الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بالأمن تزدهر الأوطان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الأمن نعمةٌ عُظمى لا يُدرك قيمته، ولا يستشعر أهميته إلا من اكتوى بنار فقده، فوقع في الخوف والقلق والذُّعر والاضطراب والفوضى والتشريد والضياع؛ فقد قيل لأَحد الحكماء: أين تجد السّرور؟ قال: "في الأمن، فإني وجدت الخائف لا عيش له!"؛ فالأمن هو روح الحياة وقلبها النابض، وفي بيان أهميته قال النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: "من أصبح منكم آمنًا في سربه، مُعافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" [رواه الترمذي] أي: جمعت له الدنيا، فإذا تحقق الأمن ازدهرت الحياة واستقر المجتمع، واستشعر جميع من فيه هناء العيش، فلا هناء في عيشٍ بلا أمن، ولا سعادة في مال بلا استقرار، ونجد في القرآن تلازُمًا وثيقًا بين الأمن ورغد العيش، فقد امتن اللَّه عزَّ وجلَّ على أهل مكة بالأمن والاستقرار، حيث جعلها بلدًا حرامًا يأمن الناس فيها، فقال تعالي: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67]، أي: أجهل هؤلاء قيمة النعمة التي هم فيها، ولم يدركوا ويشاهدوا أنا جعلنا بلدهم مكة حرمًا آمنًا، يأمنون فيه على أموالهم وأنفسهم وأعراضهم، والناس من حولهم يتخطفون ويخافون، وفي آية أخرى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 3-4]؛ فقد جاء الأمنُ مقرونًا بالطعام الذي لا حياة للإنسان بدونه، وعندما دعا الخليل إبراهيم عليه السلام لأهل مكة قال: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: 126]؛ فقدم طلب الأمن على طلب الرزق لأن الأمن ضرورة، ولا يحصل الرزق بانعدامه، ولا يتلذَّذ الناس بالرزق مع وجود الخوف، وأيضًا خاطب يوسفُ عليه السلام والديه وأهله ممتنًّا بنعمة الله عليهم بدخولهم بلدًا آمنًا مستقرًّا تطمئنّ فيه نفوسهم: {وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99].

يُعدُّ الأمن من اللزوام التي يجب توافرها لإتمام أي مصالح دينية أو دنيوية، ولقد دلَّت سائر أحداث التاريخ أن الأوطان لا تزدهر ولا تتقدم إلا في ظلال الاستقرار الذي ينشأ عن استتباب الأمن، وفي ظله تحلو العبادة وتتيسَّر الأرزاق، ويصير النوم سباتًا، والطعام هنيئًا، والشراب مريئًا، وعلى سبيل المثال قد سُئل أحد العلماء: الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال: الأمن أفضل، والدليل على ذلك أنَّ شاةً لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان، ثم إنها تقبل على الرعي والأكل والشرب، ولو أنّها ربطت في موضع وربط بالقرب منها ذئب، فإنها تمسك عن العلف، ولا تتناول شيئًا إلى أن تموت، وذلك يدل على أنَّ الضرر الحاصل من الخوف أشد من الضرر الحاصل من ألم الجسد، اللهم اجعل مصر آمنةً مطمئنةً سخاءً رخاءً يارب العالمين.

 الدكتور صفوت محمد عمارة، من علماء الأزهر الشريف