السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

القس سهيل سعود يكتب: الانعكاسات الاجتماعية لرسالة المسيح

القس سهيل سعود
القس سهيل سعود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عندما يبدأ أحد بمشروع أو إرسالية ما، عليه أن يقدّم برنامج عمل يعرّف فيه: من هو، ما هي رسالة المشروع، ما هي الأهداف التي يبغي تحقيقها، ولمن من الناس يرغب الوصول إليهم. ومن ثم يطلق مشروعه هكذا فعل المسيح، عندما بدأ خدمته التي جاء من أجلها، فمن مدينة الناصرة في الجليل أطلق المسيح برنامج عمله، إذ يقول البشير لوقا، «وجاء إلى الناصرة حيث قد تربى، ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت، وقام ليقرأ، فدفع إليه سفر أشعياء النبي» (لوقا 4: 17)، فقرأ منه ما يلي: «روح الرب عليّ لأنه مسحني: لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة» (لوقا 4: 18 و19)، معتبراً أن هذه الأعداد تعرّف عن: من هو، ما هو برنامج عمله، ورسالته، وفئات الناس التي يقصد الوصول إليهم. إن إرسالية المسيح، هي: بشارة للمساكين. شفاء لمنكسري القلوب. إطلاق للمأسورين. إعادة البصر للعمي.

 وأرسل المنسحقين في الحرية. والكرازة بسنة الرب المقبولة. من إرساليته هذه، نرى أن برنامج المسيح ليس له بعد روحي وخلاصي وغفران للخطايا فقط، وإنما لرسالته انعكاسات اجتماعية.

    من أهم مكوّنات إرسالية المسيح، نقل البشارة، أو الخبر السار عن محبة الله وخلاصه للمساكين. «مسحني لأبشر المساكين» (لوقا 4: 18). وكلمة «مسكين» تعني بالأصل اليوناني «فقير». وهذه الكلمة تحمل معنيين: الأول، "الفقير في المادة والمال". والثاني، "الفقير في الروح". بالنسبة للمعنى الأول، يخصّص البشير لوقا مساحة هامة في إنجيله ليتحدث عن رسالة الله للفقراء ماليا واقتصاديا، وذلك ليس لأن رسالة  الله غير موجّهة للأغنياء، وإنما لأن الفقراء اقتصاديا، الذين ليس لديهم مال أو ممتلكات،  يميلون إلى الاعتماد على الله وإلقاء رجائهم عليه. فتجاوب الفقراء مع الإنجيل هو بالإجمال أسرع وأسهل من تجاوب الكثير من الأغنياء، الذين يصرّون على التمسك بمالهم ويلقون رجاءهم عليه، فيصير لهم رباً. في هذا المعنى الروحي للفقراء، يدعو المسيح، الجميع: أغنياء وفقراء إلى إعلان إفلاسهم الروحي وحاجتهم القصوى إلى الله، كيما يغتنوا بحضوره، وينالوا ملكوت السموات.  

المكوّن الثاني من مكوّنات إرسالية المسيح، شفاء القلوب المنكسرة التي تعرّضت للحزن والألم والضيق. يقول «أرسلني لأشفي المنكسري القلوب» (لوقا 4: 18).  وهذا الشفاء يتّم عندما يتمسّك منكسري القلوب بالمسيح في وقت أحزانهم إلى جانب، كيما يشجّع ويواسي ويقوّي ويدافع. وهذا أيضا ما يقوم به المسيح، عندما يتعرض أولاده، لآلام وضيقات تكسر قلوبهم. فهو يقف إلى جانبهم ويواسيهم ويشجعهم ويخفف آلامهم، ويشفي قلوبهم المنكسرة.  

