أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء أن الاكتشافات الأثرية القديمة أشارت إلى وجود النجمة السداسية قبل وجود الديانة اليهودية بقرون عديدة، ففى مصر القديمة وجدت منذ عصر ما قبل الأسرات وعند السومريين والآشوريين واليونان ومن بين رموز الديانة الهندوسية التي سبقت وجود اليهودية بآلاف السنين وانتشرت فى العصر الإسلامى بشكل كبير.
وأشار ريحان مستندًا إلى دراسة للباحثة ابتسام أحمد المغربية تحت عنوان "بحث مفصل عن النجمة السداسية بالصور والتوثيقات" إلى العثور على قطعة اثرية مصرية تعود إلى تاريخ ما قبل الأسرات وقبل نشوء الديانة اليهودية تظهر عليها النجمة السداسية بإحدى المقابر الأثرية الموجودة بمدينة أون عاصمة مصر فيما قبل الأسرات بمنطقة عين شمس وكان صاحب المقبرة كاهن المراسم بالمعبد الكبير بالمدينة ووجدت لديه مجموعة من خبز القربان يتكون من 3 أرغفة بأحجام مختلفة أولها يحمل خاتم الملك وهو غطاء الرأس الملكي وثعبان الكوبرا الملكية وكان يزَيّن جبين الملك والرغيف الثاني يحمل بصمة قاعدة العصا الملكية أو الصولجان أمّا الرغيف الثالث وهو أصغرهم حجمًا فيحمل الرمز الشخصي للملك وهو النجمة السداسية.
وأوضح أن النجمة السداسية ارتبطت في العقيدة المصرية بالمعبود "أمسو" الذي كانوا يعتقدونه أول إنسان تحول الى "إله" ثم أصبح اسمه حورس كما كانت تستخدم كشكل زخرفي في غالب الأحيان خاصة في فترة ما قبل الأسرات وظهرت بوضوح في عصر الأسرتين 21 و22 الليبيتين وهما مصريتان وتحت لواء الحضارة المصرية وكانت النجمة بأنواعها تقام على واجهات ومداخل العمائر الضخمة والشهيرة ثم استمر استعمالها في العصور الإسلامية على الأطباق والكراسي.
ونوه ريحان إلى ظهور النجمة السداسية فى الحضارة السومرية حيث اكتشف عالم الآثار العراقي مزاحم محمود بين عامي 1988م و1992 م في منطقة نمرود العراقية آثارًا تعود إلى تاريخ يقدر بثماني قرون قبل الميلاد وسميت هذه الآثار بـ"كنوز النمرود" ويتكون هذ الكنز من 613 قطعة من المجوهرات الذهبية كانت محفوظة في المخازن المحصنة الموجودة تحت الأرض بالمصرف العراقي المركزي ومن بين هذه الآثار هناك قطعة اثرية عبارة عن ختم آشوري مصنوع من الذهب على شكل نجمة سداسية وهذه القطعة موجودة حاليًا في متحف "لوفر" في باريس، وفي متحف فورديرازياتيش ببرلين قطعة أثرية عليها نجمة سداسية تعود إلى الحضارة السومرية وبالضبط إلى 2500 سنة قبل الميلاد.
ولفت إلى وجود النجمة السداسية فى الحضارة اليونانية حيث اكتشف الباحث الآثرى الإيطالي دورو ليفي أحجارًا في كريت بجنوب اليونان بقصر فيستوس عليها آثار للنجمة السداسية تعود إلى 1700 سنة قبل ميلاد السيد المسيح وهو التاريخ الذي دمر فيه قصر فيستوس أي أن الأحجار تعود إلى أكثر من 700 سنة قبل ولادة نبي الله موسى محفوظة الآن في متحف هيراقليون باليونان، كما وجدت على قطع الفسيفساء الرومانية فى قبرص وبلغاريا وتونس.
وأشار ريحان إلى ظهور النجمة السداسية فى الهندوسية إلى ما قبل 2000 سنة قبل الميلاد وتعد النجمة السداسية من أهم رموزها وتسمى شاتكونا وترمز إلى اتحاد القوى المتضادة مثل الماء والنار والذكر والأنثى كما تمثل بوروشكا (الكائن الأسمى) كما تمثل الطبيعة الأم حسب العقيدة الهندوسية وهي ترمز للتجانس الكوني بين شيفا وشاكتي.
وأوضح عن النجمة السداسية فى المسيحية أنها ترمز للمسيح القادم أو الميسيا وهذه الرمزية ترجع عند بعض المسيحيين إلى نبوءة بلعام التي تبشر بالمسيح القادم وتسميه "نجمة" (في ترجمة الحياة) أو "كوكب" في بعض الترجمات الأخرى ((أراه ولكن ليس حاضرًا، وأبصره ولكن ليس قريبًا. يخرج نجم من يعقوب، ويظهر ملك من إسرائيل فيحطم طرفي موآب، ويهلك كل رجال الحرب.
