تواجه حركة النهضة الإخوانية التونسية، خاصة بعد قرارات 25 يوليو، اتهامات عديدة منها التمويل الخارجى ودعم الإرهاب والوقوف وراء قضايا عنف واغتيالات، الأمر الذى يؤثر بدوره على بقاء الحركة فى المشهد السياسى، والذى يُنذر بحلها وحظرها إذا ثبت تورطها فى هذه القضايا.
وتتجه أجهزة الأمن التونسية والنيابة العمومية والقضاء لفتح العديد من الملفات الخاصة بفساد مالى وسياسى وقضايا ذات علاقة بالإرهاب، حيث بدأت فى أواخر العام المنصرم بإدانة الرئيس الأسبق لتونس منصف المرزوقى المدعوم من التنظيم الدولى لجماعة الإخوان، فى قضية الاعتداء على أمن الدولة خارجيا.
كما شهدت الساعات الأولى للعام الحالى توقيف نور الدين البحيرى، نائب رئيس حركة النهضة، ووزير العدل الأسبق، وفتحى البلدى مستشار وزير الداخلية الإخوانى على العريض.
وطالبت أحزاب بكشف تفاصيل توقيف «البحيري»، ما دعا وزير الداخلية التونسى توفيق شرف الدين للخروج لإعطاء بعض التفصيلات حول العملية الأمنية للوزارة، حيث أكد أن شبهات إرهابية جدية ومنح جوازات سفر غير قانونية وراء توقيف قيادات حركة النهضة.
ولم تمض أيام حتى أعلنت وسائل إعلام محلية، أن النيابة قررت إحالة عدد من السياسيين للمحاكمة على ذمة قضايا فساد سياسى، منهم: راشد الغنوشى رئيس الحركة، ورئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، ورئيس حزب «قلب تونس» المعارض نبيل القروى، ورئيس حزب «الاتحاد الوطنى الحر» المعارض سليم الرياحى، ووزير الدفاع الأسبق عبد الكريم الزبيدى.
قبل ذلك، فإن خطابات الرئيس قيس سعيد حملت الكثير من التلميحات حول أطراف سياسية محلية تتعاون مع أجهزة مخابرات أجنبية، وتنشط فى تهريب الأموال، إلى جانب نشر الإشاعات والأكاذيب، وآخرها ما تحدث عنه من رصد لمكالمات هاتفية تتعلق بمقترحات لاغتيال مسئولين بالدولة.
من جانبها طالبت أحزاب سياسية بكشف تفاصيل المكاملة، وضرورة محاسبة «إخوان تونس» فى قضايا تمويل الإرهاب.
حجم سرقات الإخوان
أكد الكاتب والمحلل السياسى التونسى نزار الجليدى، أن القيادات الإخوانية التى شغلت مناصب حساسة فى الدولة طيلة العشرية الماضية تورطوا فى قضايا فساد وقضايا ذات علاقة بالإرهاب.
وخلال تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز» قال «الجليدي": إن إحالة الغنوشى للمحاكمة بشأن مخالفات فى الانتخابات قضية قديمة لكنه لم يتم البت فيها، وذلك لأن الغنوشى ومن معه كانوا يسيطرون على المشهد السياسى فعطلوا ذلك، لكن فى الأيام القادمة سيتضح كل شيء ويكتشف الشعب التونسى حجم السرقة وافتراء الإخوان من خلال استغلال المال فى الخارج واستغلال الفضاء العمومى والقنوات التليفزيونية العمومية، وعدم تقديم الحقيقة للشعب التونسى، إضافة إلى تزوير الانتخابات.
ولفت «الجليدي» إلى أن الكلام عن سقوط تونس فى عزلة دولية غير صحيح، لأن البلاد كانت فى مأزق اقتصادى واجتماعى وصحى خطير إبان الـ٢٥ من يوليو، فلا توجد عزلة بقدر ما هناك بعض المسائل الدبلوماسية العالقة خاصة الاقتصادية، فلابد أن ترتب تونس بيتها الاقتصادى وبيتها الداخلى، وأولوياتها بعد عشر سنوات من دبلوماسية مدمرة تعتمد على الخط الاخوانى، فقدت فيها تونس الشركاء الحقيقيين.
