«آي - ميديا» واحدة من أبرز العروض المسرحية، التي جعلت الفنانة السورية حلا عمران، تتوج بجائزة أفضل ممثلة في مهرجانين أيام قرطاج المسرحية في دورته الثانية والعشرين، وأيضا مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في الدورة الثامنة والعشرين في ديسمبر ٢٠٢١.
وقد حصّلت تجربة منوعة بين 2000 و2007 قدّمت لها فهما مختلفا لفكرة اللعب على المسرح، وكذلك لفكرة العلاقة مع النص بعد أن مرت بمرحلة تُعلي الممثل والنص يأتي لاحقا كتحصيل حاصل، رغم كونها تنتمى لبيئة مغرقة في الثقافة، فوالدها وشقيقتها شاعران، أيقنت بعد تجربتها في أوروبا مدى عظمة النص في العرض المسرحي، وكيف للممثل أن يكون حاملا لهذا النص.
اختارت "عمران" باريس موطنا للإقامة بها، وذلك بعد مشاركتها وتقديمها للعديد من العروض المسرحية فيها مما فرضت عليها الإعاشة بها، بل وساهمت أيضا في إعطائها مجالا واسعا للتعبير عن نفسها بحرية أشمل، وفرصة في الإطلاع على تجارب الآخر في العالم أجمع فنيا وثقافيا.
التقت "البوابة نيوز" بالسورية حلا عمران، للحديث عن المسرح في حياتها، والمشاريع الفنية التي تعمل عليها الآن، وكذلك المسرح الوثائقي المنتشر حاليا في أوروبا وغيرها من الموضوعات المهمة إلى نص الحوار:
* ماذا تمثل جائزة أفضل ممثلة في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بالنسبة للفنانة السورية حلا عمران؟
- لا شك أني سعيدة بهذه الجائزة، خصوصًا أنها أتت مباشرة بعد نيل عرض "آي- ميديا" ثلاث جوائز في أيام قرطاج المسرحية بما فيها أيضًا جائزة أفضل ممثلة، شعرت بنوع من الرضا، من التقدير الذي كنت أحتاجه في هذه المرحلة من حياتي.
* حدثينا عن "ميديا" الفنانة وميديا الإنسانة؟
- ميديا هي شخصية متطرفة بمشاعرها، متطرفة بردود أفعالها، لكنها حقيقية حتى النخاع، لا مسافة لديها بين الفكرة والفعل، مع اتساق كامل بينهما، حين تحب فهي تحب إلى الحد الأقصى، وحين تتألم وتنتقم فألمها وانتقامها يكونان بالحد الأقصى، وحين أتكلم هنا عن الحد الأقصى فإنني أقصد مستوى أبعد من قدرتنا الواقعية على التخيل، حدًا تراجيديًا، ميديا هي السكين الحاد الذي يقطع صمام حياتنا اليومية المضبوطة ليتفجر الغضب الكوني الموجود داخل كل منا..
لا يمكنني الحديث عن تقاطعات مع ميديا بقدر ما يمكنني القول بأنها قريني التراجيدي، بالعودة إلي شخصيًا يمكنني القول بأنني لم أعرف يومًا مسافة بين الإنسانة والفنانة، أنا لا أقوم بمهنة، أنا أعيشها، هي أسلوب حياة، بل هي التعبير الحقيقي عن روح الحياة فيّ.
* ماذا يمثل المسرح في حياة الفنانة حلا عمران؟
- كما ذكرت الآن، المسرح، والفن عموما، ليس جزء من حياتي، هو التعبير الأمثل والأصدق والأبلغ عن الحياة فيّ.
* لماذا اختارت حلا باريس تحديدا للإقامة بها؟
- في الواقع كان هذا خيارًا تدريجيًا وليس قرارًا، كنت قد بدأت اشارك بالكثير من العروض المسرحية هنا في فرنسا وفي أوروبا بالعموم، ووجدت نفسي شيئًا فشيئًا مقيمة فيها.
