدكتور خالد سالم ترجمتها إلى القرد الأبيض لتقريب المعنى إلى قارئ العربية. وهذا القرد الفريد في لونه كان قد جلبته غاليّا إدارة حديقة الحيوان في برشلونة، ما جعل منها مزارّا يقصده أطفال إسبانيا واشتهر ليمثل ظاهرة في البلاد طوال ثمانينات القرن العشرين وتسعيناته إلى أن مات. 
ومعروفة هي الحساسية السياسية التاريخية بين العاصمة، مدريد، وثاني أكبر مدينة إسبانية وعاصمة إقليم قطالونيا، برشلونة، تتمثل في مظاهر عدة، أبرزها فريقي كرة القدم ريال مدريد وبرشلونة، ووصلت ذروتها في السنوات الأخيرة إلى رغبة إقليم قطالونيا في الإنفصال عن إسبانيا.  وقد أثرى الحساسية بين العاصمة والإقليم، برشلونة، ظاهرة هذا القرد ومنافس له هو الدب تشو لين Chu Lin، من فصيلة الدب باندا Oso Panda ، في حديقة حيوان مدريد، وانقسم سكان المدينتين إلى فريقين حول قرديهما، ما يدخل في عالم الوفرة ، إفراز النزعة الاستهلاكية في العالم الأول.
والمسرحية استعارة للكثير من قضايا العالم المعاصر اليوم.  إنها مجاز للكثير من الخيوط التي تتلاقى في رسالة هوية واحدة، الغير،  معرفة واكتشاف الآخر. فإشارة البداية التي يقدمها القرد الأبيض بخصوص القرد الأسود ووضعه بالنسبة للحارس وموقف هذا من القرد نفسه  تتحدث عن الإنسان المعاصر، عن عزلته ووحدانيته. 
ومن ناحية أخرى فإن القرد الأبيض يتمتع بشخصية ملفتة فهو إفريقي ومثقف، إذ يعرف الفلسفة ويقتبس من الفلاسفة، يتأمل في مسألة الموت ومعناه، أمام حارس بلا طموحات وبلا قيم كبيرة. وكلها أمور تلغي القرد الأسود، القابع في حديقة حيوان العاصمة. فالقرد الأبيض يفكر، يقرأ، يفلسف، في حين أن القرد الأسود تقتصر حياته كلها على البحث عن الطعام، بل إنه يضطر إلى أن يأكل بقايا طعام خصمه الأبيض.  
ما يطرحه المؤلف خوان مايورغا، وهو طرح سهل وصحيح سياسيًا في عالم اليوم. ويجد المتلقي قراءة للواقع، للإنسان، تكشف النقاب عن التعقيد القائم. هذا دون أن يحملنا هذا الوضع على التفكير في أن المسرحية كتاب حول الإنسان المعاصر، وهو ما طرحه المؤلف بحصافة.
والمؤلف خوان مايورغا أستاذ المسرح في المدرسة الملكية للمسرح في مدريد، وعضو في المجمع الملكي للغة الإسبانية، ويتمتع مسرحه بالعمق والإلتزام والمنهجية ما جعله يعبر الحدود الوطنية بالعرض في أهم مسارح أوروبا وأميركا، ويُترجم إلى لغات عديدة.  
يقول المترجم: إننا أمام كوميديا حول الموت، عمل مسرحي موضوعه مأسوي لكن مسحة من السخرية تعلوه، إذ استنطق فيه المؤلف القرد وهو في اللحظات الأخيرة قبل رحيله الأبدي، فنجده يتكلم عن حياته، عن حارسه، عن زميله "كونغ الصغير"، الغوريلا الصغير الذي صاحبه طوال حياته منذ أن أُدخلا حديقة الحيوان في برشلونة. ونحن أمام كلمات غوريلا-فيلسوف، كلمات ذات مغزى عميق يلقي بها على أمل أن يتعلم منها الإنسان " اقتراب الموت يجعلنا نشعر بالحرية. فالمحتضر ليس عليه أن يخدم أحدًا، ولا يخيفه أحد.  ولم تعد هناك أصفاد تكبله ولا أقنعة. لا يوجد في العالم مخلوق أكثر حرية من الذي يواجه يموت."
