هناك نوع من الحب لا يعرفه إلا المحاربون، ذلك الذي يجعلهم شجعانًا عندما يكونون معًا، لكنهم يحطمون أنفسهم وقتما يصبحوا بمفردهم. خلال رحلة على خطى حرب خاسرة، يسرد مراسل الحرب أنتوني لويد لصحيفة صنداي تايمز ما قاله بعض المحاربين البريطانيين القدامي حول تكلفة الحرب الخفية التي يدفعها.
وفقا لما نشرته ذا صنداي تايمز، تحدث أنتوني لويد مع قدامى المحاربين في الحملة الأفغانية حول الحرب والموت والصدمة والذاكرة، لكن الحديث آخذهم في دروب الحرب، ولقصص سردوها تدور حول أفضل الأوقات وأسوأها، بدا الأمر كما لو أن بعض الجنود تحطموا ليس بسبب الحرب فحسب، بل بسبب وداعه.
"بالنسبة لي، عندما أكون في مكان مظلم، آخر شيء أراه جندي يفجر عبوة ناسفة، ويتركون أمره لي لجمع ما تبقى من جسده والعثور على بندقيته"، بهذه الطريقة، أخبرنا الجندي بول جاكوبس، عن دوريته التي تمت في 20 أغسطس 2009. مات الجندي أمامه، وفقد هو بصره وخرج من منطقة القتل، مصابا بشظايا في الفخذين والذراع والوجه والعينين.
آخر ما يتذكره من هذا الموقف هو الرعب. كان عمره 20 عاما. وكان ذلك الصيف نقطة ارتكاز في الحرب الأفغانية، تراخت قبضة التحالف وأصبح الصراع لعبة انتظار واستنزاف كانت ستبلغ ذروتها في أغسطس من العام الماضي، عندما تراجعت أمريكا أولًا وتنازلت عن أفغانستان لطالبان.
أصبح عام 2009 سيئ السمعة منذ ذلك الحين لسبب آخر: كمصدر لمجموعات من حالات الانتحار بين قدامى المحاربين البريطانيين، والذين كانت وفاتهم أكثر ظاهرة لأزمة الصحة العقلية التي تؤثر على أولئك الذين قاتلوا في أفغانستان كأكبر فوج مشاة بريطاني. عانى فوج المشاه البريطاني من أعلى معدل إصابة في الجيش خلال الحملة الأفغانية.
لقي ما لا يقل عن 22 جنديًا سابقًا مصرعهم بسبب الانتحار وفقًا للأرقام التي جمعتها مجموعة الناشطين القدامى. اتبعت كل حالة انتحار مسارًا فريدًا يتضمن عوامل مختلفة، لكن بالنسبة للعديد ممن عادوا مصابين باضطراب ما بعد الصدمة، فقد كان فقدان الاتصال بزملائهم في أعقاب ترك الجيش، والشعور "بالانتماء المحبط"، هو الذي أدى إلى تضخيم صدمة الحرب، ومضاعفة التأثير العقلي للرعب الأصلي. حدثت أشياء سيئة في الحرب، لكن السلام قد يكون جحيمًا أيضًا.
منذ إصابته، برز بول جاكوبس كواحد من أكثر الجنود إلهامًا في الحملة الأفغانية، حيث يقاتل لإعادة تحديد ما يمكن تحقيقه كناجي أعمى، وأضاف عندما كان طفلًا نشأ في دار رعاية وتلقى تنشئة شملت العنف والمشقة والمتاعب. كان جائعا وينام في ظروف قاسية قبل التحاقه بالجيش. كجندي، وجد مكانًا للانتماء والأمن لم يعرفه من قبل.
قال جاكوبس: "جئت من لا شيء، وأصبحت فخور جدًا بأن أرتدي الزي العسكري، حذائي نظيف. لدي حمام وخزانة ملابس وتلفزيون وسرير. شعرت بالأمان. لأول مرة منذ فترة طويلة، شعرت بالأمان. وأردت إثبات نفسي".
قال في مناسبة أخرى: "علمني الجيش كيف أحب، لم يكن لدي حب في حياتي". كان على جاكوبس أن يتأقلم من كونه المقاتل الشاب الذي يريده الجميع مقدمًا في دوريتهم، إلى كونه مدنيًا أعمى مصابًا باضطراب ما بعد الصدمة الشديد ويحتاج إلى مساعدة لعبور طريق. لا بد من قبول هذه الحقيقة.
العام الماضي زاد من أعبائه النفسية. في (يناير)، تلقى جاكوبس خبرًا مفاده أن جنديًا مصابًا بجروح خطيرة كان قد ساعد على إخلائه بعد انفجار عبوة ناسفة قد عُثر عليه ميتًا أثناء نومه. بعد ذلك بوقت قصير، مات ثلاثة من قدامى المحاربين، وجميعهم في الثلاثينيات من العمر، انتحارًا أو حادثًا سيئًا خلال فترة ثلاثة أسابيع.
علي الرغم من أن قصائد هوميروس مليئة بالخسارة والغضب والشعور بالذنب والعزلة التي عاشها المحاربون المصابون نفسيًا. دخلت الحالة إلى الوعي الشعبي الحديث بفيلم First Blood، بطولة سيلفستر ستالون الذي لعب دور المحارب الفيتنامي المخضرم جون رامبو، يتجول في بلدة صغيرة في أمريكا، غير قادر على التكيف مع السلام ومهيأ للتصادم مع السلطة.
