الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

المواطنون المصريون الأقباط من 25 يناير إلى ثورة 30 يونيو

صورة أرشفية
صورة أرشفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

لعبت ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو دورا محوريا في نضال المواطنين المصريين الأقباط للتلاحم بين مطالبهم الخاصة ومطالب الوطن العامة وشاهدنا كل الكنائس تلعب أدوارا مهمة في نجاح الثورة.

ثورة 25 يناير وخروج الأقباط بالكنيسة للوطن:

من الملاحظ أن الثورتين الشعبيتين الأساسيتين 1919، 2011 استبقتهما تحركات قبطية احتجاجاً على تمييز ديني وقع عليهم، في مطلع القرن العشرين وبعد وفاة مصطفى كامل، وهجرة محمد فريد، تبوأ عبد العزيز جاويش رئاسة الحزب الوطني القديم، وساد تيار يدعو للخلافة الإسلامية، وتعددت مظاهر التعصب ضد الأقباط مما دعاهم إلى عقد المؤتمر القبطي 1910 وتلاه المؤتمر الإسلامي 1911، والغريب أن قادة المؤتمرين صاروا فيما بعد قادة ثورة 1919 وكانت أول مظاهرة احتجاجية اندلعت بعدها الثورة خرجت من البطرخانة الأرثوذكسية القديمة بالدرب الواسع بقيادة الأب الثوري سرجيوس، ما أشبة الليلة بالبارحة، بعد تفجيرات كنيسة القديسين بالإسكندرية، شهدت شوارع سيدي بشر، وشبرا مظاهرات أقباط ومسلمين، هتفت بإسقاط حبيب العادلي وحسني مبارك (3، 4 يناير 2011، قبض على 11 منهم 8 من المسلمين و3 مسيحيين بتهمة الدعوة لإسقاط نظام الحكم).

 

لذلك لم يكن من المستغرب أن نجد الشباب القبطي يتخطى المذهبية والمخاوف واتجه إلى قلب ميادين مصر سعياً للثورة، ومن يراجع أسماء الشهداء والجرحى، (من 25 يناير حتى 28 يناير) سيجد أن 80% من الضحايا المسيحيين استشهدوا أو جرحوا في مطلع الثورة بل لو رصدنا الدور الثوري للشباب الكاثوليكي على وجه الخصوص سنجد موقفا مشهودا لشباب العدالة والسلام ومستشاريها في المشاركة في التحضير للثورة أو الإعلان عن الصلاة بالميادين للتأكيد على الوجود القبطي بالثورة، وسيذكر التاريخ أن أول بيان مؤيد للثورة يصدر من جهة دينية كان من لجنة العدالة والسلام، كما أن أول بيان مدني مؤيد للثورة 29 يناير 2011 وقع عليه كاهنان كاثوليكيان هما الأب وليم سيدهم والأب هنري بولاد اليسوعيان، وأول رئاسة دينية تنشر مقالاً مؤيد للثورة كان الأنبا موسى أسقف الشباب (جريدة الأهرام 1 فبراير 2011)، إضافة إلي موقف كنيسة قصر الدوبارة التي فتحت أبوابها للثورة ونظمت أول مستشفي ميداني، وأول بيان مؤيد للثورة كان في الصحف في أول فبراير 2011.

تطور النخب القبطية

 

