انطلقت فعاليات النسخة الرابعة من منتدى شباب العالم برعاية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، وبحضور نخبة من رؤساء وقادة العالم والشخصيات البارزة المؤثرة، خلال الفترة من ١٠ إلى ١٣ يناير ٢٠٢٢ بمدينة شرم الشيخ، جنوب سيناء، وسط إجراءات احترازية مشددة للوقاية من انتشار جائحة كورونا.
انعقدت أولى جلسات اليوم الثاني بفعاليات المنتدى تحت عنوان الطريق من "جلاسكو" إلى "شرم الشيخ" لمواجهة التغيرات المناخية، والتي ناقشت ميثاق جلاسكو للمناخ واستعرضت نقاط القوة والضعف به من منظور الدول الافريقية، بالإضافة إلي أبرز المخاطر البيئية والمناخية الحالية والمستقبلية وتأثيرها على دول القارة الإفريقية ومنطقة المتوسط.
واستهلت الجلسة بعرض فيلم تسجيلي قصير بعنوان "الأرض الأم"، يجسد معاناة الكرة الأرضية وما تشهده من تغيرات وظواهر مناخية غير مسبوقة نتيجة لما أحدثته الثورة الصناعية والإهمال المتزايد للبيئة، وجاء الفيلم برسالة تؤكد على أن استمرار هذه الممارسات وتكرار الأفعال الخاطئة لن يؤدي إلى اختلاف النتائج، واختتم الفيلم بدعوة لإنقاذ الأرض من خلال ضرورة رسم طريق جديد إلى المستقبل يكون أكثر أمانا للأجيال القادمة.
أعقب الفيلم التسجيلي كلمه للدكتور مصطفي مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، استعرض من خلالها التجربة المصرية في مواجهة ملف التغيرات المناخية في القمة العالمية للمناخ "Cop26" التي تم انعقادها في مدينة "جلاسكو" عام 2021، وآليات تطبيق ومتابعة مخرجات هذه القمة ضمن المؤتمر المزمع عقده في مدينة شرم الشيخ خلال العام الجاري.
وأوضح "مدبولي" أن التغيرات المناخية أصبحت قضية حاكمة ويجب مواجهتها بكل حزم حيث بلغ حجم الخسائر الاقتصادية العالمية الناجمة عن تغير المناخ نحو 3.6 تريليون دولار حتى 2019، ومن المقدر أن تصل من 280 إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2050، وأكد على أن الدول النامية لم تكن هي المتسببة في هذه التغيرات ولكن لزم عليها أن تدفع تكاليف تلك الآثار جنبًا إلى جنب مع الدول المتقدمة والتي كانت السبب الرئيسي في هذا.
ثم استعرض رئيس الوزراء نظرة على التجربة المصرية في مواجهة تلك التغيرات المناخية، وأهم الخطوات التي تم تنفيذها ومنها تشكيل المجلس الوطني للتغيرات المناخية وإطلاق مشروعات قومية بهدف التكيف وأبرزها تحلية ومعالجة المياه، وتبطين الترع، ومشروع حياة كريمة. وصرح أن مصر من أكثر الدول عرضة للتأثر السلبي بسبب التغير المناخي في حين أنها أقل الدول المتسببة في هذه التغيرات حيث لا تتعدي مساهماتها في الانبعاثات العالمية 0.6%، ولكنها على الجانب الآخر لدينا إمكانيات هائلة في مجال الطاقة المتجددة.
وأكد أن الموضوعات ذات الأولوية التي سيتم مناقشتها في القمة القادمة في شرم الشيخ "Cop27" هي خفض الانبعاثات، والتكيف، والتمويل، والتقييم العالمي. وأوصي بتفعيل دور الشباب في مواجهة التغيرات المناخية وتشجيعهم لتقديم حلول وأفكار ابتكارية لتتبناها الدولة المصرية لتحقيق التكيف والتحول إلى الاقتصاد الأخضر.
واختتم رئيس الوزراء كلمته بمقولة مقتبسة من مارجريت ميد تقول "لا شك في أن مجموعة صغيرة من المواطنين المفكرين والملتزمين يمكنهم تغيير العالم. إنه السبيل الوحيد على الإطلاق لتحقيق ذلك".