المكوّن الثالث، هو «المناداة للمأسورين بالإطلاق، وإرسال المنسحقين في الحرية» (لوقا 4: 18). في هاتين العبارتين، يظهر اهتمام المسيح في حياة أولاده في المجتمع . فالمسيح اعترض على كل أنواع الأسر والظلم والاستبداد الروحي والاجتماعي. إنّ فكر المسيح هذا، كان وراء الكثير، من حركات التحرّر ورفض الظلم والاستبداد في المجمتع . من الذين قادوا حركات تحرر من الظلم ، القس الدكتور مارتن لوثر كينغ (1929- 1964). فالقس كينغ، طالب بأن تكون حقوق السود، متساوية مع حقوق البيض في أمريكا. وقد أصرّ على أن تكون حركته هذه سلمية، بدون عنف. فتحققت مطالبه ومنح جائزة نوبل للسلام عام 1964 . ولكنه اغتيل من قبل رجل أبيض عام 1969 . إلا أن «إطلاق المأسورين، وإرسال المنسحقين في الحرية»، له وجه روحي آخر،  يأخذ المكانة  الأولى، في إرسالية المسيح . فالمعنى الروحي "للإطلاق من الأسر"، هو  إطلاق من أسر الخطية، التي تكبّلنا وتأسر فكرنا وحياتنا وإرادتنا بسلطانها القوي علينا. إن الكلمة اليونانية نفسها، التي تستخدم لوصف عملية  إطلاق الأسير من الأسر، تستخدم أيضا لوصف، غفران الخطايا أو  تحرير وإطلاق الخاطئ من أسر الخطية له، وهو عمل المسيح الأساسي في حياتنا.

 المكوّن الأخير من مكوّنات إرسالية المسيح، هو الكرازة بسنة الرب المقبولة "وأكرز بسنة الرب المقبولة " (لوقا 4: 19). لكن ما هي سنة الرب المقبولة؟ يميل بعض المفسرين إلى الاعتقاد بأن سنة الرب المقبولة، هي سنة اليوبيل الخمسين التي تحدثت عنها، شريعة اللاويين في الإصحاح 25 . فبحسب شريعة اللاويين، فإنه عند مرور خمسين سنة، تكون السنة الخمسين يوبيلا مقدساً، تذكر شريعة اللاويين، "وتقدّسون السنة الخمسين، وتنادون بالعتق في الأرض لجميع سكانها، تكون لكم يوبيلا، وترجعون كل الى ملكه، وتعودون كل إلى عشيرته" (لاويين 25: 10). فالذي يحدث في سنة اليوبيل الخمسين، هو إطلاق العبيد والمأسورين في الحرية، إنصاف المظلومين، وإطعام الفقراء من غلاّت الأرض . وبالتالي فسنة الرب المقبولة، أو سنة اليوبيل، هي سنة رفع الغبن والظلم والضيق بكل أنواعه، عن الناس. شبّه بعض المفسرين هذه الحالة، بحالة ملكوت الله، عندما يملك ويسود الله على حياة البشر بالإيمان، فيرفع عنهم كل أنواع الغبن والضيق. وبالتالي، يربطون بين قول المسيح هذا، "وأكرز بسنة الرب المقبولة" في العدد 19 ، وبين قوله في العدد 43، من الإصحاح الرابع نفسه، "ينبغي لي أن أبشّر المدن الأخرى أيضا بملكوت الله".

         في هذه المرحلة الدقيقة من التاريخ، حيث تكثر الحروب ويستشري العنف، ومعها يكثر المهجرون والنازحون والمأسورون والمنسحقون ومنكسرو القلوب، يذكّرنا الرب يسوع المسيح أنّ برنامج عمله يشمل خدمة الإنسان بكل جوانبه الروحية والجسدية والنفسية والفكرية. وله انعكاسات على المجتمع. فجدول أعماله يجب أن يحدّد، جدول أعمالنا وإرساليتنا في خدمة الإنسان، لا سيما الفقراء والمحتاجين الذين أحبهم المسيح وأسلم نفسه لأجلهم. لهذا دعونا نتوجه إليهم، لنبشّر المساكين ببشارة الإنجيل، ونشفي منكسري القلوب، وننادي للمأسورين بالإطلاق.   

القس سهيل سعود