يعود معظم الجنود من الحرب دون اضطراب ما بعد الصدمة. ومع ذلك، فمن بين المصابين، فإن الجنود المسرحين من الجيش دون علاج هم الأكثر عرضة لخطر تفاقمها. إن تجربة ترك الفوج، وقطع الاتصال والإحساس المصاحب بـ "الانتماء المحبط"، عندما يقترن باضطراب ما بعد الصدمة، يضيف فتيلًا لصدمة الحرب. في بعض الحالات، يأخذ كل شيء.
عندما عاد أندرو فرانسيس من الحرب ظلت الندوب غير المرئية معه لفترة طويلة بعد عودته إلى الوطن. تحمل الحرارة الشديدة للدوريات، وثقل جهاز الراديو على ظهره، وبندقيته، وذخيرة، وقنابل يدوية، وماء؛ كان يسقط على ركبته كل خمسة أمتار أو نحو ذلك، بينما كان الرجل في المقدمة يمسح الأرض بواسطة كاشف فالون يفحص المواقع المحتملة للعبوات الناسفة؛ فقد أصدقاءه وشهد الآثار المروعة للمتفجرات على أجساد رفاقه من الرماة؛ وعندما لم يكن يشاهد العنف بنفسه، كان يسمع عنه خلال سماعة الرأس الخاصة به: موسيقى تصويرية تضم أحيانًا الصراخ، وفوضى من الأصوات المشوشة والطلبات اليائسة وكرات نارية وانفجارات.
كان بعض الجنود الصغار يبكون ورجال آخرون يصرخون. بعض القتلى فقدوا وجوههم. وصف أحد الجنود التقاط كتل من أحد الرفاق ووضعها على نقالة حتى لا تأكلها الكلاب. في مرحلة ما، اعترف حندي بأنه قتل مراهق أفغاني وذكر أنه علم لاحقًا أن الشاب القتيل "لم يكن ىيحمل سلاحًا".
يوجد أكثر من 1800 جمعية خيرية مسجلة للمحاربين القدامى في المملكة المتحدة، يدعي الكثير منها أنها تقدم علاجًا للصحة العقلية، بدخل سنوي يزيد عن مليار جنيه إسترليني. علاوة على ذلك، في مارس من العام الماضي، أطلقت خدمة الصحة العامة البريطانية خدمة للصحة العقلية مصممة خصيصًا للجنود السابقين.
غالبًا ما يتردد المحاربون القدامى من أفغانستان والعراق في التحدث مع المتخصصين المدنيين حول صدمة الحرب المعقدة، مستشعرين أنه سيتم إساءة فهمهم. يعاني البعض من مشاكل الكحول والمخدرات، وهي عوارض نموذجية لاضطراب ما بعد الصدمة، مما يعقد خيارات العلاج لديهم.
العزلة التي يشعر بها الجنود السابقون كانت عاملًا رئيسيًا في العديد من حالات الانتحار ميليا، جندية تبلغ من العمر 37 عامًا تمت ترقيتها من خلال الرتب وكانت هي نفسها محاربة مخضرمًة في العديد من الجولات العملياتية، تهدف لتوفير نظام إنذار مبكر لأولئك الذين تعرضهم صحتهم العقلية للخطر.
أعادت ميليا الاتصال مع أولئك الذين خدموا في الفوج، وأنشأ شبكة تضم أكثر من 120 متطوعًا في جميع أنحاء المملكة المتحدة من بين قدامى المحاربين للعمل كمرشدين لأولئك الذين يواجهون صعوبات. مع استكمال الخط الساخن الخاص بها، أطلقت ميليا برنامجها في أغسطس الماضي.
أوضحت ميليا: "عندما يتم تحديد أحد المحاربين القدامى في أزمة ما، أو على أعتاب أزمة ما، فعادة ما تكون هناك فجوة تتراوح بين سبعة أيام وسبعة أسابيع قبل أن يتمكنوا من الحصول على المساعدة من خدمات الصحة العقلية".
حتى الآن، على عكس حلفائها الأساسيين في الحروب منذ عام 2001، لم ترسم المملكة المتحدة بعد حجم أزمة الصحة العقلية لقدامى المحاربين. لا تشير تقارير الطب الشرعي عن الوفيات المفاجئة في المملكة المتحدة إلى الخدمة العسكرية السابقة للضحايا، على الرغم من أنهم سيبدأون في القيام بذلك بحلول عام 2023 بدفع من الانتقادات.
وبالمثل، تم إطلاق دراستين مؤخرًا من قبل وزارة الدفاع وجامعة مانشستر حول معدلات الوفيات وأسباب وفاة العسكريين، بمن فيهم قدامى المحاربين، الذين خدموا منذ عام 2001. ومن المتوقع صدور التقرير الأول هذا الصيف.
كشفت الأبحاث التي أجراها مشروع تكاليف الحرب في جامعة براون في الولايات المتحدة الصيف الماضي أن ما يقدر بنحو 30177 جنديًا ومحاربًا أمريكيًا شاركوا في العمليات منذ 11 سبتمبر أنهوا حياتهم، مقارنة بـ 7057 قتلوا في العمليات خلال نفس الفترة.