قبل نحو 40 عاما قدم «محمد عبد الله جلال» نحو قاهرة المعز، شابًا مفعما بالأمل والطموح، تاركًا مسقط رأسه في جنوب الصعيد، للبحث عن فرصة عمل يبدأ من خلالها في الصعود نحو تحقيق الأماني التي رسمها، لتمر الأيام ويصبح من أكبر تجار الخردة بمنطقة شبرا الخيمة، لكنه لم يدرِ أن رحلة الكفاح سيكتب لها الفصل الأخير على يد جاره خنقاً وحرقا ودفن جثته فى الصحراء بسبب ١٠٠ ألف جنيه.
«أبويا كان بتاع ربنا وملوش فى المشاكل».. بهذه الكلمات بدأت السيدة «سحر» الابنة الوحيدة للضحية تروي تفاصيل مقتل والدها قائلة: «والدى طول عمره شغال وشقيان وقضى حياته محافظًا على صلاته وعمله، منذ أن قدم هنا قبل نحو ٤٠ عامًا، فلم يكن يشغل باله سوى بالحصول على الأموال الحلال، فيخرج صباحًا ثم يعود فى المساء إلى المنزل محملًا ببشاير الخير، وينفق أكثر على المحتاجين، فكان دائمًا يردد: «المال ده مش بتاعى ده ملك ربنا وأنا مجرد أمين عليه».
وأضافت: «منذ فترة قدم إلى المنطقة جار لنا يدعى (محمد علي الصغير) واستقر به الحال مع سيدتين متزوج منهما داخل شقة والدته التي تركها قبل ٣٠ عامًا، وأخبر الجميع أنه كان يمتلك مزرعة كبيرة فى مدينة السادات وتعرض لعملية نصب من آخرين قاموا على إثرها بالاستيلاء على المزرعة وطرده فتعدى على أحدهم بالضرب وقضى سنة فى السجن وقرر العودة هنا لمسقط رأسه بعد أن أغلقت الدنيا أبوابها أمامه، لكننا لم نتخيل أنه يخطط لجريمة نصب وقتل سوف يقع ضحيتها والدى».
المجني عليه
وتابعت: «بعدها التقى الجار الشيطان مع والدى وأخبره أنه يعرف صاحب مزرعة فى مدينة السادات يمتلك خردة كبيرة يريد بيعها، وأعطاه رقم هاتف اكتشفنا بعد الواقعة أنه رقم خاص، وكان يحدث أبى منه وأوهمه أنه صاحب المزرعة عن طريق برنامج تغير الصوت الذى كان محملاً على هاتفه».
واستطردت: «ظل المتهم يحدث أبى لمدة شهرين، حتى جاء وقت تنفيذ الخطة الشيطانية، فاتصل بأبى على أنه على صاحب المزرعة وطلب منه السفر إلى منطقة السادات وأخبره بعدم حضور أحد معه، أنا عندى عربيات وعمال وهنحمل لك البضاعة ونوصلها لك لحد المخزن، بس هات معاك ١٠٠ ألف جنيه قيمة البضاعة».
وأوضحت: «فى صباح اليوم التالى من الاتصال الأخير تحرك أبى من المنزل بالأموال، وبعدها حدث والدتى وأخبرها أنه مسافر نحو مدينة السادات لشراء الخردة التى أخبرها بها والتى تحصل عليها بواسطة الجار الضال، إلا أن هاتفه أغلق فى المساء وفشلت أمى فى الوصول له، وعندما أخبرتنى قمت بالاتصال به لكن الرقم كان مغلق، فانطلق زوجى والأقارب يبحثون عنه فى كل مكان، كان لم نجد شيئا، وعندما اتصلت بالجار الذى دل أبى على ذلك الرجل، قال لي: أنا معرفوش أنا مجرد وسيط».
وأردفت: «توجهنا نحو قسم شرطة شبرا الخيمة أول، وحررت محضر باختفاء والدي، وأخبرت رئيس المباحث المقدم أحمد عصر، بكواليس الواقعة وطلب منى الاتصال بالوسيط، ثم أمسك الهاتف وقال له تعال القسم حالًا وهو الأمر الذى تحقق، وبعد احتجازه داخل القسم لمدة ٤ أيام اعترف بارتكاب الواقعة، وأنه أوهم أبي بجميع ما سبق واستدرجه نحو مزرعة وقام بخنقه ثم حفر له حفرة ووضع جثمانه وأشعل النيران فيها، ثم غطاها بالرمال، استقوى على رجل مسن عنده ٧٣ سنة وخلص عليه عشان يسرقة».
واستطردت: «صاحب مزرعة فى مدينة السادات عثر على شىء داخل أرضه فأخبر الأمن وبعدها اكتشفوا أنها جثة أبى بعدما أبلغت مديرية أمن المنوفية قسم شرطة شبرا الخيمة أول، بأوصاف الجثة، وبعد السفر إلى هناك تعرفت عن الجثة من علامه الصلاة التى كانت تزين قورته، وهى الجزء الوحيد الذى لم تأكله النار، لكن باقى جسده تفحم، ثم استلمت الجثة بعد إجراء تحليل لى وعمى وتبين أن الجثة لأبى وقمنا بدفنه».
وناشدت ابنة الضحية المستشار حمادة الصاوى، النائب العام، بالوقوف إلى جوارها، حتى تسترد حق أبيها، الذى قُتَل غدرًا، مختتمة بقولها: «لن يريح قلبى سوى إعدام القاتل».