قال البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي في عظته مساء الأحد الثاني بعد الدنح، عندما سمع تلميذا يوحنّا المعمدان أنّ يسوع المارّ من هناك هو "حمل الله"، تبعاه. وإذ رآهما قال لهما: "ماذا تريدان؟" وكان جوابهما: "يا معلّم، أين تقيم؟" فقال: "تعاليا وانظرا" (يو1: 39). إنّه اللقاء الشخصيّ مع يسوع الذي يكشف ويبدّل، كما جرى لإندراوس ولسمعان بطرس، ومن بعدهما لفيليبّس ونتنائيل، كما سنرى. كم أن كلّ إنسان يأتي إلى العالم بحاجة إلى مثل هذا اللقاء الوجداني بالمسيح، لكي يكتشفه، ولكي يتيح للربّ يسوع إمكانيّة إظهار هويّته ودوره في تصميم الله الخلاصي! في هذه الليتورجيا الإلهيّة، نلتمس نعمة هذا اللقاء.
واضاف قائلا يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا واحيي نقيب الصيادلة الجديد الدكتور جو سلوم، ورئيس غرفة التجارة والصناعة الاوسترالية-اللبنانية القنصل فادي الذوقي، وقنصل لبنان الجديد في سفارتنا في المانيا شربل نصّار.
وأرحب بعائلة المرحوم الشيخ جوزيف رومانوس الخوري، من بلدة حدشيت العزيزة. وقد ودّعناه منذ حوالي الشهر مع إبنه وشقيقه وشقيقاته وعائلاتهم. وبعائلة المرحوم أنطوان بطرس عسّاف الراعي من بلدة الغابات العزيزة الذي ودّعناه منذ ثلاثة أشهر، مع زوجته وابنيه وابنتيه وشقيقه وشقيقته وسائر انسبائه. وإذ نجدّد التعازي الحارّة للعائلتين، نصلّي في هذه الذبيحة المقدّسة لراحة نفسي المرحومين جوزيف وأنطوان، ولعزاء أسرتيهما.
واستطرد قائلا: سمع تلميذا يوحنّا شهادته عن يسوع، فآمنا وتبعاه. "الإيمان من السماع" (روما 10: 17)، يقول بولس الرسول. هكذا تنطلق مسيرة الإيمان، التي تؤدّي إلى اللقاء الشخصيّ الوجدانيّ مع يسوع. تبعاه ليبحثا عنه، فإذا به هو يبحث عنهما وعن رفاقهما، إندراوس، أحد التلميذين، اكتشف وشهد لأخيه سمعان: "لقد وجدنا المسيح!" ولـمّا أتى سمعان مع أخيه ليرى يسوع، فاجأه بقوله: "أنت سمعان بن يونا، وستُدعى الصخرة أي بطرس" (يو 1: 41-42). ومن بعدهما اكتشف فيلبّس فشهد لنتنائيل: "إنّ الذي كتب عنه موسى والأنبياء، قد وجدناه. وهو يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة" (يو 1: 45). ونتنائيل، بعد التشكيك بشهادة فيلبس ذهب معه ليرى يسوع، فاكتشف أنّ يسوع روحيا من الله (يو 1: 49). هؤلاء جميعًا وجدوا، بفضل هذا اللقاء الشخصيّ بيسوع، مكانهم ودورهم في تصميم الله الخلاصيّ، إذ أصبحوا من عداد الرسل الإثني عشر، أعمدة الكنيسة.
وأضاف قائلا: نحن نتساءل عن المسيح، فإذا به هو يسائلنا: "ماذا تريدان؟" نبحث عنه فيجدنا هو ويقول: "إتبعني". إنّنا نجد فيه ذواتنا: "أنت سمعان بن يونا. ستدعى الصخرة". بعد قيامته، لن نسأله: "أين تقيم؟" فهو حيّ وحاضر أبدًا في كنيسته: حاضر في الإفخارستيّا، خبزًا حيًّا نازلًا من السماء، خبز كلامه وخبز جسده ودمه لحياة المؤمنين والعالم (يو 6: 50)؛ حاضر بشخص الكاهن خادم الكلمة، الناطق والفاعل باسمه وبشخصه؛ حاضر في الأسرار، فعندما الكاهن يعمّد، المسيح نفسه هو الذي يعمّد ويمنح نعمة الخلاص؛ حاضر في الجماعة المصلّية كما وعد: "إذا اجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي، أكون هناك بينهم" (دستور الليتورجيا، 7)؛ حاضر في الجائع والعطشان والمريض والغريب والعريان والسجين (راجع متى 25: 35-36).
دعوة يسوع "تعال وانظر" موجّهة بنوع خاص إلى الشباب لأنّ عمرهم عمر البحث عن الذات والمستقبل، عمر القرارات البطوليّة؛ فالشباب "حرّاس الصباح" و"مستكشفو المستقبل". نصلّي من أجلهم لكي يثقوا بالمسيح وبذواتهم، ويصمدوا بوجه مصاعب الحياة. فالكلمة الأخيرة هي للمسيح، سيّد العالم.
واختتم ان هذه الدعوة موجّهة إلى كلّ مسؤول في الكنيسة والمجتمع والدولة، لكي يكتشف سرّ المسيح الذّي علّمنا معنى السلطة، وهي بذل الذات والتفانيّ في سبيل الخير العامّ، الذي منه خير الجميع وخير كلّ شخص.
من هذا المنطلق نتطلّع مع كلّ اللبنانيّين إلى الضرورة الـماسّة لإجراء الإنتخابات النيابيّة في مايو المقبل، لكي تقدّم للوطن نخبا وطنيّةً وأخلاقيّةً جديدةً، وأحزابًا متجَدِّدةً ورائدةً، وقِوى تغيّيرٍ إيجابيّةً، وشخصيّاتٍ صالحةً للمجلسِ النيابيِّ تمثيلًا وتشريعًا. هكذا يكون المجلسُ النيابيُّ الجديد قادرًا على فرز حكومات وازنة تقدّم نمط حكم جديد وشراكة وطنيّة حديثة. ونتطلّع من بعدها إلى الإنتخابات الرئاسيّة في تشرين المقبل، لتكونَ معًا خَشبةَ خلاصٍ للبنان وشعبه من مآسيه المتراكمة والمستمرّة، وليشعر كلُّ مكوّنٍ لبنانيّ أنّه شريك كامل في الوطن والسلطة المركزيّة والمناطقيّة، وذلك في إطار الولاءِ المطلَق للبنان. فالولاء مثل الحياد شرطان أساسيّان لنجاح الشَراكة والمساواة الوطنيّتين.