«فيكونُ للذَّليلِ رَجاءٌ وتَسُدُّ الخَطيَّةُ فاها» (أيّوبَ 5: 16) الرجاء هو أجمل عطايا الله، وكانت أول رسالة رجاء للبشرية هي الوعد بالخلاص، وصار رجاء الأجيال المتعاقبة: «وعلَى اسمِهِ يكونُ رَجاءُ الأُمَمِ» (متى ١٢: ٢١)، وهو أحد أعظم رموز المسيحية «الهلب»، وهو وقود الحياة، ودواء اليائس. هو شعاع النور، وهو حبل النجاة، وهو الصخرة في البحر عندما تلاطمنا الأمواج، وهو أعظم سلاح، وأوفى صديق، وهو ركيزة التحدّي، وهو بصيص الضوء الذي نهتدي به إلى الله.
ومهما سقطنا وأحاط بنا الإحباط والكآبة، فإننا نمسك بالرجاء ونطمئن بطول أناة الله. نتشجع بباب التوبة المفتوح، وبالخطاة الذين تابوا، وغفران الله غير المحدود، وإمكانية تحقيق كل شيء بالمسيح. يلوح الرجاء مع اللص اليمين، والفردوس الممتلئ بالمجاهدين، والأماكن المُعدَّة في الملكوت، والشهيد أريانوس الذي تحول من مُضطهِد إلى مُضطهَد، والشاب أغسطينوس الذي تحول من فلسفة هذا الزمان إلى الحكمة السمائية النازلة من عند الله، وتاييس امرأة الأساطير التي انتقلت من الماخور إلى مخادع القديسين.
الرجاء هو البداية من جديد، والاستجابة التي تطلّ مع الهزيع الرابع ننتظرها طوال الليل، وهو الحبة المباركة الباقية في العنقود، والبذرة التي قد تصنع حقلًا من القمح. هو كل إشراقة صباح بعد الظلام الحالك، وكل صرخة مولود بعد طول انتظار، وكل نبتة تظهر من تحت سطح التربة، وكل نَفَس يتردّد داخل الإنسان، وكل بقية من ضمير... جميعها تبعث على الرجاء.
ويبقى الرجاء ويتجدّد طالما في العمر بقية، وما دمنا أحياء فهناك رجاء، يستطيع الإنسان أن يعوِّض كل ما فات «أُسَبِّحُ الرَّبَّ في حَياتي، وأُرَنِّمُ لإلهي ما دُمتُ مَوْجودًا» (مزمور 146: 2)، ويبدأ من جديد ويسبق من سبقوه. ومِن عشق الناس للرجاء، أصبح لغة للتعامل فيُقال: أرجو...الرجاء... ويُرجى... راجيًا.
إن الله ينظر إلى كل شيء جيّد فينا، وإلى كل بقية من صلاح، وإلى كل استعداد ولو بسيطا، وإلى كل إيمان ولو ضعيف، وإلى كل بقية من ضمير. إن خبرة الشعب مع الله خلال تاريخ طويل أنه لا يخيّب رجاء من يمسك به، وقديمًا لم تمنع خطايا الشعب عطايا الله، بل أغدق عليهم عطاياه عندما تعمّق ضعفهم، وهو الداعي إيّانا كلما أخفقنا: «تعالوا إليّ... وأنا أريحكم»، «مَنْ يقبل إليّ لا أخرجه خارجًا».
إن الله لا ييأس منّا، بينما قد نيأس نحن من أنفسنا ومن الآخرين وربما من الله نفسه! لكن الله مستعد دائمًا أن يبدأ معنا من جديد، من الصفر، حتى لو فقدنا كل إمكانياتنا، مهما تعددت مرات السقوط «فيكونُ للذَّليلِ رَجاءٌ وتَسُدُّ الخَطيَّةُ فاها» (أيّوبَ 5: 16). الله لا يرفضنا عنه، بل يلتمس لنا العذر ويدافع عنّا.
ورغم كل الشرور التي تصدر عن البشر فإن الله ما يزال مبقيًا على العالم، لعله يضم عددًا أكبر من البشر إلى ملكوته، ويقول الفيلسوف الهندي طاغور: ”كل طفل يولد يأتي حاملًا رسالة إلى العالم تقول إن الله لم ييأس من الإنسان“، ونحن نصلي في كل ساعة قائلين: ”نشكرك... لأنك أتيت بنا إلى هذه الساعة“. إن الله ينظر إلينا باعتبار ما هو قادم وليس باعتبار ما هو قائم.
«لنَتَمَسَّكْ بإقرارِ الرَّجاءِ راسِخًا، لأنَّ الّذي وعَدَ هو أمينٌ» (عبرانيين ١٠: ٢٣)