قبل أيام فوجئت العشرات من السيدات المسلمات في الهند أنهن معروضات للبيع على الإنترنت، ومن بين الصور مجموعة من الصحفيات والناشطات المسلمات، علاوة على ممثلة شهيرة، دون إذن منهم، ثم وُضعت كلمة "للبيع" ليبدو الأمر وكأنه مزاد لبيعهن.
الصور المعروضة على الانترنت لنساء بارزات في المجتمع الهندي كانت تهدف إلى الإساءة للمسلمات، حيث نشر شاب يبلغ من العمر 21 عاما، صور لـ 100 سيدة مسلمة، عبر تطبيق يدعى "بولي باي - Bulli-Bai"، الذي أزيل من في وقت سابق من على منصات التطبيقات المختلفة على جوجل وآب ستور، بعد سلسلة من البلاغات من قبل الضحايا.
جريمة متكررة
مشهد المزاد العلني لبيع النساء على الانترنت جريمة متكررة في الهند، لم تكن هذه هي الواقعة الأولى ضد سيدات مسلمات، حيث بات أسلوب متبع للتحرش بالنساء المسلمات في الهند، ففي يوليو من العام الماضي، نشر موقع آخر يسمى "سولي ديلز" 80 صورة لسيدات مسلمات، تحت عنوان "صفقات اليوم"، وقال الموقع إنه مزاد علني لبيع السيدات، في انتهاك صارخ للحريات الشخصية.
وفي المرتين لم تكن هناك نية لبيع السيدات المعروضات في الصور، بل كان الهدف التحرش والإهانة الصريحة للمسلمات في الهند،حيث تستخدم كلمتا "سولي"، و"بولي" في اللغة الهندية الدارجة للتعبير عن النساء المسلمات بشكل مثير للازدراء والتحقير.
ولعل السبب وراء تكرار نفس الواقعة، هو عدم اتخاذ قرار حازم من قبل السلطات الهندية لردع القائمين على هذه الأفعال، فبرغم مرور أكثر من 6 أشهر على تحقيقات الشرطة، في المحاولة الأولى، إلا أنها لم تسفر عن شيء، ولم تؤد إلى اعتقال أي متهم، وفي المرة الثانية أعلنت الشرطة عن اعتقال الشاب القائم على "المزاد"، وامرأة أخرى على علاقة بالواقعة، إلا أن الكثير من الناشطين أكدوا أن عدم اتخاذ موقف حاسم لا يزال مرجح في ظل الة من التعصب ضد المسلمين في الهند في ظل السلطة الحالية.
وغردت النائبة البرلمانية، بريانكا شاتورفي، من حزب، شيف سينا، على حسابها على منصة تويتر، قائلة إنه "علاوة على منع هذه المنصات، من المهم معاقبة المنتهكين، الذين يبتكرون هذه المواقع"، وقالت البرمانية إن من صنعوا هذا التطبيق أقدموا على ذلك بسبب عدم معاقبة صانعي موقع "سولي ديلز" حتى الآن.
قرارات لوقف الجرائم
وبعد ساعات من الحادث الثاني خرج وزير التكنولوجيا الهندي، أشويني فيشناف، مؤكدا أن منصة "غت هاب" التي نشرت التطبيق، أوقفت صاحبه وأزالت التطبيق، وأن الوزارة على تواصل مع المنصات الرقمية، للتنسيق "لعمل إضافي"، وهو ما أكده المتحدث باسم، منصة "غيت هاب" قائلا إن المنصة علقت حساب المستخدم الذي نشر التطبيق، بسبب بلاغات تلقتها، وتبين أنه يخرق سياسات المنصة.
وكشف تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية عن التحرش الرقمي في الهند أن المرأة كانت أكثر عرضة للتحرش على الإنترنت، كما يتزايد معدل التحرش بحق النساء من الأقليات الدينية، والعرقيات المختلفة منذ عام 2018.