* وماذا أعطيت باريس للفنانة حلا ؟
- باريس أعطتني فرصة الاكتشاف والدهشة اللذين أحتاجهما بكل لحظة كي أعيش، أعطتني مجالًا أوسع للتعبير عن نفسي بحرية أكبر، منحتني الفرصة لأشاهد كل ما يحدث ثقافيًا وفنيًا في العالم كله، وبالتالي لأتعلم.
*هل تعتقد حلا بوجود صورة نمطية عن المرأة العربية لدى الأوروبيين؟
- بالطبع هناك صورة نمطية عن المرأة العربية لدى الأوروبيين، وصورة نمطية عن العرب بالعموم، لكن سأسألك بالمقابل: أليست هناك صورة نمطية عن المرأة العربية لدى العرب أنفسهم؟
* وكيف تصفينها إن وجدت وواجهتيها بنفسك؟
- هناك أحيانًا نوع من الجهل بماهية الدول العربية او ماهية الشرق، مرتبط أيضًا بصورة استشراقية مع بقايا رواسب استعمارية، مواجهته بالنسبة لي تكون دومًا بأن أكون أنا كما أنا دون أن أتورط بلعبة ارضاء الغرب أو محاولة تقديم نفسي كنموذج مقبول للمرأة العربية، أنا لا أمثل المرأة العربية أو المشرقية، أنا لا أمثل سوى نفسي.
*ارتباطك بالمسرح في الخارج جعلك مختلفة عن ممثلات جيلك الخريجات من معهد الفنون المسرحية كيف ترين ذلك؟
- ربما أظن أن لكل ممثل تجربة خاصة مرتبطة ببحثه الحياتي قبل الفني، منذ البداية كانت لدي رغبة بالاكتشاف وآمنت بأن الحدود، كل الحدود يجب تجاوزها، وبأن المعوقات هي وسيلة للتطور لأنها تجبرنا على ايجاد حلول ثورية أحيانًا واستراتيجية أحيانًا أخرى، لذلك أظن أن الأمر متعلق بشكل خاص بالبحث الأساسي للممثل، هو الذي يأخذه إلى مساحات مختلفة.
* كيف أثرت ما تسمى بثورات الربيع العربي على المسرح السوري والكويتي؟
- لا أستطيع الحديث عن المسرح الكويتي بالعموم، فتجربتي معه مقتصرة على تعاوني الطويل مع سليمان البسام، الذي لا أستطيع القول أنه يمثل المسرح الكويتي، مثلما لا استطيع القول بأنني أمثل المسرح السوري، لكنني أستطيع القول بأن ثورات الربيع العربي، ورغم كل الخيبات والكوارث، غيرت في بنية الإنسان العربي والمجتمع العربي، بالتالي كان تأثيرها كبيرًا على المسرح العربي عمومًا، بالنسبة للمسرح السوري، بشكل أساسي كان التأثير هائلًا، في البداية كان هناك وللمرة الأولى تقريبًا شعور بالحرية وبالقدرة على التعبير والإبداع، بالتأكيد فيما بعد كان هناك إحباط ومحاولة للبقاء على قيد الحياة فقط، إلا أنه كانت هناك إيجابيات أيضًا، حيث صار لدينا كم هائل من المسرحيين المتواجدين خارج سوريا، وهذا رغم وطئته إلا أنه شكل فرصة هائلة لظهور طاقات إبداعية كبيرة ما كانت ستظهر لو بقيت في سوريا، وهنا اتحدث بشكل أساسي عن الفنانين الشباب المتعطشين للاكتشاف والذين سمحت لهم الفرصة لاستكشاف طرق جديدة وأساليب تعبير جديدة، واليوم نراهم على خشبات مسارح العالم يخلقون وجودًا حقيقيًا لهم.
*من وجهة نظرك هل تغيب الثقافة المسرحية عن البلدان العربية؟
- بالتأكيد لم نستطع تكوين تاريخ مسرحي في دولنا العربية، وكل مرحلة كانت تأتي لتهدم ما قبلها بالعموم، ويبدو لي أن ليست هناك رغبة حقيقية بتكوين وترسيخ ثقافة مسرحية عربية حاليا، للأسف.