ويحاول الدكتور خالد سالم سبر أغوار المؤلف في دارسة عنه ويؤكد وجود استعارة مؤلمة وحزينة للمجتمع الذي نعيش فيه. لقد حاول خوان مايورغا أن يربط هويتنا بهوية القرد، فكلنا سواسية، حيوانات، عاقلة أو غير عاقلة.  والمسرحية في مجملها تعيد صياغة لوحة حول مسار تطور القرد إلى إنسان والعكس. وبعد ذلك نجد الحيوان، القرد، يذكرنا بأنه يفكر فينا. وعملًا بمبدئه فإن المؤلف يرى أن أفضل الأعمال هي تلك التي "تعرف كيف تنتهي" ولهذا فإنه أنهى مسرحيته بموت الغوريلا الأبيض "ندفة الثلج".
أما الكتاب الثاني الذي ترجمه الدكتور خالد سالم فقد جاء تحت عنوان "مسرحيتان عن الأندلس"، تستلهمان هذه الحقبة المشتركة بين العرب والإسبان التي استمرت تسعة قرون.  أولاهما مسرحية "زهراء الأندلس المفضلة" للكاتبة الإسبانية أنطونيا بوينو، وهي جزء من ثلاثية كتبتها المسرحية الإسبانية أنطونيا بوينو حول الثقافات الثلاث المكونة للهوية الإسبانية تاريخيًا المسيحية والعربية واليهودية. المسرحيات الثلاث مكتوبة حول ثلاث نساء ومن أجلهن عبر الولوج في التاريخ أو المسرح التاريخي.  فالأول عنوانها "سانشا، ملكة هيسبانيا"، إسبانيا العصور الوسطى، قبل وصول العرب إلى شبه جزيرة أيبيريا، من خلال نبش قبر هذه الملكة على يد جنود نابليون ما يعيد الحياة إليها ويؤدي إلى إعادة قراءة للتاريخ. وتلجأ المؤلفة إلى الأغاني والطقوس والتعاويذ لتحمل المتلقي إلى أجواء العصور الوسطى وتلفه بها، لكنها في الوقت نفسه تحمله إلى عالم التأمل الفكري. 
المكون الثاني للهوية التاريخية الإسبانية يكمن في "سفاراد"، أي إسبانيا والبرتغال تاريخيًا بالعبرية، وقد خصت الكاتبة هذه الفترة بواحدة من الثلاثية بعنوان "راكيل، ابنة سفاراد"، إذ تعود إلى الوراء عبر التاريخ من خلال بطلتها، المدرسة الأميركية التي تعود إلى منزل الأجداد في طليطلة، وتستنطقها بلغة اليهود الإسبانية التي خرجوا بها من الأندلس عند طردهم قبل سقوط غرناطة بشهور قليلة في يناير 1492. 
يسير بناء مسرحية "زهراء الأندلس المفضلة " في خط متناوب بين شخصيتين، زهراء الأندلسية، وفقًا للحكاية التاريخية، وزهراء المغاربية الحالية وحياتها الصعبة، أي زهراء المهاجرة. كل هذا يجري على سجادة مستخدمة كخشبة مسرح متعددة، ذات فضاءات مختلفة وأشياء ضرورية للحكبة التي تدور على مدى قرنين مختلفين. وهي مسرحية كتبتها امرأة وبطلتها من النساء أيضًا، تحمل المتلقي عبر تلك الحقبة وفي الوقت نفسه تولجه في الحاضر، حاضر ظاهرة الهجرة المغاربية إلى إسبانيا المعاصرة.
البطلة مزدوجة الشخصية، أندلسية ومغاربية، تحمل المشاهد إلى الجدل الدائر حاليًا حول دور المرأة الغربية المعاصرة والعالم الإسلامي والهجرة غير الشرعية، وذلك من خلال سارد ضرير يأخذ بيد زهراء المزدوجة الشخصية، القادمة من القرن العاشر، زمن خليفة قرطبة عبد الرحمن الثالث، ومن الوقت الراهن. ويبدو أن بطلة المسرحية تعود في جذورها إلى تأسيس مدينة الزهراء التي بناها الخليفة على شرف الزهراء، جاريته المفضلة، على مسافة صغيرة من قرطبة، عاصمة الخلافة ودرة العالم الإسلامي ومدينة النور للعالم كله سنتئذ. إلا أن هذه الازدواجية في شخص البطلة يحملنا إلى عالم الواقعية السحرية حيث نجد الحلم وقد تحول إلى واقع ظاهري، يتعايش فيه ما هو ذاتي مع ما هو موضوعي، استعارة ما هو يومي مع ما هو عجائبي. 