عرئس للبيع في الصين
ومن الهند إلى الصين، حيث عرض موقع "تاوباو"، وهو من أكبر المتاجر على الإنترنت في الصين، منتجا غير تقليدى بالمرة لا يتعلق الأمر هنا بمنتوجات صينية أو خدمات مقدمة، بل كان المنتج المعروض عرائس فيتنامية للبيع خلال الاحتفال بـ"عيد العزاب" وهو الموافق ليوم 11\11، وأكد الموقع وجود 98 منتجا متاحا مقابل مبلغ رخيص وصل إلى 9998 يوان أو 1500 دولار أمريكى.
وكان هذا الإعلان معروض على الموقع من قبل بائع يدعى وانغ شياو، حيث تباهى ببيع أكثر من 2500 منتج في 30 يوما فقط، وبعدها اختفى الإعلان في ساعات قليلة، ولم يتضح بعد ما إذا كان الموقع حجب الإعلان أم أنه تم بيع النساء.
بيع العاملات في الخليج
وعلى غرار الموقع الصيني، توجد العديد من التطبيقات التي تحولت إلى تجارة البشر وبخاصة في دول الخليج العربي، فبجانب السيارات والسلع الاستهلاكية والخدمات المختلفت راحت تطبيقات شهيرة في دول الخليج العربي لنشر صور العاملات تحت عنوان "للبيع"، حيث يطرح العارض صور للعاملات وبجانبها مبلغ من المال مقابل التنازل عنها أو بالمعني الحرفي التنازل عن نظام الكفالة الذي تحول إلى وثيقة لحرية التصرف الكامل في العاملة المنزلية في الأونة الأخيرة.
" 4sale " بوابة لبيع النساء في الكويت
من أشهر التطبيقات والمواقع التي تمتهن بيع النساء على الإنترنت جاء في الصدارة تطبيق وموقع "4 sale "، وهو التطبيق الأكثر شهرة في الكويت، ويعرض بجانب السلع المختلفة، صورا للعاملات المنزليات تحت عنوان "للبيع"، في انتهاك صارخ للقوانين الكويتية والمواثيق الدولية أيضا.
وتؤكد مؤسسة "سانديغان" المتخصصة في الحفاظ على حقوق وحريات العاملات المنزليات في الكويت، أن الآلاف من العاملات بترضن لجرائم ممنهجة سنويا، حيث يتعامل معها الكفيل على أنها ملكية خاصة بها، يمكنه عرضها للبيع عبر الإنترنت على الرغم من مخالفتاه اللقوانين الكورتية والدولية.
ومن الكويت إلى السعودية، يوجد موقع وتطبيق "حراج" والذي لا يختلف كثيرا عن "4 sale " حيث يتيح تداول صورا للعاملات المنزليات لبيعهن مقابل مبالغ مالية أو تأجيرهن بالساعة، مقابل أجر محدد مسبقا، كما تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي وأبرزها "واتس آب" و"أنستغرام" لعرض النساء للبيع كعاملات عبر هاشتاغات مثل “خادمات للنقل” أو “خادمات للبيع”، في حين تقام سوق سوداء متنامية عبر تطبيقات تواصل متاحة في متجري “جوجل بلاي” و”آب ستور".
الكويت تحاول التصدي للظاهرة
وأعلنت السلطات الكويتية العام الماضي، استدعاء عددًا من مالكي حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن نشرت تلك الحسابات إعلانات لبيع البشر، وأمرتهم بإزالة إعلاناتهم من الإنترنت، بالإضافة إلى إجبارهم على توقيع التزام قانوني بعدم المشاركة في أنشطة مماثلة مستقبلًا.
"داعش" يعيد سوق العبودية عبر "واتس آب"
وفي 2018 كانت الواقعة الأبرز عربيا، خاصة في العراق وسوريا، حيث كشفت سيدة أيزيدية تعرضت للأسر من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي، معاناة السيدات اللاتي عرضن للبيع عبر تطبيق التراسل الفوري "واتس آب"، حيث عرض التنظيم أكثر من 3500 سيدة أيزيدية للبيع "كجارية" أسيرة تستخدم كأداة جنسية للرجال في التنظيم.
