تجبرنا محاولة قراءة الأوضاع المتشابكة عالميًا على ضرورة التقرب من صناع القرار في بعض الأحيان من الباحثين المقربين من متخذي القرار، ومع تشابك الأوضاع الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، وارتباطها بالولايات المتحدة الأمريكية، كان لابد من محاولة التوصل إلى تفسير لما يدور في المنطقة الأسخن في العالم وهي منطقة الشرق الأوسط، وبالتحديد الأوضاع المتعلقة باليمن وإيران ومهاجمة دول الخليج مؤخرًا من خلال ميليشيات الحوثي.
ديفيد ديروش، الخبير الاستراتيجي بوزارة الدفاع الأمريكية والأستاذ بجامعة الدفاع الوطنية الأمريكية التابعة للبنتاجون، والقيادي السابق في البنتاجون الأمريكي، كشف في حوار له مع "البوابة" طريقة الولايات المتحدة الأمريكية في معالجة الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وبالتحديد ما يتعلق بالسياسات الأمريكية تجاه ميليشيات الحوثي بعد الهجمات الأخيرة التي شنتها الجماعة على مطار أبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وإلى نص الحوار..
هل يمكن أن تقدم لنا قراءة حول مسألة ما إذا كانت الولايات المتحدة ستعيد تصنيف الحوثيين على لائحة الإرهاب مجددًا؟ وكيف تقيم حجة أمريكا بمسألة المساعدات الإنسانية التي دفعت بايدن لإزالة الحوثيين من قوائم الإرهاب؟
اعتادت ميليشيات الحوثي على استخدام المجاعة في اليمن كسلاح ضد خصومهم، بل إن الحوثيين يعتمدون على إذكاء تلك المجاعة بمعنى العمل على التوسع فيها ضد أبناء الشعب اليمني في مناطق سيطرة الحوثيين من أجل مواجهة خصومهم، وهي نفسها السبب الذي دعا الإدارة السابقة لتصنيفهم كإرهابيين، غير إن تلك الجماعة مستوفية بالفعل لكل الشروط التي تجعلها على قوائم التنظيمات الإرهابية. لكن كلًا من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب (في معظم فترة ولايته) والرئيس الحالي جو بايدن أدركا أن تصنيف الحركة بأكملها سيجعل من المستحيل على منظمات الإغاثة الدولية العمل في اليمن وتوصيل المساعدات الإنسانية إلى المواطنين المحتاجين في اليمن. وهو الدافع الذي من أجله رفعت الولايات المتحدة الجماعة من قوائم الإرهاب بغرض توصيل المساعدات الإنسانية إلى كل من يحتاجها.
وكيف تقيم هذا السلوك الأمريكي تجاه الحوثيين في ظل ما يقومون به؟
في رأيي أن سلاح العقوبات هو السلاح الناجع في هذه الحالة، فزعيم الحوثيين والعديد من قادة تلك الميليشيات يخضعون للعقوبات الأمريكية، لكن إدارة بايدن قررت بشكل أساسي أنه إذا تمت معاقبة محتجز الرهائن، فإن الرهائن سيعانون أكثر. وبالتالي أنا لا أتوقع أن يتغير هذا السلوك الأمريكي تجاه الحوثيين لأن الشعب اليمني هو من سيدفع الثمن وليس الحوثيين أنفسهم.
وكيف ترى نهج بايدن مع الحوثيين مستقبلًا في ظل هجماتهم على دول الخليج التي هي حليفة لأمريكا؟
الحوثيون معزولون إلى حد كبير، وأى أنه عندما تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من تحديد أفراد بعينهم لإخضاعهم للعقوبات الأمريكية فإنها ستفعل. لكن رؤية الرئيس الأمريكي جو بايدن تتمثل في أنه لا يريد أن تصبح الولايات المتحدة الأمريكية طرفًا في الحرب في اليمن، لذلك سيكون التركيز على محاولة إنهاء الحرب. وقد سبق أن نجحت الولايات المتحدة في إقناع كلًا من الصين وروسيا بالموافقة على قرار لمجلس الأمن الدولي يدين الاستيلاء على سفينة روابي الإماراتية التي استولى عليها الحوثيين باعتباره عمل غير قانوني. وهو ما يثير تساؤلًا مفاده: "متى كانت آخر مرة جعلت الولايات المتحدة الصين وروسيا تتفقان على أي شيء؟".