ولد يسوع في بيت لحم أيام هيرودس الملك اذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين "أين هو المولود ملك اليهود؟ فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له" متى الإصحاح 2، وهذا يفسر وجود النجمة السداسية رمزًا عند المسيحيين حتى القرن الثاني عشر ميلادي وتظهر فى زخرفة الكنائس القديمة ومنها كنيسة سان مارتان، ليموكس جنوب غرب فرنسا والتي يعود تاريخ بناءها إلى القرن الثاني عشر الميلادى ، وقطعة نسيج بكنيسة بلدة سافينيي بفرنسا يمثل المعمودية وترجع إلى القرن الثامن عشر الميلادى وتظهر فيها النجمة السداسية ولوحة في كنيسة القديس نيكولا في كروسيفو ـ مقدونيا تمثل السيد المسيح وسط نجمة سداسية.
وأضاف ريحان أن النجمة السداسية وإن وجدت قبل الإسلام؛ إلّا أن الفنان المسلم أبدع فى زخارفها، حيث حملت مدلولًا دينيًا يؤكد العلاقة الوثيقة بين السماء والأرض، فالنجمة السداسية ناجمة عن تداخل مثلثين المتجه رأسه لأعلى وقاعدته لأسفل يمثل الأرض، والمتجه رأسه لأسفل وقاعدته لأعلى يمثل السماء، فأصبحت زخرفة إسلامية بحتة، وجدت على القطع الفنية الإسلامية المكتشفة بحصن رأس راية بطور سيناء، والذى يعود إلى القرن العاشر الميلاد، وجدت النجوم السداسية على المباني الإسلامية ومنها مدخل قلعة الجندي بوسط سيناء، والتي بناها صلاح الدين الأيوبي من عام 579هـ - 1183م.
كما وجد في الآثار الإسلامية بالقاهرة التاريخية في جامع ابن طولون الذي يعود إلى عام 265هـ - 878م، وجامع الطنبغا المرداني بشارع التبانة 740هـ، - 1393م، ومدرسة الأمير قجماس الإسحاقي بشارع الدرب الأحمر 883هـ، - 1478م وعدة آثار إسلامية أخرى.
يذكر ريحان عن علاقة النجمة السداسية باليهودية بأنها لم تصبح رمزًا يهوديًا إلا في العصر الحديث وقام الفنانون التشكيليون اليهود في العصر الحديث أمثال مارك شاجال ممن ينتمون إلى تراث فني غربي بتصويرها ولم تكن النجمة السداسية رمزًا يهوديًا بل كانت شكلًا هندسيًا وحسب، وهي حين ظهرت على بعض المباني اليهودية لم تكن لها دلالة رمزية وإنما كان الغرض منها أداء وظيفة زخرفية، وفي القرن الرابع عشر الميلادى سمح تشارلز الرابع للجماعة اليهودية في براغ بأن يكون لها علمها الخاص، فصورت عليه النجمة السداسية، ومن ثم أصبحت النجمة رمزًا رسميًا دنيويًا لليهود، واتخذها بعض طابعي الكتب اليهود في براغ علامة لهم وانتشرت منها إلى إيطاليا وهولندا، ويُلاحظ أن النجمة السداسية كانت حتى ذلك الوقت مجرد علامة، لا رمزًا دينيًا قوميًا وانتشر استخدام هذه العلامة من براغ إلى الجماعات اليهودية الأخرى واستخدمها أعضاء الجماعة اليهودية في فيينا سنة 1655، وحينما طُردوا منها حملوها إلى مورافيا ووصلت منها إلى أمستردام، ويُلاحَظ أنها لم تنتشر في شرقي أوروبا إلا مع بدايات القرن الثامن عشر الميلادى، ففي هذا التاريخ بدأت النجمة السداسية تتحول إلى شارة لليهود، وفي أوائل القرن التاسع عشر وفي عام 1822م تبنت عائلة روتشيلد في النمسا هذه النجمة رمزًا لها، بعد أن رُفع بعض أعضائها إلى مرتبة النبلاء.
ومع ظهور الصهيونية تبنَّت النجمة السداسية رمزًا لها، ذلك الرمز الذي ظهر على العدد الأول من مجلة دي فيلت التي أصدرها هرتزل في 4 يونيه 1897، ثم اختير رمزًا للمؤتمر الصهيوني الأول ولعَلَم المنظمة الصهيونية.