الاحتجاج المسيحي الأول 2010 أمام محافظة الجيزة بعد أحداث كنيسة العمرانية، ومن تابع أسماء الـ(154) معتقلًا الذين أفرج عنهم بعد تدخل الكنيسة سيجد أنه للمرة الأولى من بينهم مسيحيون من طوائف أخرى غير أرثوذكسية. ثم المظاهرات التي تلت تفجيرات كنيسة القديسين بالإسكندرية، ومن يراجع قضية (مسرة بشبرا) سيجد أنها ضمت للمرة الأولي مسلمين ومسيحيين، ورفعت شعارات إسقاط العادلي ومبارك، نفس شعارات ثورة 25 يناير، وما تلي ذلك من تطور موضوعي من صدام ماسبيرو وكسر طوق الخوف الذى كان يطوق عنق المواطنين المصريين الأقباط الثلاثين عاما الماضية، هذا التطور الموضوعي للخروج بالكنيسة بدأ برفع الصلبان في المظاهرات كرد فعل لحرمانهم مؤخرا من رفع الصلبان علي الكنائس، ثم اصطحابهم لبعض آبائهم الروحيين في الاحتجاجات (علي غرار آباء لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية) وصولا للانصهار المذهبي والقومي في صلوات بين مختلف المذاهب المسيحية والإسلامية في وعي جديد أعاد إنتاج الاندماج الديني لثورة 1919 من منظور «قومي عولمي»، وهكذا استطاع الثوار الأقباط التماهي بين الوطن والكنيسة ولعل ذلك التطور من ماسبيرو للتحرير والذى جعل الهلال والصليب يتماهيان.

المسيحية السياسية و25 يناير

كشفت أحداث ثورة 25 ينايرعن ظاهرة جديدة هى «المسيحية السياسية». وللحقيقة فإن هذه الظاهرة ولدت فى ميدان التحرير، مع بزوغ ثورة 25 يناير المجيدة، ولم تلقَ هذه الظاهرة الدراسة أو الاهتمام من المفكرين، حيث خرجت جموع المواطنين المصريين الأقباط انخراطا فى الثورة، وبذلوا الدماء من أجلها وكسر المواطنون المصريون الأقباط حاجز الطاعة، وخرجوا من خلف أسوار الكنيسة إلى الميدان، ولم يتوقف الأمر على المواطنين المصريين الأقباط، بل شاهدنا قساوسة من مختلف الطوائف تخطوا حاجز القيادات المحافظة، وخرجوا إلى الميدان مثل الآباء اليسوعيين «الجزويت» وليم سيدهم، والقس سامح موريس، راعى كنيسة قصر الدوبارة، والأب فلوباتير جميل الأرثوذكسى، والأب متياس نصر وآخرين.

 

ومن يدرس الخلفيات الروحية والوطنية لهؤلاء القساوسة على مختلف عقائدهم، سيجدهم ما بين لاهوت التحرير الذي بلوره فى مصر الأب وليم سيدهم اليسوعي ولاهوت التحرر الاجتماعي عبر الراحل الكبير الدكتور القس صمويل حبيب أو اجتهادات سبق أن تكونت فى أسقفية الشباب التى أسسها الأسقف الجليل الأنبا موسى. ورغم تعدد هذه الروافد فإن الثوار المكونين للمسيحية السياسية، كل ذلك يؤكد أن المواطنين المصريين الأقباط لم يعودوا «كتلة كنسية صماء» تحت إمرة الإكليروس الكنسى، خاضعة للسمع والطاعة، مثل تنظيمات الإسلام السياسي، خاصة أحزاب جماعة الإخوان المسلمين، والحركة السلفية، بل لم يستدرج الأقباط للتسهيلات التشريعية التى أتاح بها المجلس العسكرى تأسيس أحزاب ذات مرجعية دينية.

 

هكذا بعد سنوات من العزلة، والانحصار خلف أسوار الكاتدرائية، أسهمت ثورة 25 يناير، فى أن يكسر الشباب القبطى أطواق الكنيسة ويهرول للشارع يرفع الصلبان ولافتات مطالبة، يصرخ بحقوقه فى وجه النظام، التحم الأقباط مع باقى المصريين ليرسموا صورة الثورة فى ميدان التحرير وكل ميادين مصر، ثاروا رغم خوف الكنيسة عليهم، وهدأوا حينما ظنوا أن شعارات «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» ستتحقق، ولكن كانت الأحداث الطائفية لهم بالمرصاد، فبين أحداث كنيسة صول والماريناب، خرج الأقباط يعتصمون أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون «ماسبيرو»، وتطور

الأمر إلي الصدام الذي أدي لاستشهاد 23 شابا قبطيا.

