الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

الدكتور جورج شاكر يكتب: دروس من مدرسة يوحنا المعمدان

الدكتور القس جورج
الدكتور القس جورج شاكر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كانت معمودية يوحنا المعمدان تختلف كل الاختلاف عن المعمودية المسيحية، إذ كانت معمودية المعمدان فرصة للناس أن يعترفوا بخطاياهم ويتوبوا عنها وهم صاعدون من الماء، لذلك عندما التقى السيد المسيح بيوحنا المعمدان وطلب أن يعتمد منه تعجب يوحنا وقال له: «أنا مُحتاجٌ أنْ أعتَمِدَ مِنكَ، وأنتَ تأتي إلَيَّ!» (يو3: 14) فالرب يسوع لم تكن له خطايا ليعترف بها فهو بلا خطية، كيف لا؟! وقد استطاع أن يتحدى الأعداء بقوله: «مَنْ مِنكُمْ يُبَكِّتُني علَى خَطيَّةٍ؟».

ومع ذلك لقد أراد السيد المسيح أن يضع نفسه مع عامة الشعب المعترفين بخطاياهم ويعتمد، وعندما حاول يوحنا المعمدان الاعتذار له عن القيام بهذه المهمة فقال له: «اسمَحِ الآنَ، لأنَّهُ هكذا يَليقُ بنا أنْ نُكَمِّلَ كُلَّ برٍّ». ياه! كم كان السيد المسيح رائعًا فى تواضعه.

حقًا! ما أكثر المرات التى فيها نحن كبشر نرفض فيها الاعتراف بأخطائنا، ونحاول بكل طريقة أن نبرر ما نقترفه من أخطاء، بالرغم أننا نفعل الخطية مع سبق الإصرار والترصد كما يقول أهل القانون نحتاج أن نتعلم من مدرسة يوحنا المعمدان كيف نأتى للرب ونعترف له بخطايانا ونعتذر ونتوبعنها بتواضع حقيقى.

وعند المعمودية نرى يوحنا المعمدان الذى قال عنه ملاك الرب عندما بشر زكريا بميلاده لأنَّهُ يكونُ عظيمًا أمامَ الرَّبِّ.

في هذه الأيام يعتقد البعض أن العظمة مرتبطة بالمركز الاجتماعى، والإمكانيات المادية، والمؤهل الدراسى، وعراقة وأصالة الأسرة.

ولكن الدارس لكلمة الله يرى أن مقاييس العظمة في حياة يوحنا المعمدان هى في أمور كثيرة مختلفة عن ذلك أذكر منها الآتي:

1- عظمة الامتلاء من روح الله

هذا هو سر عظمة يوحنا المعمدان فلقد قال الملاك لأبيه زكريا: «ومِنْ بَطنِ أُمِّهِ يَمتَلِئُ مِنَ الرّوحِ القُدُسِ»، وهل توجد عظمة تفوق سكنى روح الله في حياة الإنسان؟ إنه سكنى اللا محدود في المحدود، فيقول الكتاب المقدس: «أما تعلَمونَ أنَّكُمْ هيكلُ اللهِ، وروحُ اللهِ يَسكُنُ فيكُم؟». إنه هو روح القوة، والمحبة، والحكمة، إنه الروح الذى يقود ويرشد ويعزى، هو الروح الذى يملأ حياتنا بأطيب الثمار «مَحَبَّةٌ، فرَحٌ، سلامٌ، طولُ أناةٍ، لُطفٌ، صَلاحٌ، إيمانٌ، وداعَةٌ، تعَفُّفٌ».

2- العظمة في خدمة الله

لعل أبويه حدثاه عن ولادته المعجزية، وكيف أنه مُعد لرسالة خاصة، لذا لم يفكر سوى في الاختلاء مع الله... ليعد نفسه لخدمته.

لقد كانت حياة يوحنا المعمدان قصيرة ولكنها كانت مثمرة ومؤثرة للغاية فليس المهم فى طول العمر ولكن المهم فى الثمر الذى يحمله العمر.

إن سر عظمة يوحنا أنه عرف مَنْ هو؟ وما يريد أن يحققه؟ وما هى دعوته؟

نعم! إن خدمة الله تاج على رؤوسنا ونيشان على أكتافنا وقلادة في أعناقنا، ووسام على صدورنا.

يظن البعض أن الإنسان العظيم هو مَنْ يتربع على قمة الهرم ولكن السيد المسيح يقلب الهرم ويعلمنا أن العظيم هو الذى يقف عند السفح، وهو الذى يحمل مَنْ هم عند القمة هو الذى يخدم الآخرين، وعلمنا قائلاً: «مَنْ أرادَ أنْ يَصيرَ فيكُم عظيمًا، يكونُ لكُمْ خادِمًا، ومَنْ أرادَ أنْ يَصيرَ فيكُم أوَّلاً، يكونُ للجميعِ عَبدًا»... الإنسان العظيم هو الذى ينادى ويعيش بالمبدأ مهما كلفه من ثمن.

3- العظمة في قول الحق

ولقد استطاع المعمدان أن يقول الحق فى وجه هيرودس الملك وقال له: «لا يَحِلُّ أنْ تكونَ لكَ»

إذ كان قد تعلق بهيروديا زوجة فيلبس أخيه، وكان يريد أن يتزوجها، والمشكلة كانت تكمن في أن فيلبس كان على قيد الحياة.

كما واجه المعمدان الفريسيين والصدوقيين بكل قوة وحسم وقال لهم: «يا أولادَ الأفاعي، مَنْ أراكُمْ أنْ تهرُبوا مِنَ الغَضَبِ الآتي؟ فاصنَعوا أثمارًا تليقُ بالتَّوْبَةِ». كان المعمدان الواعظ المقتدر الذى صرخ فى البرية بصوت زئير الأسد، بأسلوب لا يعرف المداهنة أو التملق، وأخذ يعلن عن غضب الله على الخطية، ويكشف عن السيد الذى يمسك بالفأس ليقطع الشجرة غير المثمرة، والرفش فى يده ليعزل الحنطة من التبن، والجدير بالذكر أن قول الحق كان مكلفاً للغاية، فلقد كلف المعمدان حياته.

4. العظمة في التواضع

 كان يوحنا المعمدان يتسم بالتواضع... لم يكن يهمه المظهر وإنما يهمه الجوهر، عندما سئل: «مَنْ أنتَ؟». فـقالَ: «أنا صوتُ صارِخٍ في البَرِّيَّةِ: الذي يأتي بَعدي، الذي صارَ قُدّامي، الذي لستُ بمُستَحِقٍّ أنْ أحُلَّ سُيورَ حِذائهِ»، والكلام هنا كان عن السيد المسيح.

كما قال عنه: «يَنبَغي أنَّ ذلكَ يَزيدُ وأنِّي أنا أنقُصُ ولهذا تحقق فيه القول الذى فاه به السيد المسيح" مَنْ يَرفَعْ نَفسَهُ يتَّضِعْ، ومَنْ يَضَعْ نَفسَهُ يَرتَفِعْ».