أكدت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية في عددها الصادر اليوم/الثلاثاء/ أن الأزمة الراهنة حول الحدود الأوكرانية من شأنها أن تترك تداعيات وخيمة على أمن أوروبا بأكمله، ومع ذلك، كان غياب القارة في المحادثات بين الناتو وروسيا وأمريكا بشأن هذا الملف "مؤسفا".
واستهلت الصحيفة افتتاحيتها لهذا الشأن، بضرورة أن تعمل أوروبا على "معالجة نقاط ضعفها الاستراتيجية بعد استبعادها من المحادثات الأخيرة، الأمر الذي أثار موجة استياء كبيرة في أعقاب بدء أسبوع من الدبلوماسية المكثفة والمباشرة، بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الضمانات الأمنية ثم مواصلة المحادثات بين روسيا والناتو وبين منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بشأن أوكرانيا.
ومع تفاقم الأزمة، أبرزت الصحيفة أن قادة الاتحاد الأوروبي أصبحوا يتحدثون بشكل متزايد، في التعبير عن استيائهم من استبعادهم من طاولة القمة الدبلوماسية الراهنة، وفي رسالة إلى وزراء الخارجية الأوروبيين، أكد جوزيب بوريل، ممثل الشئون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد أن "الهدف الرئيسي لأوروبا يجب أن يكون ضمان مشاركة الاتحاد الأوروبي في العملية الدبلوماسية الراهنة".
مع ذلك، انتقدت (فاينانشيال تايمز) هذا التصريح ووصفته ب "الغريب"، وقالت: إنه يتعين على بروكسل أن يكون هدفها الرئيسي من ذلك هو ردع العدوان الروسي ومنع الصراع، كما أنه يتعين على القادة الأوروبيين - في كل من بروكسل والعواصم الأخرى- أن يعملوا بجدية أكبر في السر لإصلاح المشكلات التي دفعت الاتحاد الأوروبي إلى هامش المحادثات، وإدراك حقيقة أن جوهر المشكلة الراهنة يتمثل في أن الاتحاد الأوروبي يفتقر حاليا إلى النفوذ العسكري والوحدة الدبلوماسية التي من شأنها أن تجبر الكرملين على الانتباه لمطالبه.
وأضافت الصحيفة أن الروس والأوكرانيين وحتى الأعضاء الشرقيون في الاتحاد الأوروبي، يدركون جميعًا أن قوة الولايات المتحدة تظل أكبر رادع للعدوان الروسي المحتمل، من منطلق حقيقة أن ميزانية الدفاع للولايات المتحدة أكبر بثلاث مرات من الإنفاق الدفاعي الجماعي لأعضاء الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 27 دولة، كما لا تزال جهود الاتحاد الأوروبي للتوسع في المجال الأمني مقصورة على المهام والمبادرات الصغيرة نسبيًا.
وتابعت: أنه إلى جانب ذلك، أضحت الكتلة الأوربية منقسمة سياسيا؛ حيث أن بولندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا حذرة بطبيعة الحال من موسكو وتريد نهجًا متشددا، لكن كانت هناك دائمًا أصوات في المؤسسة الألمانية، لا سيما في قطاع الأعمال الألماني، تدعو إلى التقارب مع روسيا فيما يبذل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، جهودا أحادية الجانب لإعادة العلاقات مع روسيا، رغم أنها قوبلت بفشل متوقع من جانب أوروبيين آخرين.
مع ذلك، يُحسب للاتحاد الأوروبي أنه تمكن من الاتفاق على فرض عقوبات قوية، بشأن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، وتعد السوق الأوروبية الموحدة أحد الأصول الاستراتيجية الهامة، فضلًا عن كونها أحد الأصول الاقتصادية، لكن في الأزمة الحالية من الجدير ملاحظة أن الأمر متروك لإدارة بايدن لتهديد الكرملين بعواقب اقتصادية "مدمرة"، حيث أصبحت أوروبا أكثر هدوءًا فيما يتعلق بموضوع العقوبات المستقبلية //بحسب الصحيفة//.
وقالت الصحيفة "من الصعب دائمًا تكوين إجماع في الاتحاد الأوروبي.. قد يكون الأمر أكثر صعوبة في حالة وقوع هجوم روسي على أوكرانيا، نظرًا لاعتماد العديد من دول الاتحاد الأوروبي - وخاصة ألمانيا - على الغاز الروسي، لقد كافح الاتحاد الأوروبي أيضًا منذ فترة طويلة لتشكيل نهج مشترك لموضوع أمن الطاقة الحاسم".
وأخيرا، قالت (فاينانشيال تايمز) في ختام افتتاحيتها، إن الضعف الحالي الذي يعاني منه الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بأزمة أوكرانيا مؤسفًا بالفعل، لاسيما وأن هذه اللحظة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للأوروبيين وأمنهم، لذلك فإن وجود صوت أقوى وأكثر اتحادًا في الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يساعد الغرب على ردع روسيا، وسيكون من المؤسف أن يتطلب الأمر أزمة أمنية حادة- مثل هجوم روسي على أوكرانيا- لخلق الوحدة والإلحاح اللذين يجتاحهما الاتحاد الأوروبي بشدة!.