حل الحركة منوط بالقضاء
كما نفى الكاتب والمحلل السياسى التونسى باسل ترجمان استيلاء جماعة الإخوان الإرهابية على المؤسسات التونسية بشكل كامل، مستندًا فى هذا إلى عجز حركة النهضة الإخوانية عن الوصول لأى معلومات حول التحرك ضدهم على الأرض خاصة إبان قرارات ٢٥ جويلية، وقرارات تطهير المؤسسات الأساسية من العناصر التى قاموا بدسها خلال الفترات الماضية.
وقال «ترجمان» فى تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز": إن حل حركة النهضة أمر يقرره القضاء، وليس لأى طرف سياسى فى تونس أن يحظر حزبًا أو يحل حركة، لأن ذلك هو القانون.
وحول استبعاد راشد الغنوشى، رئيس حركة النهضة، حلها، أوضح «ترجمان» أن هذا أمر طبيعى، لأنه ليس من المعقول أن يقول إن الحركة سوف تحل، فذلك سيزيد موقفها ضعفا وإنهاكًا.
وتابع «ترجمان»، أن الرئيس التونسى لن يحل الجماعة، لأن حل الأحزاب والجمعيات بيد القضاء، وعندما يثبت القضاء تورط الحركة فى قضايا التمويل الأجنبى مثل ما هو موجه لها الآن، أو مثل قضايا التلاعب بنتيجة الانتخابات، أو قضايا إرهاب مثل اغتيال الشهيد محمد البراهمى فلن يتأخر القضاء عن حلها، وبالتالى فالقضية ليس لها بُعد سياسى بقدر ما لها بُعد قضائى وقانونى، وهذا من أجل تثبيت دولة القانون والحقوق والمؤسسات فى تونس.
ويتوقع «ترجمان» أن يتحرك القضاء مع مطلع العام الجديد من أجل كشف رموز وحقائق تلك القضايا الغامضة خاصة بعد زوال الغطاء السياسى الذى كان يوفره تحالف حركة النهضة مع حزب الباجى السبسى فى الفترة التى سبقت انتخابات ٢٠١٩ وتحالفها مع الحكومات التى عملت معها مثل حكومة يوسف الشاهد، ما ضمن لها ألا يكون هناك متابعة حقيقية لكشف ملفات تورطت بها حركة النهضة.
تحرير القضاء من الإخوان يفيد التحقيقات
وعلَّق «ترجمان» على قرار وزيرة العدل التونسية فتح تحقيقات فى ملابسات وفاة رئيس الجمهورية السابق الباجى قايد السبسى، قائلا: إن التحقيقات التى أمرت بها وزيرة العدل جاءت بناء على شكايات قدمت وذُكرت فى وسائل إعلام، وتحدث عنه فيما سبق نجل الرئيس السابق، لكنه من المبكر جدًا توجيه أى اتهامات حول إمكانية وفاة السبسى بطريقة غير طبيعية مثل التسمم، وليس من مصلحة التحقيق أن يتم استباقه.
وأضاف «ترجمان»، أن القضاء التونسى سيبدأ عملا جديًا خاصة وأن هناك متغيرات بالقضاء اليوم، بعد أن رُفعت يد حركة النهضة عنه، وبعد تفكيك جزء كبير من المنظومة الخاضعة لحركة النهضة داخل مؤسسات القضاء، وهذا بدا واضحًا بعد إعفاء الوكيل العام للجمهورية فى المحكمة الابتدائية بشير العكرمى من مهامه، بالإضافة لرئيس محكمة التعقيب الطيب راشد، وقد تورطا فى عدد من القضايا مع حركة النهضة الإخوانية.
وأكد الكاتب التونسى، أن الحركة تواجه عدة قضايا منها تورط جهازها السرى فى اغتيال البراهمى خاصة وأن هناك شخصا موقوفا تابعا لحركة النهضة وعضوا بجهازها السرى على ذمة القضية وهو مصطفى خضر.
الشعب يسترد السلطة
وأشادت الدكتورة مريم الدزيرى، الباحثة فى مجال الأدب القديم وأدب التصوف، بخطوة الدولة التونسية نحو «الاستشارة الاليكترونية»، قائلة: أعتقد أنها خطوة جيّدة فى طريق الإصلاح، ومعرفة آراء كل شرائح المجتمع، خاصّة أن الغاية منها هى رد السلطة إلى الشعب، بعد أن عادت إليه فى الـ٢٥ من يوليو٢٠٢١، فكما اختار الشعب التحرّر سيختار أن يقول كلمته بكلّ حرّية.
