الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وائل الإبراشى.. الأستاذ والملاذ

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم أتخيل يوما أن أكتب مقالا كى أنعيه!..فقد كان أول من فتح لى باب الكتابة الصحفية عام ٢٠٠٧، بعد تخرجى من قسم الإعلام(شعبة صحافة) بكلية الآداب جامعة عين شمس، فخصص لى مساحة لكتابة مقال أسبوعي فى جريدة”صوت الأمة” التى كان يرأس تحريرها، وسط قامات إعلامية وجامعية كبيرة..ورغم أننى أدخلته صراعا مع بعض قيادات وزارة الثقافة مع أول مقال كتبته، إلا أنه لم يتوقف عن دعمى ومؤازرتى، ولم يستجب لمحاولاتهم المستميتة آنذاك من أجل تحريضه لمنعى من الكتابة، بل شجعنى بتعبيره الشهير”يا قوتك” وبكلماته التى زادتنى حماسا وجعلتنى لا أهاب الهجوم والمعارك التى إشتعلت ضدى!..فلم يخذلنى وكان لى خير عون وسند..وأصبح فعليا هو أستاذى الأول فى الصحافة، كممارسة عملية بعيدا عن قاعات المحاضرات، فكان لا يبخل بنصائحه المختزلة، والتى تعكس قدرته المبهرة فى صياغة العناوين واسلوبه المتميز بالجرأة والتعبيرات النارية، وكنت أتعلم منه بشكل مباشر وغير مباشر.. وكانت سعادتى لا توصف حين يبلغنى بأن بعض أصدقائه من الكتاب والصحفيين الكبار يثنون على مقالتى، فيمنحنى ثقة فى النفس ويدفعنى بكلماته وتشجيعه على الإستمرار..وتوطدت الصداقة حين كنت أقضى ساعات فى مكتبه بصوت الأمة، حيث كنت لا أزال أكتب المقالات بخط اليد وأسلمها يدويا، وشكوت له عدة مرات من بعض الأخطاء الإملائية التى كانت تغير المعنى فى مقالاتى، فطلب منى أن أراجعها بنفسى قبل النشر كى أتأكد من صحتها، فكنت أنتظر أحيانا عدة ساعات فى مكتبه حتى يتم كتابة المقال، وهو ما جعلنى أشاهده فى مواقف كثيرة، سواء فى تعاملاته مع الصحفيين كبارا  وصغارا، أو مع الفنانين والمسئولين، أو مع أصحاب المشاكل الذين كانوا يتوافدون بكثرة فى كل وقت، ويلجأون إليه كى يتبنى مشاكلهم فى الجريدة أو فى برنامجه”الحقيقة”. وكنت ألمس عن قرب مدى طيبته ورقة مشاعره ودماثة خلقه مع الجميع، بل كان يزيد تواضعه مع من هم أقل سلطة أو شهرة..ورغم حدته الظاهرة فى بعض الأحيان، والتى قد تبدو من مقالاته النارية واسلوبه الهجومى فى تحقيقاته المكتوبة والمرئية، إلا أن جرأته الصحفية والعملية تخفى وراءها طبيعة خجولة ورقة ونبل..وقد عشت وتابعت معه معاركه الصحفية وعشرات القضايا المرفوعة ضده، وكنت أعتبره مثلا أعلى فى مواجهة الفساد وقول الحق..وكما كان صاحب الفضل بعد الله تعالى فى تقديمى للصحافة، كان داعما لى أيضا فى مجال العزف، فكنت أتشرف بوجوده فى الصف الأول فى حفلاتى بالاوبرا وغيرها، حتى صار صديقا لأصدقائى وأفراد عائلتى..ولم يثنيه عن حضور حفلاتى إلا إلتزامه بعد ذلك بموعد برنامجه المسائى الذى كان يتعارض مع موعد الحفلات..وائل الإبراشى حباه الله برقى وهيبة وكاريزما طاغية، إنعكست على حب الناس له وإلتفافهم حوله، وكنت أتعجب أنه محبوبا من الجميع حتى من يبدون أنهم أعدائه!..وكما كان ناقدا لازعا يهاجم بشدة وجرأة ما لا يرضيه، كان فى نفس الوقت يتمتع بروح متسامحة لا يغضبها النقد، بل كان يتقبله بمرونة وإبتسامة وثقة بالنفس..ولا يخجل أن يعترف بأخطائه بشجاعة، فهو يعلم أننا جميعا بشر ولسنا معصومين..ولكنه  لم يكن يفعل إلا ما يؤمن به ويتفق مع قناعاته بقدر إستطاعته، حتى وإن أجبرته الظروف على توازنات معينة..بالتأكيد له أخطاءه وزلاته كباق البشر، ولكن ظل نقاءه الداخلى وطيبته الفطرية حصنا، جعله يتمتع بحب الخلق الذى هو إنعكاس لحب الله عز وجل..ولأن الدنيا كثيرا ما تلهينا عمن نحب من أهل وأصدقاء، لذلك لم أقابله منذ عدة سنوات، حيث كان آخر لقاء فى عزاء والدته، إلا أن مكانته ومعزته ظلت كما هى فى قلبى، ولم أتخيل أن يكون العزاء هو اللقاء الأخير!..ولكنه أمر الله وقضائه الذى لا مفر منه!..ورغم أن خبر وفاته زلزلنى، إلا أن ما أحزننى أكثر هو اللغط حول وفاته، والذى قد يؤدى التمادى فيه إلى تشريح الجثمان!..فقد قيل أن الوفاة بسبب خطأ طبى وتعد قتل عمد، ظنا بأن العلاج الذى تناوله قبلها بعام فى بداية إصابته هو ما أدى إلى تدهور حالته!..وهو ما لا يعقل، لأنه حتى وإن كان قد عولج خطأ فى البداية، فلا يمكن أن يكون ذلك هو سبب الوفاة بعدها بعام!..كما أنه لم يسلم من الإصابة والوفاة بسبب ذلك الوباء مئات الأطباء حول العالم!..فلا داع لجعل وائل الابراشي الذى صال وجال فى الصحافة المكتوبة والمرئية، أن يصبح موضوعا صحفيا تتبارى عليه الصحف والمواقع!!..وهو ما آلمنى بشدة وأحزن الكثير من محبيه..لذلك أتمنى من زوجته أن تطوى صفحة الحديث عن ذلك الخطأ الطبى المزعوم..فقد عاش حياته ينأى بنفسه وأسرته أن يكونوا مادة للصحافة وغيرها..وارجو أن يحترم الجميع خصوصيته التى ظل محافظا عليها طوال حياته..فهو بين يدى ربه الآن لا حيلة له فى نفسه، ولم يتبق سوى سيرته ومواقفه النبيلة وعمله الطيب..فكل العزاء لشقيقته الوحيدة السيدة/هدى الإبراشى، ولزوجته السيدة/سحر، وإبنته جيلان أو(جوجو كما كان يناديها) والتى أتمنى أن تحاول جمع مقالاته وموضوعاته الصحفية فى كتب، حتى تظل كلماته واسلوبه الصحفى المتميز مصانة ومتاحة للأجيال القادمة. ويقينى أن إصابته لم تكن سوى إبتلاء لرفع مكانته عند الله تعالى، كما ينقى عباده الصالحين حتى يلقوه أنقياء أطهار.