اعتبرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية في عددها الصادر اليوم /السبت/ أن القمة المزمع عقدها بين الولايات المتحدة وروسيا في جنيف بعد يومين حول أمن أوروبا تُعيد أذهان العالم إلى ذكريات الحرب الباردة بين الدولتين في تسعينيات القرن الماضي.
واستهلت الصحيفة تقريرا لها في هذا الشأن، نشرته عبر موقعها الرسمي، بقول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيذهب إلى محادثات جنيف بيد قوية بينما يكافح الغرب لتقديم جبهة موحدة، والأمل في موسكو هو تحقيق "نتائج سريعة إلى حد ما"، بينما تتحدث واشنطن عن نتائج غير مؤكدة.
وأضافت الصحيفة: انه في الوقت الذي يستعد فيه الدبلوماسيون الأمريكيون والروس لعقد قمة في جنيف وسط تعرض التوازن الجيوسياسي لأوروبا للخطر، بدا الاختلاف في موسيقى التوقعات صارخا داخل عواصم البلدان المشاركة.
وتابعت: أن وصول روسيا إلى طاولة المفاوضات المقرر انطلاقها بعد غد الاثنين مع نشر أكثر من 100 ألف جندي بشكل خطير على حدود أوكرانيا المجاورة، ثم التهديد بشن عمل عسكري إذا لم تسفر المحادثات عن أي شيء، هو مجرد جزء من نفوذ روسيا الراهن. والأهم من ذلك، حقيقة أن الرئيس بوتين قد حقق بالفعل هدف إجبار الولايات المتحدة على مناقشة عدد كبير من المطالب التي من شأنها أن تعيد تشكيل البنية الأمنية لأوروبا، مع وجود القليل من المجالات للاتفاق المحتمل الذي قد يبدو وكأنه استسلام غربي.
وقالت جودي ديمبسي، وهي كبيرة الزملاء في مؤسسة كارنيجي أوروبا، في تصريحات خاصة للفاينانشيال تايمز: إن بوتين يخوض هذه المحادثات بيد قوية جدا، ومع ذلك، فإنني أعتقد أن هذا الاجتماع أسيء الحكم عليه، وانه لن يسفر إلا عن نجاح هامشي إذا اتحد الغرب معًا وكانت لديهم استراتيجية تفاوضية جادة. وهو الأمر الذي لن يحدث!.
وأضافت ديمبسي أن روسيا نظرت إلى أوروبا من منظور الحرب الباردة لقارة مقسمة بين قوى عظمى، وهو ما يتعارض مع وجهة النظر الأمريكية والأوروبية التي نشأت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، مشيرة إلى أن بوتين ينتمي إلى المدرسة القديمة وانه لن يتخلى عن مجالات النفوذ".
وتتضمن قائمتان من المطالب الروسية التي قُدمت إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" الشهر الماضي حظر انضمام أوكرانيا ودول سوفيتية سابقة أخرى إلى الحلف، وحظر نشر أي صواريخ قريبة بما يكفي لضرب روسيا، وفيتو من جانب الكرملين بشأن مكان نشر قوات وأسلحة الناتو في جميع أعضاء الجناح الشرقي تقريبًا.
وفي هذا، أستطردت الصحيفة تقول إن المفاوضات القادمة تتناغم في جوهرها مع هدفين أساسيين حددا حكم بوتين الممتد لعقدين؛ وهما الاستحواذ على مقعد في الطاولة العلوية الجيوسياسية مقابل الولايات المتحدة، واحتمالية وقف التوسع الشرقي لحلف الناتو وتقليص الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا.
أما بالنسبة للمفاوضين الأمريكيين، بقيادة مساعدة وزيرة الخارجية ويندي شيرمان، فإن وقف تصعيد الأزمة الأوكرانية هو الهدف الأساسي، بحسب الصحيفة، التي أعتبرت أن كيفية تحقيق ذلك دون منح نظرائهم الروس جائزة لأخذها إلى موسكو قد يضعف أمن كييف أو حلفاء الناتو في أوروبا الشرقية الأمر الذي يبدو مهمة محفوفة بالمخاطر.
وقالت جين بساكي، السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، هذا الأسبوع أن الرئيس جو بايدن يعتقد أن محادثات جنيف يمكن أن "تحقق تقدمًا في بعض القضايا، بينما البعض الآخر غير قابل للتطبيق" - وأن الولايات المتحدة لن "تستجيب" لبعض مطالب موسكو. وأضافت: "لا نعرف ما ستجلبه محادثات الأسبوع المقبل إلا اننا نعتقد أن هناك مجالات يمكننا إحراز تقدم فيها مع موسكو. إذا جاؤوا إلى الطاولة مستعدين للقيام بذلك".
وأخيرا، أبرزت الصحيفة البريطانية أن بايدن يتعرض لضغوط متزايدة لنزع فتيل الأزمة في أوكرانيا، والتي تهدد بتقويض سمعته داخل العديد من العواصم الأوروبية بينما يسعى في الوقت نفسه إلى التركيز على قضايا أخرى محلية، من بين ذلك احتواء تفشي متغير أوميكرون من فيروس كورونا المستجد وتهدئة معدلات التضخم.
في الوقت نفسه، يعلم البيت الأبيض أن أي اقتراح باستسلامه للمطالب الروسية من شأنه أن يقوض مزاعمه الخاصة بالوقوف في وجه موسكو، ومن المرجح أن يؤدي إلى رد فعل عنيف من الحزبين على الكابيتول هيل ويقرع أجراس الإنذار بين الحلفاء حول العالم الذين يعتمدون على ذلك وخاصة فيما يخص الضمانات الأمنية الأمريكية /بحسب الصحيفة/.