الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مصر.. فجر ضمير الإنسانية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عندما نذكر اسم مصر فالكل يقف صحرا ومتأدبا، لماذا، لأننا عندما نذكر هذا الاسم فإننا لا نذكر اسما أو لقبا كالأسماء أو كالألقاب، وانما نذكر القيم السامية والتاريخ والحضارة والأخلاق، نذكر شعبا علم الدنيا بأسرها النبل والطهر والصفاء، حينما نذكر مصر، نذكر الإخاء والوداد والمواطنة، والوحدة الوطنية والرباط إلى يوم الدين، نذكر وصايا النبى استوصوا بأهل مصر خيرا فهم فى رباط ووحدة واتحاد، عندما نذكر مصر نذكر قول الله تعالى «ادخلوا مصر إن شاءالله آمنين»، نذكر خزائن الأرض «اجعلنى على خزائن الأرض»، نذكر الطور، طور سينين، سيناء الحبيبة، نذكر هاجر المصرية، وآسيا زوجة فرعون، نذكر ماريا القبطية زوج النبى صلى الله عليه وسلم أم إبراهيم ابن النبى.
نذكر القادة الفاتحين، القادة الذين جعلوا من أرضها مقبرة للغزاة، نذكر حطين وعين جالوت، نذكر سيف الدين قطز والظاهر بيبرس والملك الصالح، نذكر العز بن عبدالسلام، نذكر مقامات أولياء الله الصالحين، نذكر الحسن والحسين، وستنا السيدة زينب، ونفيسة العلوم، والمرسى أبوالعباس، وسيدى أحمد البدوي، نذكر القادة الذين حموا حماها ضد كيد الكائدين وطمع الطامعين وغزاة الغازين، نذكر شبابها الأطهار الذين روت دماؤهم الزكية أرض سيناء الحبيبة، نذكر خير أجناد الأرض، الذين باعوا أنفسهم حسبة لله تعالى ودفاعا عن مقدراتها ومقدساتها، نذكر الآباء والأمهات والأزواج الذين أرسلوا ذويهم وهم يعلمون أنهم قد لا يعودون واحتسبوهم لله تعالى، الذين أعلوا قيمة حب الوطن فرض عين من الأعيان لا من فروض الكفايات.
حين نذكر مصر نذكر مدنها وقراها، نذكر صعيدها وأهله الطيبين، نذكر وجهها البحرى الجميل، نذكر فلاحيها وبشرتهم السمراء التى اشرأبت سمارا من سمرة أرضها الطيبة، نذكر الإسكندرية المارية وجوها الخلاب وبحرها الجذاب، ورمالها الفيروزية المحناة بالزعفران.
حينما نذكر مصر فإننا نذكر فجر الضمير ونذكر المستشرق بريستيد وكتابه فجر الضمير ومكوثه بمصر أعواما طويلة وإنفاقه آلاف الدولارات تارة على نفقته الخاصة وتارة أخرى عن طريق دولته من أجل ماذا كل هذا، من أجل الوقوف على التراث المصرى الكبير وما قدمته الحضارة المصرية للدنيا بأسرها فى العلوم النظرية وكذلك فى العلوم العملية.
فالفجر بزوغ أول ضوء للشمس، وإشراق النور، فمصر فجر للحياة ومطلعها وبدايتها، نعم ولم لا، وقد شهد لها القاصى والدانى بذلك، بل وشهد لها المنصفون من المستشرقين، فشهدت لها زيغريد هونكة وبحضارتها وبأهرامها بأثارها العريقة وبمعابدها ومتاحفها، شهد لها روجيه جارودى فى كتاباته عنها وزياراته المتكررة لها، شهد لها هيرودت، شهد لها وول ديورنت فى قصة الحضارة، شهد لها ولعلومها النظرية والعملية، العملية كعلم الكيمياء وفن الأصباغ التى تستخدم فى الزخارف وأن كلمة كيمى هى الأرض السمراء الخصبة ومن من الأراضى أخصب من أرضها، فى مواسم الحصاد ومعرفة مقاييس ارتفاع النيل وانخفاض منسوبه.