وخلال تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز» أكدت «الدزيري» أن الاستشارة ستعيد للفئات المهمشة اعتبارها ودورها، وقد تعرض آراء جديدة بنفس شبابى، خاصة وأنها ستقودنا إلى إعادة المشهد الانتخابى الذى ينتظره الشعب بعد سنوات عديدة من الخراب.
وتعتقد الباحثة التونسية أن المعارضين لهذه الاستشارة هم من استفادوا من عشرية الخراب المنقضية، ومن مصلحتهم أن يظل الوضع على حاله هربًا من المساءلة.
واختتمت أن الإصلاحات عديدة، وأساسها اقتصادية واجتماعية عاجلة لتحقيق التوازن داخل المجتمع التونسى، ولأجل أن يسترد الاقتصاد الوطنى أنفاسه.
الغنوشى: صفحتنا بيضاء
بدوره استبعد راشد الغنوشى أن يتجه الرئيس قيس سعيد لحل حركة النهضة قائلا: إن حل الحركة ليس فى صالح الرئيس.
وفى حوار مع إحدى القنوات الفضائية، ٢٢ ديسمبر الماضى، قال الغنوشى: إن وجودهم فى الحكم منذ العام ٢٠١١ كان بهدف الحفاظ على جسر العبور من الاستبداد إلى الديمقراطية، وأن ١٠ سنوات ليست بالمدة الطويلة فى عمر الثورات. وذلك فى محاولة منه لتبرير التراجع الاقتصادى والانسداد السياسى فى البلاد طوال فترة تواجدهم فى الحكومة وسيطرتهم عليها.
وتهرب «الغنوشي» من إجابة سؤال محاوره عن الأزمات الاقتصادية، والذى جاء فيه إن حالة النجاح التى يدعيها تقتضى حالة من الرخاء الاقتصادى والاجتماعى. ليرد الغنوشى متسائلا فى حالة اندهاش: ومن قال إن الثورات تجلب المن والسلوى بين ليلة وضحاها؟ نحن مازلنا فى مرحلة انتقالية.
ورأى «الغنوشي» أنه لو استمرت حالة الأزمة الاقتصادية إبان تواجدهم لعشر سنوات أو لعشرين سنة أو مائة سنة، لا يعد مشكلة كبيرة طالما هم يعملون على تحقيق الديمقراطية والحفاظ على جسر العبور من الاستبداد إلى الديمقراطية.
وفى الوقت الذى بحث فيه الغنوشى عن مبرر للأزمات الاقتصادية إبان سيطرتهم على الحكومات، هاجم «الغنوشي» الرئيس سعيد واصفًا الوضع الاقتصادى بالمتفاقم، ليجد أنه من المنطقى أن تفشل حركة النهضة فى تعزيز الحالة الاقتصادية لتونس فى عشر سنوات بينما لا يجد مبررا لسوء الوضع الاقتصادى فى ٥ أشهر فقط أعقبت قرارات الرئيس سعيد.
وطلب محاوره أن يفسر للناس تصريحه المثير للجدل والذى جاء فيه أن «مجلس النواب عائد أحب من أحب وكره من كره"؛ ليراوغ «الغنوشي» قائلا: لا يوجد أى نظام دولة يستمر دون برلمان؛ ليسأله المحاور: سيأتى برلمان جديد غير الموجود حاليا ومجمد، ويرد «الغنوشي": ومن قال إن هذا البرلمان الحالى سيخلد؟
ومن خلال هذه الإجابة أعلن «الغنوشي» تراجعًا كبيرا عن الحدة التى أظهرتها تصريحاته فى أوقات سابقة، ليستكمل تراجعاته ويعلن أنه طلب الحوار والتواصل مع مؤسسة الرئاسة لكنه إلى الوقت الحالى لا يجد استجابة من الرئيس سعيد، كما أكد أنه طلب الاستقالة من رئاسة البرلمان المجمد فى ظل البحث عن حل مع الرئاسة التونسية، لكن لا أحد يرد عليه.
ورغم تراجع «الغنوشي» عن عدد من المواقف السابقة له، فإنه حافظ على رفض قرارات الرئيس سعيد، ولم يُخفِ غضبه الشديد من تلميحات الرئيس سعيد المستمرة بارتكابهم لعدد من الجرائم والمخالفات، قائلا: يشنون علينا حربًا فى الإعلام، وينقلون منابر القضاء إلى الإعلام، ونحن نمتلك صحيفة بيضاء بالكامل».