تعيش كازاخستان فى حالة من الترقب وسط محاولات لضبط الأمن، بعد موجة احتجاجات بدأت بمطالب اقتصادية بالرغم أنها من الدول الغنية بالنفط فى آسيا الوسطى، وتحولت لاحقا لاشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن بعدد من المدن، ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تقريرا تناولت فيه الأحداث الأخيرة فى البلد الآسيوى.
وقالت الصحيفة إن آلاف المحتجين الغاضبين خرجوا إلى شوارع كازاخستان فى الأيام الأخيرة، فى أكبر أزمة تهز الدولة الاستبدادية منذ عقود. تمثل الأحداث تحديًا صارخًا للرئيس قاسم جومارت توكاييف بعد أقل من ثلاث سنوات من حكمه، وهى تزعزع استقرار منطقة مضطربة بالفعل حيث تتنافس روسيا والولايات المتحدة على النفوذ.
وأظهر مقطع فيديو نُشر على الإنترنت مؤخرا أشخاصًا يقتحمون المبنى الحكومى الرئيسى فى «ألماتي»، أكبر مدينة فى البلاد، بينما أشعل المتظاهرون النار فى سيارات الشرطة، وكذلك فى الفرع الإقليمى لحزب نور أوتان الحاكم.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاحتجاجات اندلعت بسبب الغضب من ارتفاع أسعار الوقود، ولكن بالرغم من موافقة السلطات على خفض الأسعار إلى مستواها السابق، لم تهدأ المظاهرات بل امتدت لأنحاء أخرى فى البلاد، ما دفع الرئيس قاسم جومارت توكاييف لإقالة الحكومة وإعلان حالة الطوارئ فى عموم البلاد، بما فيها العاصمة نور سلطان."لكنها تكثفت لتصبح شيئًا أكثر أهمية وقابلية للاشتعال: استياء واسع النطاق من الحكومة الاستبدادية الخانقة وانتقاد حاد للفساد المنتشر الذى أدى إلى تركز الثروة داخل نخبة سياسية واقتصادية صغيرة».
وأضافت أنه عندما رفعت الحكومة الحدود القصوى لأسعار غاز البترول المسال وهو وقود منخفض الكربون يستخدمه العديد من الكازاخيين لتشغيل سياراتهم، أدى ذلك إلى غضب و الاحتجاجات لها جذور عميقة، ما فى ذلك الغضب من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، والتى تفاقمت بسبب تفشى الوباء، فضلاً عن الافتقار إلى الديمقراطية الحقيقية. ومتوسط الراتب فى كازاخستان يعادل ٥٧٠ دولارًا شهريًا، وفقًا لإحصاءات الحكومة، على الرغم من أن الكثير من الناس يكسبون رواتب أقل بكثير.
وبالرغم من خفض الحكومة أسعار الوقود إلا أن نطاق المتظاهرين اتسع ليشمل تحررًا سياسيًا أوسع. ومن بين التغييرات التى يسعون إليها الانتخاب المباشر لقادة كازاخستان الإقليميين، بدلاً من نظام التعيينات الحالى من قبل الرئيس.
وأضافت: «باختصار، إنهم يطالبون بالإطاحة بالقوى السياسية التى حكمت البلاد من دون أى معارضة كبيرة منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتى عام ١٩٩١».
وتقع كازاخستان بين روسيا والصين، وهى أكبر دولة غير ساحلية فى العالم، وأكبر من أوروبا الغربية بأكملها، على الرغم من أن عدد سكانها لا يتجاوز ١٩ مليون نسمة.
وقالت الصحيفة إن الاحتجاجات تنبع أيضًا من كون كازاخستان متحالفة مع روسيا، وهى كيان مزدوج من نوع ما بالنسبة لروسيا من حيث أنظمته الاقتصادية والسياسية، وجزء من مجال نفوذ روسيا بالنسبة للكرملين، تمثل الأحداث تحديًا آخر محتملًا للسلطة الاستبدادية فى دولة مجاورة.
وهذه هى الانتفاضة الثالثة ضد دولة استبدادية متحالفة مع الكرملين، فى أعقاب الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية فى أوكرانيا فى عام ٢٠١٤ وفى بيلاروسيا فى عام ٢٠٢٠. فالفوضى تهدد بتقويض نفوذ موسكو فى المنطقة فى وقت تحاول فيه روسيا تأكيد اقتصادها وقوتها الجيوسياسية فى دول مثل أوكرانيا وبيلاروسيا»
وأشارت «نيويورك تايمز» إلى أن دول الاتحاد السوفيتى السابق تراقب الاحتجاجات عن كثب، ويمكن أن تساعد الأحداث فى كازاخستان فى تنشيط قوى المعارضة فى أماكن أخرى.
كما أن كازاخستان مهمة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، بالنسبة لمخاوف الطاقة الأمريكية، حيث استثمرت شركتا إكسون موبيل وشيفرون عشرات المليارات من الدولارات فى غرب كازاخستان، المنطقة التى بدأت فيها الاضطرابات هذا الشهر.