والزهراء، الجارية المفضلة، القادمة من القرن العاشر، تحملنا إلى المغاربية التي وصلت إلى شواطئ إسبانيا في قارب هش، شواطئ الأندلس القديمة التي كانت لزوجها الخليفة، للعرب، واليوم تعود إليها بحثًا عن تحسين لظروفها المعيشية في القرن الحادي والعشرين. 
لا شك أن الأجواء العربية لم تغب عن مخيلة المؤلفة أنطونيا بوينو عند كتابة هذا النص، وهو ما يتجلى في السجادة التي تتخذ شكل قارب وتطير دون أن تتحرك من مكانها، ورمال الصحراء. وهناك حضور لحكايات ألف ليلة وليلة واستعارة الحدود برمزيتها في الحجاب وعلاء الدين وحريم الخليفة والحدود التي تفصلهن عن الغرباء، والخصيان. إنها عتبة المحرمات التي لا تستطيع المرأة تجاوزها، سواء في الخارج أو إلى الداخل. كل هذا من خلال راوٍ، كالرواة في الحلقة المغربية، ومرايا غير مرئية تعكس الواقع وتصوره من منظور معاصر. 
وجلي أن المؤلفة اقتربت من هذا العالم المثير في المغرب. وقد أشارت ذات مرة إلى أنها اطلعت على وثائق تتعلق بقرطبة، عاصمة الخلافة في الأندلس، وزارت المغرب حيث شاركت في مؤتمر عن المرأة الأندلسية وجالت في أرجاء البلد وتحدثت مع كثيرين حول الحكايات الشفاهية والرواة والحلقة، ومن كل هذا استلهمت زهراء بازدواجيتها، الأندلسية والمغربية، الماضي والحاضر. 
جوهر النص يدور حول حياة امرأة، هي الزهراء، امرأتان في واحدة، ترتبطان ببعضهماعبر نفق القرون، ومن خلال مجموعة من المرايا، كما لو كانت الحبكة مكتوبة في مخطوط عتيق. والمسرحية تشبه مكانًا مغلقًا يمكن خلاله مشاهدة المناظر الطبيعية المحيطة كلها. 
إنها قصة امرأتين تلتقيان في رحلة مكانية وزمانية مزدوجة عبر الذاكرة التي تعود إلى القرن العاشر، عندما كانت الأندلس في أروع أيامها ومدينة الزهراء بجلالها وجمال عمرانها، ثم تنقلنا إلى القرن الحادي والعشرين حيث يخيم صخب الجوع، فليجأ المهاجرون إلى البلاد التي طُردوا منها، الأندلس، في صيغتها المعاصرة، إسبانيا. وفي هذا المُناخ تعبر زهراء المغاربية مضيق جبل طارق، الفاصل بين إفريقيا وأوروبا، بين شظف العيش والوفرة. وعندما تلمح الشاطئ ينقلب القارب الهش. وتمد زهراء الأندلسية، المفضلة لدى خليفة قرطبة، من حافة البركة الملكية في قلب مدينة الزهراء يدها إلى زهراء المعاصرة عبر مجموعة من المرايا، بينما تحاول هذه الأخيرة فهم ما يحدث في منتصف الليل ووسط البحر. إنها رحلة ذهاب وإياب عبر الضفة الإسبانية في مقابل الأخرى التي يفاجئها وصول مئات الأندلسيين المذعورين يحملون مفاتيح منازلهم على أنها أمتعتهم الوحيدة. وهي ملحمة شعب، دورة الحياة، دورة التاريخ وتحولاته المتغيرة. 