ملف الحوثيين مرتبط بإيران بشكل مباشر.. متى من وجهة نظرك يمكن التوصل لإتفاق بين واشنطن وطهران يضمن تقويض سلوك الحوثيين في المنطقة بصفتها أحد أذرع إيران؟
إيران بالتأكيد ترحب وتسلح وتشجع ميليشيات الحوثيين، لكن في الواقع فإن إيران لم تخلق الحوثيين، وإيران لديها سيطرة أقل على الحوثيين من الوكلاء الإيرانيين الآخرين، مثل كتائب حزب الله في العراق. وبالتالي فإن الحوثيون هم منتج يمني استخدمته إيران لدفع أجندتها التوسعية في المنطقة، وإذا سحبت إيران دعمها للحوثيين، فسيستمر وجودهم حتى لو لم تزودهم إيران بالسلاح اللازم لتنفيذ أجندة معينة، إلا أن الحوثيين أنفسهم أصحاب أجندة وسيقومون بما يريدون القيام به بصفتهم أعضاء في النسيج الاجتماعي اليمني بشكل عام.
لكن الحوثيين مدعومين عسكريا ولوجستيا من إيران.. هل نستطيع أن نقول أن وقف دعم إيران للحوثي قد يضعف تحركاتهم؟
نعم، إذا توقفت إيران عن دعم الحوثيين، فلن يكون لديها صواريخ باليستية، ولن يكون لديها طائرات بدون طيار محدودة للغاية (على الرغم من أنه في غضون سنوات قليلة سيكون الحوثيون قادرين على تجميع طائراتهم بدون طيار). لكن الأسلحة التي يستخدمونها في الحرب البرية هي بأغلبية ساحقة من علي عبد الله صالح، بعد أن استولت الميليشيات على مخازن الذخيرة التابعة للجيش اليمني في أعقاب انقلابهم على السلطة في عام 2014، وبالتالي فإن توقف إيران عن دعم الحوثيين سيضعف قوتهم العسكرية لكنه لن يلغيها.
متى تتوقع الإعلان عن إتفاق بين إيران و أمريكا؟
من الصعب التكهن بموعد محدد حول الوصول إلى اتفاق بين إيران وأمريكا خاصة وأن المعلومات التي ترد من فيينا ليست متكاملة، مع العلم أن هناك مناقشات تجري في الغرف المغلقة عن صعوبة المفاوضات التي تجري بين الأطراف، وبالتالي فإن الحديث عن قرب التوصل لإتفاق هو أمر في غاية الصعوبة، فإننا نسمع أحاديث مختلفة من فيينا لا تشير إلى قرب التوصل لاتفاق على المستوى القريب.
هل سلوكيات إيران تشي برغبتها في أن تكون دولة طبيعية في المنطقة؟
للأسف إيران تخوض صراعًا منخفض الحدة ضد جيرانها والغرب، مما يتسبب في مشاكل أثناء محاولتها البقاء دون عتبة الحرب المفتوحة، ربما تكون الطريقة الأكثر فعالية من حيث التكلفة بالنسبة لإيران هي البقاء في المنطقة الرمادية بالنسبة للحروب وهي الهجمات عبر الوكلاء وأخذ الرهائن أو الهجوم على السفن، وقد سبق أن احتجزت إيران رهائن على متن سفن تمر في مضيق هرمز، وبشكل عام فإن احتجاز الرهائن يعتبر جزءًا من الحمض النووي للنظام الإيراني، وليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأنهم سيتخلون عن هذا التكتيك أو سياسة التوسع ما لم يُجبروا على ذلك.