الأيزيدية "نادية مراد طه" التي حررت من الأسر، وعينت فيما بعد سفيرة للنوايا الحسنة لقضية الناجين من معاناة الاتجار بالبشر، روت تفاصيل مرعبة حول الاستغلال الجنسي للسيدات ودعت إلى ضرورة وقف حاسم لكل أشكال الاتجار في البشر حول العالم.
إحصائيات وأرقام حول الإتجار بالبشر
وعلى الرغم من تجريم الإتجار بالبشر، الا أن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن حوالي 45.8 مليون شخص على قيد الحياة اليوم يعيشون تحت قيد العبودية، حيث يتعرض الكثيرون لأفعال مثل الاستغلال الجنسي والخدمة العسكرية والعمل الجبري في البناء، والتنظيف، وحفر الخنادق، والتعدين والزراعة.
ووفقا لتقارير الأمم المتحدة، استخدم تطبيق الاتصالات المشفر تليغرام (Telegram) لعقد مزادات لبيع الرقيق على الانترنت، وقاموا بتداول صورا للنساء اليزيديات الأسيرات، ويعتقد أن أكثر من 5000 امرأة ورجل وطفل يزيدي وقعوا تحت وطأ استعباد تنظيم "داعش"، ووجدت لجنة تحقيق حديثة تابعة للأمم المتحدة أن رجالا من الجزائر واستراليا وبلجيكا ومصر والعراق وكازاخستان وليبيا والمغرب والسعودية والسودان وسوريا وتونس وتركيا وأوزبكستان قد شاركوا في جرائم استرقاق الأفراد والاتجار بهم من قبل الجماعات المسلحة مثل "داعش" و"بوكو حرام".
وفي مايو 2021، كشف تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا "الإسكوا" عن زيادة في نسبة الاتجار بالبشر في الدول العربية بسبب جائحة كورونا.
جاء في التقرير أن المتاجرين بالبشر باتوا أكثر قدرةً على إخفاء عملياتهم والإفلات من العقاب لأن الحكومات تحول ّمواردها نحو التصدي للجائحة، ولأن الشرطة قد أسُندت إليها مهام جديدة لإنفاذ إجراءات الإغلاق، كما أن شبكات الاتجار والتهريب الإجرامية وفقا لوصف التقرير باتت تملأ الفراغ الذي أوجدته الصدمات الاقتصادية المرتبطة بفيروس كورونا، فهي تقدم خيارات للمهاجرين واللاجئين الذين يفتقرون إلى الدخل أو القدرة على التنقل.
وتؤكد تقارير الأمم المتحدة حول الإتجار بالبشر، أن الإنسان أصبح سلعة لدى بعض العصابات الدولية و، ويتراوح سعره ما بين 10 دولارات و10 آلاف دولار، كما تستحوذ العصابات المنظمة على نسبة 65% من الجرائم الخاصة بالاتجار بالبشر، بينما 35% من هذه الجرائم تتم عبر عصابات صغرى، وداخل الإقليم الواحد، وأغلبها تتم في شكل زواج القاصرات، والعمالة القسرية في المنازل، في العديد من الدول العربية وآسيا والهند.
وفي عام 2014، ذهب تقرير لمنظمة العمل الدولية إلى أن أرباح الاتجار بالبشر على مستوى العالم، تقدر بنحو 150 مليار دولار سنويا، تمثل النسبة الأكبر منها من نشاط الاستغلال الجنسي لأغراض تجارية بنحو 99 مليار دولار، ونحو 51 مليارا تأتي من نشاط الاستغلال الاقتصادي الجبري في مجالات العمل المنزلي وقطاع الزراعة وأنشطة اقتصادية أخرى.