كذلك فى النواحى النظرية والعلوم الحكمية والحديث عن العدالة والإله ماعت إله العدل، والاهتمام بمسألة التوحيد والإله حتب وأخناتون، وكذلك الحديث عن البعث والخلود ودفن أغراض الميت معه أملا فى حياة أخري، ليس هذا وحسب بل والاهتمام بالأخلاق والقيم الخلقية المطلقة والعواطف والمشاعر والوجدان.
انظروا معى إلى كتاب الموتى، أنه لا يصرح للمتوفى بالدفن إلا إذا كتب ذويه أنه كان على قدر كبير من احترام النيل وعدم العبث به، لأنهم كانوا يعلمون علم اليقين أن فى مياه النيل حياتهم ونماءهم ورواءهم ومأكلهم ومشربهم.
انظروا يا من تعبثون بالنيل وماء النيل، وتلوثونه، هؤلاء أجدادكم قالوها منذ آلاف السنين اهتموا بالنيل، يا من تلقون مخلفاتكم ومخلفات مصانعكم، يا من تلقون بحيواناتكم النافقة، ها هم الأجداد قالوها لكم مدوية نيلكم حياتكم، نيلنا خط أحمر لماذا لأنه الحياة لنا، نيلنا دماؤنا التى تجرى فى عروقنا، مياهنا أمننا القومى يا بنى حبيش.
أجدادنا كتبوا تاريخنا القديم بمداد من ذهب مصفي، وفى عصرنا الحديث كتب علماؤنا تاريخنا الحديث بمحابر مدادها من ماء العيون، وماء العيون غال، سطره محمد على باشا رائد نهضة مصر الحديثة، سطره أحمد عرابى باشا، كتبه وأنشده أحمد شوقى باشا، وحافظ إبراهيم الذى كتب للنيل قائلا سمعت فى صوتك الجميل، ما قالت الريح للنخيل.
سطره المناضلون البارودى باشا وسعد زغلول ومصطفى كامل باشا المحام الخطيب المفوه.
غرد به أحمد لطفى السيد ومصطفى باشا عبد الرازق والسنهورى باشا، وطه حسين، وهدى شعراوى وقاسم أمين وعبدالله النديم. سطرته منيرة المهدية، وست الستات قيثارة الشوق أم كلثوم وعبدالوهاب، وحليم.والسنباطى وبكر والموجي، ورامى الأصيل وشمس الأصيل.
ليس هذا وحسب، بل وفى عصرنا الحالى الكل يتسابق للنهوض ببلده الحبيب، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلميا وعسكريا، الكل يسعى بجهود مباركة وبخطى حثيثة نحو رفعة هذا البلد الطيب أهله والذى يستحق منا كل التضحيات كل فى مكانه الطبيب، المهندس، الضابط، المعلم، أستاذ الجامعة، الصانع فى مصنعه، بلدنا أمانة فى أعناقنا وسنسأل عنها أمام الله تعالى، فلا تقاعس ولا تثبيط للهمم ولا تكاسل ولا تواكل، واعلموا علم اليقين أن آباءكم وأجدادكم حملوا مشاعل الجد والكفاح والتنوير واقتطعوا من أقواتهم حتى تتقوت البلد ويعلو شأنها وترتفع راياتها بين الأمم.
يا سيداتى وسادتى بلدنا تستحق منا أكثر من ذلك، تستحق منا كل الجد والاجتهاد والمثابرة والكفاح، لماذا لأنها مصر، ألا يكفيك أنك مصرى وولدت فى بلد النيل وتربيت ونشأت على ثراها وتعلمت فى مدارسها، وأكلت من خيرها.
مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة وهاهى الخطوات تتسارع وقيادتنا لا تألو جهدا فى مواصلة الليل بالنهار للنهوض بهذا البلد عن طريق إحداث نهضة تنموية شاملة مستدامة ستعود بمصرنا سيرتها الأولى، وستضعها فى مكانها الحقيقي، مكان الريادة والسيادة.
فهيا يا سادة يا مصابيح السيادة شمروا سواعد الجد وحققوا لها السعادة.
هيا هيا.
*أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان