تمر هذه الأيام، ذكرى ميلاد واحد من أبرز المفكرين الماركسيين في القرن العشرين، الفيلسوف المناضل الماركسي أنطونيو جرامشي، وأحد أهم قادة ومنظري الحركة الثورية الإيطالية، وكتب عن النظرية السياسية وعلم الاجتماع واللغويات، وحول الخروج عن النظرية الاقتصادية للفكر الماركسي التقليدي.
تلقى جرامشي دروسه في كلية الآداب بتورينو حيث عمل ناقدا مسرحيا عام 1916، وعاش في الثلث الأول من القرن العشرين، وهي فترة حاسمة في تاريخ البشرية، حيث برز فيها على مسرح الأحداث عديد من الانعطافات التاريخية الحاسمة، مثل ثورة أكتوبر في روسيا والأزمة العامة للرأسمالية وصعود الفاشية إلى سدة الحكم في إيطاليا وألمانيا وغيرها من الأحداث التاريخية المهمة، وعايش هذه الأحدث مفكرا ومحللا وممارسا في الحياة السياسية والثقافية، حيث أصدر العديد من الصحف والمجلات التي تعني بمتابعة تطور الحركة التاريخية للطبقة العاملة في إيطاليا والعالم.
في مايو 1922 ذهب جرامشي إلى موسكو، كان هناك عندما استولى موسوليني على السلطة، وفي أعقاب وصوله إلى موسكو تسببت الحالة الصحية السيئة له بدخول إحدى المصحات للعلاج، وهناك التقى زوجة المستقبل جوليا شاخت ليصبح لديه منها ولدين، لم ير أحدهما لأنه ولد في موسكو، حين اعتقل عام 1926 وكان ينقل من سجن إلى آخر، وبعد عامين منح إذن بالكتابة، وفي مارس 1927 وضع خطة بحث كانت القضية المركزية فيها دور المثقفين.
كان جرامشي يرى أنه ليس هناك انفصال بين الإنسان والأشياء التي ينتجها، فإنه ذات ومادة اجتماعية وتاريخية مأخوذتان في علاقة جدية مع الضرورة وهذه النظرة هي التي تفسر نظرية جرامشي السياسية حيث يري أن المجتمع السياسي أو "الدولة" يتكون من أجهزة يغلب عليها القمع، فالدولة تتكون من قوى كاسرة "الجيش، والبوليس، والقضاء، التي يحل محلها خلال الأزمات منظمات خاصة كالميليشيات" ومن أجهزة تصوغ التشريعات وتطبقها "البيروقراطية، الحكومة، البرلمان" وهي الأداة التي تؤمن بها طبقة ما سيطرة على الطبقات الأخرى.
ركز جرامشي في معظم كتاباته على تحليل القضايا السياسية والثقافية وكذلك نقد الزعماء السياسيين ورجال السياسة والثقافة وكان النظام الفاشيستي الإيطالي بزعامة موسوليني قد اعتقل جرامشي في 8 نوفمبر 1926 وأيضا في يونيو 1928، وحكموا عليه بالسجن عشرين عاماً، لم ينقطع علي مواصلة نضاله إلا وهو في السجن، قد أعلن قطيعته مع ستالين، وفي السجن أيضا كتب "دفاتر السجن".
كان نشاط جرامشي مميزاً وكثيفاً أثناء صعود الفاشية في إيطاليا، الأمر الذي دعا المدعي العام في دولة موسوليني إلى القول أثناء محاكمته "يحسب أن نوقف هذا الدماغ عن العمل لمدة عشرين عاما".
بدأت المحاكمة الكبرى ضد جرامشي في نهاية مايو 1928 وحكم عليه بالسجن عشرين عاماً، وتفاقمت حالته الصحية بسبب ظروف سجنه، وتركز نضاله في البقاء جسدياً ومعنوياً، واستطاع إبداع ما سيصبح فيما بعد مرجعية كلاسيكية للفكر السياسي، وفي نهاية عام 1933 نقل إلى أول المراكز الصحية، رهن الاحتجاز.
في أكتوبر 1934 مع وجود العديد من الحملات الواسعة لإطلاق سراحة، حصل على إفراج مشروط، وقدر له ألاّ يغادر المستشفى، وانطفأت حياته في 27 إبريل عام 1937 إثر إصابته بنزيف في المخ، أصابه بعد أيام من حصوله على حريته، وأعلنت وفاته في خبر صغير في الصحافة الإيطالية، ودفن في صمت بمقبرة البروتستانت بروما.