 لكن بعد مذبحة ماسبيرو ظهرت مبادرة اتحاد شباب ماسبيرو الذي عُمد بالدم وارتوى كيانهم بالدموع.. هؤلاء الذين أثبتوا دائما أنهم ولاة الدم والمؤتمنين عليه، وفي لحظات فارقة بعد ماسبيرو وقف هؤلاء شبه منفردين أمام الأعاصير، أذكر أول مظاهرة ضد الإخوان كانت من الشباب القبطي بدعوة من شباب ماسبيرو، الإعداد لثورة 30 يونيو وصولا للمشاركة الحقيقية لإنجاحها، تكوينهم خلاية أزمة سبقت الجميع دولة وكنيسة ومجتمع مدني في كارثتين كبيرتين:

الأولي بعد الأحداث الدموية التي قادها الإخوان وحلفاؤهم ضد الوطن والمسيحيين والكنائس بعد فض الاعتصامات الإرهابية في النهضة ورابعة، وكان لي شرف معرفتهم عن قرب ورأيتهم يديرون الأزمة ويوثقونها ويذهبون في بطولة إلي موقع الأحداث حتي المنيا ودلجا في وقت كان من يذهب من الممكن أن تكون التكلفة حياته.

والثانية : في أزمة «تهجير» الإرهابيين للأقباط العرايشة إلي الإسماعيلية سبق هؤلاء الشباب الجميع، وحركوا الجميع في جبهة وطنية متحدة وجمدوا تناقضاتهم مع الجميع، وأداروا الخلافات في احترام متبادل ورؤية وأرضية مشتركة تجمع بين طياتها الاحتفاظ بحق، ومن ثم صارت «ماسبيرو»، وهى نقطة التحول الدراماتيكى فى علاقة الأقباط والكنيسة بالدولة، وجاهد الأقباط عبر اتحاد ماسبيرو ليحصلوا على حقوقهم السياسية، وهو ما عُرف بـ«المقاومة المكتومة»، ولكن مع قرب اعتلاء الإخوان لكرسى السلطة، رحل «البابا شنودة الثالث» الذى سيطر علي أغلب هؤلاء النخب الجديدة الشبابية وشكل وجدانهم، وفى ظل المرحلة الانتقالية التى كانت تعيشها الكنيسة، كان الأقباط يبلورون ائتلافاتهم وحركاتهم السياسية، يحاولون أن يلعبوا دوراً مؤثراً على المسرح السياسى، أراد الأقباط أن يصبح لهم صوت وقرار، ويشهد عام 2013، الانقلاب الحقيقى للأقباط أو «الخروج الكبير». «30 يونيو».. إذا كان هذا التاريخ يمثل للمصريين شيئاً، فإنه يمثل للمصريين الأقباط، تاريخ «الخروج الكبير». أسماء كثيرة لعبت أدوارا محورية ولكن كان رامي كامل نموذج من هؤلاء الثوار الخدام، أبناء «الليتورجية والنضال الليتورجي الروحي» والعلانية والثورة الرقمية، يجمعون بين الهوية الوطنية والهوية الكنسية، بين الأصالة الكنسية والأبوية وبين الحداثة وثورة الاتصالات، ومن ثم هم في أشد الاحتياج للنظام الأبوي المتمثل في الأب الكنسي المتجسد في قداسة البابا تواضروس الثاني، وإلي الأبوة الوطنية المتمثلة في تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي، نحن بحاجة لحوار وطني كنسي في مؤتمر متخصص يمكن للجنة العلاقات العامة بالمجمع المقدس للكنيسة الأرثوزكسية أن تتبناه، وفي حضورالبابا تواضروس والرئيس السيسي، لإعادة الروح إلي هؤلاء، وأعتقد أنني لا أدعوا إلي طائفية لأن الدستور يتحدث عن التمثيل القبطي، في المجالس النيابية، من أجل تمكين الأقباط من البناء الاجتماعي والسياسي، وإلا سوف نفتح ثغرات لا مخرج منها.