ولفت التقرير إلى أن تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العديد من مناطق العالم، سواء بسبب النزاعات، أو بسبب جائحة فيروس كورنا، قد يرفع من الأرباح التي يجنيها المجرمون القائمون بنشاط الاتجار بالبشر أكبر بكثير مما أعلنت عنه منظمة العمل الدولية في 2014، ولا ينبغي أن ننسى أثر التطور التكنولوجي وثورة الاتصالات في إنعاش جرائم الاتجار بالبشر، فحسب تقديرات للأمم المتحدة، فإن شبكة الإنترنت كانت مصدرا للاستقطاب والاتجار في البشر بنسبة تزيد على 50%.
وبحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والاتجار بالبشر، لعام 2018 -والذي يصدر كل عامين- يبين أن ظاهر الاتجار بالبشر في المنطقة العربية ازدادت رقعتها بسبب تدهور الحالة السياسية والأمنية التي تمر بها بعض البلدان العربية، وأن 86% من الذين يتعرضون لجريمة الإتجار بالبشر في هذه المنطقة، هم من البالغين.
وأوضح التقرير أن أكثر من 50% ممن يتعرضون للاتجار بالبشر في المنطقة العربية، يستخدمون في مجال العمل القسري، وأن 36% آخرين يتم استخدامهم في مجال الاستغلال الجنسي.
كما أظهر بحث أجراه مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، أن مواقع التواصل الاجتماعي، ومنصات التعارف عن طريق الإنترنت أصبحت الوسيلة الأبرز لاستهداف الضحايا وتجنيدهم، حيث تتوفر المعلومات الشخصية وتفاصيل تتعلق بأماكن وجود الأشخاص بسهولة.
مصر تكافح الإتجار في البشر عبر الإنترنت
وكان لمصر دور بارز خلال العام الماضي لمكافحة الإتجار بالبشر، حيث شاركت اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، فى الاجتماع الأول لشركاء منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا من منطقة المتوسط، تحت عنوان: تكنولوجيا المعلومات والاتجار بالبشر- الفرص والتحديات.
ودعت السفيرة نائلة جبر، رئيس اللجنة، خلال كلمتها، إلى أن الوسائل الإلكترونية الحديثة، باتت أحد الملاذات التى تلجأ إليها عصابات الإجرام المنظم، لاسيما عصابات الاتجار بالبشر فى استغلال الأشخاص والاتجار بهم، لما توفره من أمان وسرية لبياناتهم، ومساعدتهم على إخفاء متحصلات الجريمة فى صورة عملات إلكترونية يصعب تتبعها.
وأكدت جبر، على أهمية استخدام جهات إنفاذ وفرض القانون لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة فى مكافحة جرائم الاتجار بالبشر، وعدم ترك المجال مفتوحًا لتلك العصابات.
قوانين مصرية تكافح الإتجار بالبشر
من أبرز الجهود المصرية للحد من انتشار الظاهرة إصدار القانون رقم 175 لسنة 2018 الخاص بمكافحة جرائم تقنية المعلومات الذى عرف الدليل الإلكترونى الجريمة الإلكترونية ووضع عقوبات رادعة بحق مرتكبيها سواء من المستخدمين أو من مقدمى الخدمة، بالإضافة إلى تعديل قانون مكافحة غسل الأموال رقم 80 لسنة 2002، واستحداث اختصاصات جديدة لوحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لتواكب المستجدات المتعلقة بالمنتجات المالية الإلكترونية والتحوط لها، ومن بينها مكافحة الإتجار بالبشر.
كما تقوم اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، بتوفير تدريبات بناء القدرات لجهات إنفاذ القانون في مجال التحقيق وجمع الإدلة فى الجرائم الإلكترونية، أو فى تحليل البيانات الخاصة بجرائم الاتجار بالبشر للتعرف على أهم المناطق التى تنتشر بها، أو التوعية بهذا النوع من الجرائم على مواقع الإ‘نترنت المختلفة وخاصة مواقع التواصل الاجتماعى نظرًا لما تضمه من عدد كبير من المستخدمين.