أكدت صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية، أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يدفع أوروبا إلى ساحة صراع عسكرى لم تشهده القارة العجوز منذ الحرب العالمية الثانية، بتهديداته بالحرب على أوكرانيا. لم تكن قراءة عقل فلاديمير بوتين سهلة على الإطلاق، وهذا بالضبط ما يحبه، لكن فى مواجهته مع الغرب بشأن أوكرانيا، ارتقى الرئيس الروسى بلعبة التخمين إلى مستوى جديد تمامًا.
إن «بوتين» على وشك دفع أوروبا إلى أخطر صراع عسكرى منذ الحرب العالمية الثانية، أو يلجأ لعمل خداع ليُظهر للغرب أنه خطير كما كان دائمًا. إذا كان الاهتمام هو ما يسعى إليه، فقد حصل عليه. ليس مستقبل أوكرانيا الحرة والديمقراطية وحده على المحك، ولكن الهيكل الأمنى لأوروبا بالكامل بعد الحرب الباردة.
بعد حشد أكثر من ١٠٠٠٠٠ جندى وعتاد عسكرى على طول الحدود الأوكرانية فى نقاط استراتيجية من بيلاروسيا إلى شبه جزيرة القرم، وضع بوتين روسيا فى وضع يمكنها من مهاجمة واحتلال جارتها الجنوبية فى غضون أسابيع.
بغض النظر عن تصميم القوات المسلحة الأوكرانية، فإنها لن تكون مطابقة للجيش الروسى المجهز تجهيزا جيدا والذى تم اختباره فى معارك سابقة. قال «ماكسيميليان تيرهال»، الباحث الألمانى فى دراسات الحرب والأستاذ الزائر فى كلية لندن للاقتصاد: «قد لا يجد الروس صعوبة كبيرة فى إعلان النصر بعد أسابيع قليلة، ولكن هذا هو الوقت الذى ستبدأ فيه الحرب الحقيقية، تكمن الصعوبة فى الاحتفاظ بالفوز».
كانت شروط موسكو للانسحاب - فرض حظر على المزيد من توسع الناتو، وإنهاء التعاون بين الحلف والدول غير الأعضاء، ووقف نشاط الناتو على أراضى أعضائه فى وسط وشرق أوروبا - غير محسومة بشكل واضح.
إحدى النظريات هى أنه من خلال قائمة أمنياته غير الواقعية، كان الزعيم الروسى يحاول تقديم ورقة لكتب التاريخ، حتى لا يكون الشخص الوحيد الذى يتم إلقاء اللوم عليه فيما بعد.
نهاية لعبة بوتين
ليس سرًا أنه يشعر بالمرارة بشأن خسارة الإمبراطورية السوفيتية لروسيا، والتى وصفها ذات مرة بأنها أعظم كارثة جيوسياسية فى القرن.
يعتقد العديد من مراقبى روسيا المخضرمين أن هدفه هو عكس ذلك التاريخ، إلى الحد الممكن، من خلال إعادة أوكرانيا إلى الحظيرة الروسية، وهو هدف حققه بالفعل مع بيلاروسيا.
مثل هذا المسار من شأنه أن يزيل احتمال انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبى أو حلف شمال الأطلسي، الأمر الذى يعتبره بوتين تهديدا لقبضته على السلطة، وإعادة إنشاء منطقة عزلة كبيرة بين روسيا نفسها والتحالف الغربي.
أوضح «بوتين» فى بيان نُشر فى يوليو، أشار فيه أيضا إلى الروس والأوكرانيين على أنهم شعب واحد، مضيفًا: «أنا واثق من أن السيادة الحقيقية لأوكرانيا ممكنة فقط بالشراكة مع روسيا».
بالنسبة لـ«بوتين»، طالب التاريخ المتحمّس الذى يحب الرموز فى معاركه، سيكون عام ٢٠٢٢، الذكرى المئوية لتأسيس الاتحاد السوفيتي، وهو بالنسبة له الوقت المثالى للتحرك ضد أوكرانيا.
على الرغم من عدم تخلى واشنطن ولا أوروبا عن الأمل فى التوصل إلى حل دبلوماسي، فمن الصعب رؤية ما يمكن أن يقدمه الغرب للزعيم الروسى بدلًا من السيطرة على أوكرانيا.
مع وجود حكومة عميلة صديقة لموسكو فى كييف الأوكرانية والسيطرة على شرق البلاد، سيصبح النصف الغربي، الذى يتحدث الأوكرانية فى الغالب نصف البلاد، دولة رديئة وعازلة بين المجالين الروسى وحلف شمال الأطلسي.
إذا حدث ذلك، فربما يكون «بوتين» قد أزال التهديد الذى يعتقد أن أوكرانيا الحرة تشكله على حكمه، لكن التكاليف ستكون ضخمة من جميع الأطراف.
الهجوم الروسى واحتلال للشرق من شأنه أن يؤدى إلى موجة من اللاجئين إلى غرب أوكرانيا وأوروبا. يُسمح للأوكرانيين بالسفر بدون تأشيرة إلى الاتحاد الأوروبي، ما يجعل من المحتمل أن يسافر الكثيرون هناك لتقديم طلب اللجوء.
لذلك فإن الغرب الذى انقسم حتى الآن عندما يتعلق الأمر بفرض مزيد من العقوبات على روسيا، سيكون أكثر اتحادا من أى وقت مضى منذ الحرب الباردة.