أما المسرحية الثانية في هذا الكتاب فجاءت بعنوان "رأس الحكمة" أو رأس الشيطان فترتوي من نسغ الثقافة العربية في الأندلس التي انتقلت إلى أوروبا عبر مسيرة الترجمة. والمسرحية موثقة بشكل جيد حول الثقافتين البارزتين حينئذ، العربية والمسيحية، دون نسيان الحضور اليهود في ربوع الأندلس. وتتسق "رأس الحكمة “ مع مسيرة المؤلف المسرحية، وتتواصل مع التجريب في عالم المسرح، لتمثل التزامًا مع المشكلات المعاصرة، وإن كانت تختلف عن أعماله الأخرى في أنها تنتمي إلى المسرح التاريخي. وعنوانها يحمل على الإيحاء، ويثير فضول القارئ منذ أن تقع عيناه عليه. ورأس الحكمة   تعني في هذا السياق،  حسب المؤلف، رأس المعرفة، الرجل ذا الرأس الذي على شكل طائر، ويحيل إلى تمثال الإله الفرعوني توت. هذا دون أن يفوتنا الإشارة إلى أنه يحيل أيضًا إلى حلم البطل وجنونه وشبقه بالسلطة. 
وخيسوس كامبوس غارثيا يشغل منصب الرئيس الشرفي لجمعية كتاب المسرح في إسبانيا وسبق له أن كرمه مهرجان المسرح التجريبي على مسيرته الطويلة والثرية في عالم المسرح. ويعرض في مسرحه نظرة نقدية للمجتمع الإسباني تتخللها جرعات غزيرة من الفكاهة السوداء. وقد لجأ إلى التجريب عبر لغات مسرحية مختلفة والأنواع المسرحية كافة، ابتداء المسرحية الدينية إلى الكوميديا، واخضاعها إلى مراجعة عميقة ومواجهتها بالواقع المعاصر. 
ولفهم هذه المسرحية يجب وضعها في سياق معاصر، إذ يمكن أن تنسحب أحداثها على المسرح العالمي لما فيه من تناضح ومواجهات بين ثقافات العالم المعاصر. تدور مشاهدها  في إطار الواقعية التاريخية، وتنم عن مؤلف ذي معرفة عريضة بالموضوعات التي يطرحها، ويفاجئ القارئ العالم بهذه المعرفة. ومن بين معارفه العريضة اطلاعه على المصادر العربية، خاصة تلك المتعلقة بالإحالات التاريخية والفلسفية للصوفية. ورأس الشيطان   ذاته يحيل القارئ أو المشاهد إلى هذا المجال، وهو ما أكده الكاتب إدريس شاه  في كتابه عن الصوفية حيث يؤكد الأصل العربي للعنوان، إذ أُخذ من "رأس الغول" أو "رأس الحكمة  " في الفكر الصوفي. وهو عنوان يضفي غموضًا وتشويقًا، ويحيلنا إلى حلم السلطة،  السلطة المطلقة على وجه التحديد.
وهذه المسرحية وهمية، خيالية، تحيل إلى مواقف لا تفتقر إلى الهزل، دون تخلي الكاتب عن العمق في الرمزية. المشهد الأول من المسرحية محدد تاريخيًا، تدور أحداثه في قرطبة عام 960 ميلادية/344 هجرية –التاريخ الهجري من وضع المؤلف-.  يبدأ المؤلف بإرشادة مسرحية شارحة يقدم فيها السارد عناصر تعريف تكشف هوية وشكل هذا الرأس محور العمل الدرامي. هذا الرأس الناطق  من خلق خيال جيلبرت في بحثه عن السلطة. يتدخل الرأس ثماني مرات في المشهد الأول من الفصل الأول ليطالب جيلبرت بالوفاء له مقابل تحقيق ما يريد له، ما يشكل جزءًا مهمًا من البناء الدرامي. وفي بعض المداخلات، عندما يلجأ الرأس إلى صوت السارد، يضفي جوًا كوميديًا مما يلطف التطور الوهمي لعالم المسرحية.