وعبر جون كيري، المبعوث الرئاسي للولايات المتحدة لشئون المناخ، عبر المنصة التفاعلية الجديدة لمنتدى شباب العالم عن سعادته بالمشاركة في منتدى شباب العالم، وأضاف أنه لدينا حوالي 8 سنوات قادمة يجب أن نتخذ خلالها قرارات سليمة لتجنب العديد من العواقب الوخيمة الناتجة عن أزمة المناخ، مؤكدًا على ضرورة التزام الدول والحكومات بتحقيق ذلك التحول وأنها ستحتاج إلى استثمار تريليونات من الدولارات واللوائح الجيدة والشفافية وقواعد البيانات السليمة لمساعدتنا لتحقيق الأهداف المرجوة.
واختتم "كيري" حديثه بأنه يتطلع إلى العمل مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، والقيادة المصرية والجهات الحاضرة جميعًا في القمة القادمة "COP27" بشرم الشيخ 2022، وأنه لابد لنا من العمل معًا لكسب هذه المعركة وليكون لدينا القدرة علي صنع المستقبل.
وخلال مشاركته، أكد السفير محمد نصر، مدير إدارة البيئة والتنمية المستدامة بوزارة الخارجية ومستشار مجموعة المفوضين الأفارقة، أن مفاوضات تغير المناخ لم تعد مفاوضات فنية ولكنها أصبحت مفاوضات سياسية ذات بعد فني، فضلا عن أنها مفاوضات تنموية وليست بيئية فقط.
مضيفاً بأن هناك ثلاث تحديات رئيسية خاصة بقضايا التمويل وهي؛ الفجوة ما بين احتياجات الدول النامية والمتاح من التمويل، حيث تبلغ الاحتياجات الواقعية للتمويل المناخي 5.3 تريليون دولار بحلول 2030 في حين أن التمويل المتاح لا يتعدى 600 مليار دولار، بالإضافة إلى عدم تناسب أدوات التمويل المتاحة مع احتياجات وظروف الدول النامية، وأخيرا الإجراءات التنفيذية للتمويل حيث هناك شروط ومتطلبات من قبل مؤسسات التمويل صعبة التحقيق للدول النامية.
ومن جانبها، أكدت إنجر أندرسن، وكيل الأمين العام والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، على أن قمة جلاسكو للمناخ أعطت الخطوات لتمهيد الطريق لاتخاذ قرارات جريئة للوصول إلى بيئة مستدامة، حيث أن هذه القرارات يجب مناقشة تفعيلها وكيفية تنفيذها خلال القمة القادمة COP 27 بمدينة شرم الشيخ 2022.
وأضافت وكيل الأمين العام والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، في مداخلتها عن بعد، أنه لابد أن تحدث التزامات قوية في كافة الدول حيث قطعنا طريقا طويلا في قمة جلاسكو ولكن مازال أمامنا طريقا طويلا لتحقيق التكيف مع تلك المتغيرات، ومن المفترض أنه في Cop27 يكون لكل دولة مسئولياتها وعرضها على طاولة النقاش لمعرفة الخطوات التي اتخذتها والوعود والالتزامات الخاصة بها هل تحققت أم مازالت هناك موضوعات على أجندتها.
واختتمت "أندرسن" حديثها بإشادتها على ما أحرزته مصر وعلى قيادتها الرائعة في ملف التغير المناخي وأنها سوف تقود القمة التالية لجمع الشباب حيث بهم نستطيع أن نغير العالم ونبني المستقبل.
وشارك بيل واير، مراسل شبكة CNN الأمريكية، تجربته مع الحضور، وأوضح أنه خلال زيارته إلى أيسلندا لاحظ تغيرات مناخية مثل الحرائق والأعاصير وذوبان الجليد في القطب الشمالي، هذا بالإضافة إلى زيارته إلى مختلف بقاع العالم التي لاحظ من خلالها الكثير من الكوارث الطبيعية التي خلّفها التغير المناخي، الأمر الذي وصل إلى وقوع عدد كبير من الوفيات جرّاء تلك التغيرات غير المحسوبة وغير المتوقعة، والأخطر من ذلك أن تلك الكوارث تحدث كل يوم بالفعل. واختتم مداخلته قائلًا إن الطريق ما زال طويلًا، موصيًا بأن يكون لدينا قدرة على التكيف مع هذه التغيرات لكني نتعرف على التحديات المتوقعة والوقوف على الموقف الراهن، وأن هناك حاجة ماسة لإجراءات وتغييرات فعلية إيجابية من خلال عمل تحالفات هامة بين الدول.