*كيف ترين المسرح السوري الآن؟ وكذلك الأوروبي؟
- تكلمت عن المسرح السوري سابقًا، وأضيف أنه من الصعب الحديث عن مسرح سوري بالعموم، تحديدًا اليوم، أستطيع الحديث عن تجارب مسرحية سورية، ففي داخل سوريا اليوم هناك تجارب مسرحية مختلفة جذريا عن بعضها، من ناحية التمويل والإنتاج ومن ناحية الفكر والتوجه والشكل والمنظور الفني، كذلك هناك تجارب مسرحية سورية خارج سوريا مختلفة جدا عن بعضها، ربما يومًا ما سيقوم احدهم بالحديث عن كل هذه التجارب محاولًا رسم شكل للمسرح السوري في القرن الواحد والعشرين.
بالعموم ألاحظ أن هناك توجه عام نحو المسرح الوثائقي وهذا مفهوم ضمن الظروف السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية في العالم كله، فالمسرح الوثائقي أيضًا منتشر كثيرًا حاليًا في أوروبا، أظن أنها مرحلة طبيعية، ولا أظن أنه الشكل الذي سيسود، بالأحرى أرجو ذلك.
هناك أيضًا ميل نحو التقشف في المسرح بالعموم، بسبب الظروف الاقتصادية وحتى الصحية بعد الجائحة، وربما كان هذا الأمر إيجابيًا حيث يدفع المسرحيين نحو التعمق أكثر في العناصر الأساسية التي تكون المسرح: النص/ الشعر، الممثل/ الصوت، الموسيقى..
هناك نوع من الاقتصاد في الأدوات يدفعنا نحو البحث بشكل أعمق واكثر صدقًا للوصول إلى طرق تعبير متفردة تحرض خيال الفنان وخيال المتفرج معًا.
*هل انتهت الحرب في سوريا؟ وهل بدأت عودة سورية للبيت العربي؟
- لا يمكن أن تنتهي الحرب في سوريا طالما أن هناك الملايين من المهجرين الممنوعين من العودة إلى بيوتهم التي دمرت أو إلى بلدهم التي يتقاسمها مجموعة محتلين وطالما أن هناك مئات الآلاف من المعتقلين والمغيبين داخل المتعقلات.
أما عن عودة سوريا إلى البيت العربي، فأظن أولًا أنه يجب إعادة تعريف "البيت العربي"، فمع كل المتغيرات الأخيرة في مشاريع الدول العربية وفي أولويات قضاياها التي كانت يومًا "مصيرية" ومع تنوع أشكال الاحتلال السياسي، والاقتصادي، والعسكري التي يعيشها العرب حاليًا، لم أعد أعرف عن أي بيت عربي نتكلم اليوم.
*ما هو المشروع المسرحي الحالي الذي تعملين عليه الآن؟
- أعمل على عدة مشاريع حاليًا، منها: ما تم انجازه قريبًا ونقوم بجولات عرضه ومنها: ما نحضر له، فأعمل منذ عدة سنوات مع مصمم رقص ومخرج لبناني اسمه علي شحرور، ومعه كما مع سليمان البسام أجد ما ابحث عنه من دهشة وتجديد، وحاليًا نحضر لجولات في أوروبا وأمريكا لعرضنا الأخير "كما روته أمي".
كما أحضر لجولات فرنسية مع عرض مسرحي اسمه "٧٢ حورية" لمصمم رقص وفنان تشكيلي فرنسي/ مغربي اسمه مهدي جورج الحلو، وكذلك نحضر مع سليمان البسام لجولة عربية/ أوروبية لعرض "آي- ميديا"، وقريبًا سنبدأ مع سليمان التحضير لعمل جديد من تأليفه بعنوان "صمت".
*ماهي الرسالة التي توجهها الفنانة السورية حلا عمران من مصر لأهل سوريا وفرنسا؟
- رسالتي سأوجهها أيضًا لأهل مصر التي أعشقها، أتمنى للمصريين وللسوريين ولنا كعرب ما نستحقه من حياة سعيدة متكافئة مع ما نحمله من تاريخ عريق، واتمنى لنا كبشر نتشارك هذه البقعة الشديدة الصغر من الكون، سنة سعيدة بأقل ما يمكن من الخسائر والأزمات، وبأكثر ما يمكن من الحرية والرخاء.