والسارد، بعيدًا عن العالم الخيالي لما هو في إطار التمثيل، يشرح العرض عبر الخيال الدرامي الذي يتعامل معه المؤلف بفطنة. ومن هذا السياق يخلق جوًا قصصيًا يضعه القارئ أو المشاهد في سياق مسرحي بحت، بفضل التعامل الحذق مع الشخوص والزمان، بتداخل الحاضر والماضي والمستقبل. وتلعب الإرشادات دوراً مهماً في هذا السياق، إذ تحمل على خلق عالم زاخر بالمخلوقات الخيالية. والسارد والإرشادات هما السبيلان الوحيدان اللذان يقدمان معلومات مباشرة في هذه المسرحية. فمن المعروف أن المؤلف -نظرًا إلى قصور المسرح أمام الرواية- يلجأ إلى الإرشادات لتوسيع المعلومات الموعزة والذاتية التي تقدمها الدراما، هذا إذا أخذنا في الحسبان طبيعة الرواية إذ تقدم تفاصيل وصفية للشخوص والأجواء والأحداث.  
ومسرحية "رأس الشيطان" هذه نتاج معتقدات مبدعها، طريقته الخاصة في فهم الإنسان. وعليه فإنه عادل في عرفانه بأهمية أكبر منبعين لحضارة الأندلس، العربي والمسيحي، دون أن ينقص الثقافة اليهودية حقها لتأتي في درجة أقل من السابقتين. ومع ذلك فإن المؤلف لم ينس التعريج على التعايش بين الأديان الثلاثة في الأندلس، وإن لم يكن سلمياً في كل مراحله، كان مثمراً، ينم عن تسامح عربي تًمثّل في شغل يهودي وظيفة مترجم في القصر، الحاخام موسى بن حنوش، والد سارة التي كانت تخبئ مخطوط رأس الحكمة   في منزلها.
وقراءة هذه المسرحية أو مشاهدتها يمكن أن تسهم في جلاء كثير من القضايا المتعلقة بالواقع، فيما يتعلق بثقافات متجاورة وفي حالة احتكاك دائم، بدلاً من التسليم بالصدام المتقطع. إنها تلخص حكاية شخصية مثيرة للجدل عاشت بين هاتين الثقافتين، لتصبح بمثابة جسر بناء بينهما رغم كل المآخذ التاريخية عليها، خاصة في ما يتعلق بشبقه للسلطة. فرأس الشيطان كفكرة مجردة  وليست ملموسةً،  تأمل حول أسباب وآثار السلطة، الموضوع الذي تقوم على أساسه البنية الدرامية.
إننا أمام بطل مكيافيللي في بحثه الدءوب ولهثه وراء السلطة بأية ثمن وأي طريقة. يلجأ إلى القسوة والتعسف، والظلم، مستغلاً في ذلك القوانين والأخلاق بشكل ذاتي. في هذا الإطار فإن استخدام المسيحية، السلطة في مفهومه، يبرر شتى أنواع التعسف والفظاعة والظلم طوال جزء كبير من المسرحية، رغم نداءات قرينه ابن مسرة المتكررة ومفاهيمه الفلسفية. غير أنه يبرر نفسه، مبدياً استعداده للوصول إلى السلطة بأي ثمن، وهو موقف يقربنا من فاوست ومن " أمير "  مكيافيللي.
وتلعب قرطبة، عاصمة الخلافة الأموية في الأندلس، دورًا مركزيًا لمسرح الأحداث من منطلق كونها بوتقة تاريخية للحضارتين، ولما لها من معنى مشترك لهما. وإلى جانبها نجد مدرسة طليطلة للترجمة، ومدينة الزهراء، والقصر، وأمكنة تاريخية أخرى وشخوصًا، كلها تثري حوارات الدراما. والمسرحية نموذجً للتعايش في الأندلس العربية، تأمل حول التناضح بين ثقافتي حوض البحر المتوسط، في زمن تندر فيه هذه الروح بين ثقافات العالم، وخاصة تجاه الثقافة العربية. 
  
 

58fd3ac4-5eb8-432a-acaa-c1629450b89f
58fd3ac4-5eb8-432a-acaa-c1629450b89f
92721e6c-5b2d-48f3-8829-7970e46296a1
92721e6c-5b2d-48f3-8829-7970e46296a1