تحدثت يولاند رايت، المديرة الإعلامية لفقر الأطفال والمناخ والحضر في منظمة إنقاذ الطفولة الدولية، أن التغير المناخي له تأثير بالغ على الهجرة الدولية وأننا نحتاج أن نفكر في السياسات ونعكس الالتزامات التي حدثت في جلاسكو ونتأكد من أنها تحققت في القمة العالمية القادمة "COP27"، بالإضافة إلى أننا نحتاج لإيجاد مزيد من الحلول الخضراء والمبتكرة لتفادي الأسباب المؤدية للتغير المناخي ومواجهة تلك الأزمة.
فيما عرض عقيل حجاج، المدير وكبير المستشارين في شركة "C12 Consultant"، تجربة دور القطاع الخاص في دولة ملاوي في مواجهة العديد من التحديات منها، تزايد السكان، والتغير المناخي، وأشاد بمشروعات مصر لمواجهة التغير المناخي، وأكد على أن القطاع الخاص يتحرك بسرعة في ذلك المجال.
كما استعرض كريم هشام، مؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "هوا دوا"، مشروعه في تطبيق الذكاء الاصطناعي لقياس التلوث البيئي وإيجاد الأماكن الساخنة لوضع حلول قصيرة وطويلة الأجل للمساهمة في مواجهة التغير المناخي، وأكد أن التوافق بين السياسات والتكنولوجيا تزيد من قدرة الشركات الناشئة لمساعدة الحكومات في مواجهة آثار التغير المناخي.
وأوضح ماركو شليتز، استشاري لمؤسسة Open Earth، أن ضعف إتاحة ودقة البيانات المتعلقة بالمناخ التي تقدمها الدول لا تساعد في تطوير سبل وسرعة مواجهة التغير المناخي وتطوير النظام البيئي، وقد استشهد في ذلك بفيلم "Don’t Look Up" التي ساعد توفر البيانات الدقيقة به بالتنبؤ موعد انتهاء الحياة على الكرة الأرضية.
وخلال الجلسة، عقب السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، موجهًا الشكر والترحيب للمتحدثين على ما طرحوه من أفكار خلال الجلسة، مشيرًا إلى أنه ينتوي التحدث بطريقة مختلفة هذه المرة، فالإنسان هو المخلوق الوحيد الموجود على الأرض القادر على الإصلاح بقدر ما هو قادر على التدمير، الأمر النابع عن الشعور بالخطورة الذي أعرب عنه المتحدثون السابقون. أضاف سيادته إن الإنسان قادر على الإعمار، كما أعرب عن تأكيده على قدرة قادة العالم على مجابهة مخاطر تغير المناخ خلال السنوات القادمة.
أشار السيد الرئيس إلى الخطورة النابعة عن ازدياد عدد السيارات المتوقع خلال السنوات القادمة، وأن الحل يكمن في إحلال السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري بسيارات أخرى تعمل بالكهرباء أو الغاز الطبيعي. وهو ما قامت به مصر بالفعل، حيث أطلقت مبادرة منذ خمس سنوات لإحلال تلك السيارات، حتى أن مصر ستصل إلى أول سيارة مصنوعة محليًا عام 2023 تعمل بالكهرباء، ورغم إن تكلفتها ستكون باهظة بعض الشيء، إلا إن الفرصة تظل سانحة أمام القطاع الخاص لاستغلال تلك الفرصة والمساهمة في الإجراءات التي تقلل من أثر التغير المناخي.
استكمل السيد الرئيس حديثه، مشيرًا إلى موضوع البحيرات التي تخضع لعملية تطوير وتطهير كاملة في مساهمة من الدولة المصرية لتحويل تلك البحيرات إلى طاقةٍ اقتصادية. ثم انتقل سيادته بحديثه إلى مبادرة "حياة كريمة" مضيفًا إن الدولة المصرية خصصت أكثر من 80 مليار جنيه مصري لتبطين الترع وإعادة تأهيلها، في الوقت ذاته تتجه الدولة لمتابعة مصانع الحديد والإسمنت ومشروعاتها من أجل التقليل من حجم الانبعاثات، وكذا تطوير شبكة الطرق والكباري لتوفير فرص العمل.
واختتمت الجلسة بتعليق من الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية عما سبق ذكره خلال الجلسة قائلًا: "أشكر جميع المشاركين على دعمهم لمصر في إقامة القمة العالمية للمناخ القادمة "COP27" بشرم الشيخ 2022.
والجدير بالذكر، أن الفيلم التسجيلي "الأرض الأم" الذي تم عرضه خلال الجلسة من إعداد فريق الإنتاج الفني التابع للجنة المنظمة لمنتدى شباب العالم، حيث شاركت في التعليق الصوتي متطوعةً الدكتورة مرفت أبو عوف.